16-أغسطس-2020

الجزائر وقعت اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 2005 (الصورة: EU NEIGHBOURS)

ما يزال ملف الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي يثير تضارب المصالح بين الجزائر وبروكسل. في هذا الشأن، أعاد الرئيس عبد المجيد تبون فتح الملف خلال اجتماع  الدوري لمجلس الوزراء، وأكّد الرئيس على ضرورة ترقية مصالح الجزائر وإعادة التوازن بشكل لا يضرّ بالاقتصاد الوطني، مشددًا على أهميّة تقييم وتكييف الاتفاقية ما يكفل تكافؤ  الفرص والمصالح المشتركة.

بن يحي فريد: الاتفاقية مع الاتحاد الأوربي سنة 2001 أملتها اعتبارات سياسية فردية وأنانية

وينصّ الاتفاق الذي وقع عليه الطرفين سنة 2001، ودخل حيز التنفيذ سنة 2005 على رفع الحواجز الجمركية تدرجيًا أمام منتجات صناعية وفلاحية وغذائية واسعة تستوردها الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا: شراكة الجزائر مع الاتحاد الأوروبي.. صفقة خاسرة من البداية؟

تآكل احتياط الصرف

ويأتي إعادة فتح الملف الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، في ظلّ تآكل احتياط الصرف، وتراجع المداخيل بالعملة الصعبة والعجز في الموازنة، كما سارعت الآثار السلبية لأزمة كورونا على الاقتصاد الوطني، إلى إعادة تقييم التجارة الخارجية، وتعتزم الحكومة  تقليص فاتورة الاستيراد للمحافظة على التوازنات المالية للبلد.

تجدر الإشارة ان التبادل التجاري بين الجزائر ودول الاتحاد الأوربي يميل بشدة لصالح الأخيرة، وتبلغ قيمة الواردات من أوروبا حوالي 22 مليار دولار سنويًا، وبحسب الاحصائيات الرسمية بلغت صادرات الجزائر نحو أوروبا  قيمة 14 مليار دولار، منذ تنفيذ الاتفاقية سنة 2005.

أين الخلل؟

في هذا الصدد، يتساءل خبراء، هل يُمكن تحميل الجانب الأوروبي هذا الخلل في التوازن التجاري، أم في نوعية السلع والخدمات الجزائرية الضعيفة؟ أم هل العقود ودفتر الأعباء التي لم تراعي فيها عدم قدرة الجزائر اقتصاديًا أمام  تحالف أوروبي متكون من 27 دولة. علمًا أن المفاوضات جرت وسط ظروف سياسية واقتصادية خاصّة.

الطرف الأوروبي يتحجج

ويعاب على الطرف الأوروبي عدم التزامه بتجسيد استثمارات قوية، وتقاسم المعرفة ونقل التكنولوجيا مقابل التفكيك الجمركي كما تنصّ عليه الاتفاقية.

في المقابل يتحجج الطرف الأوروبي أن ضعف الاستثمارات في الجزائر يعود  إلى عدم استقرار المنظومة التشريعية في مجال جلب الرؤوس الاموال والشركات، علمًا أن الاتحاد الاوروبي  أعرب في محطات مختلفة عن اعتراضه لقاعدة 49/51 في مجال الاستثمار، معتبرًا أنها عائق أمام جلب المستثمرين الأوروبيين إلى الجزائر.

في السياق نفسه، يرى الجانب الأوروبي أن الجزائر لم تتقدم بخطوات فعلية في مجال عصرنة الإدارة و تحفيز مجال الأعمال، ويشكّل النظام المصرفي حاجز أمام دخول السوق الجزائرية، وتفرض الجزائر على الشركات الأجنبية ما يراه الطرف الأجنبي تعجيزيًا في مجال تحويل الأرباح، حيث يجدر التذكير أن الكثير من الشركات الأوروبية اشتكت إلى السلطات السياسية وتقدمت بطلب الاحتكام.

ضرورة إعادة التقييم

جدير بالذكر أيضًا، أنّ اتفاق التفكيك النهائي للرسوم الجمركية مع الاتحاد الأوروبي يدخل حيز التطبيق بداية من شهر أيلول/سبتمبر 2020، ويقول مراقبون بضرورة إعادة تقييم الاتفاق الشراكة بناءً على معطيات سياسية جديدة وظروف اقتصادية ما بعد أزمة كورونا، في هذا الإطار يقترح بعض الخبراء أنه يمكن وضع إجراءات حمائية دون المساس بالإطار القانوني  للنصوص الاتفاق، وعلى سبيل المثال توسيع الرسم الإضافي المؤقت الوقائي الذي يشمل على أكثر من 1000 تعريفة جمركية، وتتراوح نسبته ما بين 30 في المائة، 50 في المائة، 70 في المائة، 120 و 20 في المائة.

المصلحة السياسية 

في الموضوع ذاته، يؤكّد الخبير الاقتصادي  بن يحي فريد أن الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي سنة 2001 أملتها اعتبارات سياسية فردية وأنانية، وبعيدًا عن تحقيق مصلحة اقتصادية للوطن،  كما لم تراع فيه المصلحة الوطنية، بل الاتفاقية خدمة مصالح "العصابة" سياسيًا وماليًا.

وشدّد محدثنا على ضرورة التفكير بشأن إعادة صياغة الأولويات التجارية والاقتصادية مع دول الاتحاد الاوروبي، فمن غير المعقول يقول المتحدث: " في ظلّ تراجع احتياطي الصرف، الإبقاء على مستويات العجز في الميزان التجاري لصالح الاتحاد الوروبي".

وعن آليات مراجعة  اتفاق الشراكة أكثر نجاعة، ألح بن يحيى في حديثه لـ "التر جزائر" على توسيع دائرة النقاش والحوار الداخلي، وتقديم مقترحات من طرف هيئات ومكاتب دراساتٍ عالية الكفاءة، على غرار مجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي وعدم الاكتفاء بوزارة التجارة فقط، على حدّ قوله. وأضاف المتحدّث أنه ينبغي اعتماد كفاءات تتمتع بالحس الوطني، والكفاءة العلمية والقدرة على التفاوض وابرام العقود.

وذكر بن يحيى أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي التي تضم 27 دولة مقابل دولة واحدة، وبالتالي يجب على المفاوض الجزائري التسلح بالكفاءة العالية وحسن إدارة الملفات لكي لا نعيد أخطاء الماضي مع صندوق النقد الدولي واتفاق الشراكة سنة 2001.

 تحتاج الجزائر اليوم إلى تنويع شركائها وعدم الاستسلام للابتزازات السياسية للاتحاد الأوروبي

وعلى العموم، تحتاج الجزائر اليوم إلى تنويع شركائها وحلفائها في المجال التجاري والاقتصادي، وعدم الاستسلام للابتزازات السياسية للاتحاد الأوروبي، ولن يستقيم الوضع إلا بإعادة الاعتبار للشأن الداخلي سياسيًا واقتصاديًا وماليًا، كما يُوجب التفاوض مع  الاتحاد الأوروبي تشكيل قطب مغاربي قوي، يحافظ على توازناته المالية والاقتصادية ناتجة على تغييرات اقليمية وعالمية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاتحاد الأوروبي أول زبون للجزائر والصين تحتل المرتبة الأولى كممون

"توتال" الفرنسية والبترول الجزائري.. هل أصبحت القضيّة سياسية؟