01-ديسمبر-2021

(تصوير: بلال بن سالم/Getty)

 

تراهن الأحزاب السياسية التي خاضت المنافسة الانتِخابية الأخيرة، على إيجاد أرضية تَوافُق في التسيير بين أعضاء المجلس البلدي والولائي، وهي من الصّعوبات التي يجدها الأعضاء -بناء على التّجارب السّابقة-  ما يعطّل تسييرها وانسِداد يؤثر على التنمية في عديد البلديات.

شهِدت بعض البلديات انسدادًا عميقًا بين أعضاء المجلس البلدي بسبب اختلاف التوجّهات السياسية لدى المنتخبين

من خلال توليفة المجالس المحلية التي أعقبت الانتخابات المحلية الأخيرة، يهدف المنتخبون الجدد إلى استرجاع الثّقة مع المواطن عن طريق تقريب الإدارة منه وتحقيق الطّموحات المرجوّة بتخصِيص مشاريع التّنمية وتذليل المشاكل اليومية وحلّها خاصة منها أزمة السّكن، وغياب الإنارة العمومية، وإصلاح الطّرقات وتوفير الرعاية الصحية في المدن الداخلية.

اقرأ/ي أيضًا: "العروشية" والعصبية القبلية.. دروس من الانتخابات المحلية

ومن خلال تجارب سابقة في المجالس المحليّة، شهِدت بعض البلديات انسدادًا عميقًا بين أعضاء المجلس البلدي بسبب اختلاف التوجّهات السياسية لدى المنتخبين، ما يجعل من الاحتكام للإجماع هَدَفًا صعب المنال والتفاهمات على مستوى الأعضاء بعيدة عن الصالح العام لساكِنة البلدية.

رغم اعترافهم بأ همية التّنسيق بين الأعضاء المنتخبين، إلا أنّ مختلف الفاعلين السياسيين داخل الأحزاب الناشطة في الساحة، تعترف بأنّ الحكم الراشد يحتكم لاحترام الإدارة الشعبية وإتاحة الفرصة للمشاركة الفعالة في تسيير شؤونهم، لذا فالمجالس المحلية المنتخبة هي القاعدة الأساسية للحكم الديمقراطي، إذ تكفّل للمواطن حقوقه دون تأثير التوجهات الحزبية للأعضاء المنتخبين على واجبهم في خدمة المواطن بالدرجة الأولى.

ويطرح النّاشط السياسي المحامي عبد الله مرواني أن تجربة المجالس المحلية منذ إقرار التعددية السياسية والحزبية من خلال دستور 1989، تعني إجرائيًا ممارسة الشعب لسيادته عن طريق ممثليه المنتخبين، إذ يعتبر المجلس المنتخب قاعدة لمشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العامة.

وأضاف الأستاذ مرواني في تصريح لـ "الترا جزائر" أن المجالس المحلية بنوعيها ولائية وبلدية هي الإطار الذي يعبر الشعب عن إرادته ويراقب عمل السلطات العمومية، لافتًا إلى أن الانسداد في هذه المجالس نابع من عراقيل تحول دون تحقيق الأهداف التي أنشأت لأجلها، وتحقيق التّنمية المحلية في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها.

صِراعات سياسية

وبخصوص هذه العراقيل التي حوّلت المجالس من التّعاون والمشاركة والحوار إلى صراعات ونزاعات وتجاذبات تعطّل حركة التنمية، كشف المتحدّث أنها أنشأت بإطار سياسي من رحم الأحزاب السياسية، تتميّز بتنوّع في الأفكار والتوجّهات والأهداف، غير أنها تنتمي إلى تيارات سياسية مختلفة وأحيانا متناقضة ما يجعل الاتّفاق على برامج واحدة وموحّدة غير متاح.

كما أن هذه التّوليفة السياسية لا يمكنها الاشتِغال في سياق واحد وهدف مشترك، كما أنها لا تسمح بخلق مجموعات عمل منسجِمة مع بعضها البعض. ومن زاوية أخرى، فإنّ اختلاف التّركيبة السياسية للمجالس البلدية، هي مسألة طبيعيةـ كما قال العضو في حزب جبهة التحرير الوطني فريد رحمون، إذ هي ترتبط بنتائج الانتخابات الأخيرة، موضحًا أن هذه التشكيلة بإمكانها أن تخدم التنمية في اتّجاه تعددية الآراء وتوسيع التّشاور بين مختلف الأطراف في علاقة بالمشاريع التّنموية والقرارات البلدية.

هنا، يقول رحمون لـ" الترا جزائر" إن هذه الصورة توفّر حالة من الرّقابة الذاتية داخل المجلس نفسه على صرف المال العام، بمعنى أن كلّ منتخب في المجلس ينتمي إلى حزب يراقب عمل الأعضاء الآخرين المنتمين إلى أحزاب أخرى".

وفي المقابل من ذلك، فإنّ التركيبة المتنوّعة، قد يحدث أن تتحوّل أيضًا في بعض الحالات إلى عائق في حال حصل انسداد وعدم توافق، وذلك بسبب غياب أرضية توافق بين أقطاب المجلس الجديد.

وبالحديث عن هذا المعطى، تُثار دائمًا مسألة التحالفات بين الأحزاب في اختيار رئيس البلدية، رغم أن القانون واضح فيما يتعلّق بهذه الجزئية، إذ يتمّ تغليب المصالح الحزبية، وهو ما لا يضمن الاستقرار في المجلس التي تؤدي إلى توقف العمل داخل الهيئة البلدية في فترات خلال العهدة الانتخابية.

وبالحديث دائمًا عن التحالفات، فهي تنسيق بين حزبين أو أكثر بعد الانتخابات من أجل تحقيق أهداف مشتركة لا يستطيع الحزب تحقيقها لوحده، وبالتالي يمكن تجميع مختلف الموارد المحدّدة، لتحقيق الاتحاد في تحقيق الأهداف المرجوة، وقد تنبع التحالفات من خلال استراتيجية في إطار برنامج مشترك يتوفر على قواسم مشتركة بين الأحزاب المعنية مع احتفاظ كل حزب بهويته واستقلاليته وأجهزته التي تقرر في عديد القضايا.

عراقيل

وعليه لم ينف عدد من المنتمين للأحزاب السياسية في تصريحات متفرقة لـ "الترا جزائر"، ظهور عراقيل ومشاكل تحول دون تمكين المجالس من أداء مهامها على أكمل وجه؛ بسبب عدم تجانس المجالس المحلية، من حيث الرؤية والرؤى في التنمية، في مواجهة مطالب المواطنين وخاصة وأن المجالس المحلية ليس بإمكانها أن تخوض غمار التسيير على إرث ثقيل ورثته البلديات من حقب حكم محلي سابق.

وفي هذا الإطار، يتخوّف البعض من مدى فعالية هذه المجالس في التّسيير في ظلّ القوانين التي تحكم البلديات والتي كثيرًا ما طالبت المكونات السياسية في البلاد تغييرها أو تعزيزها بصلاحيات تُمنح للمسؤول المحلّي، لإدارة الشأن العام داخل منظومة مجتمعه الداخلي.

وفي هذا المضمار، كشف أستاذ العلوم السياسية عبد الله لعلالي أن الديمقراطية المحلية، تحتاج إلى توفير الصلاحيات لرئيس البلدية، وتجنيبه من "تغوّل الإدارة"، لافتًا إلى أننا حاليًا أمام قوة الوالي المعين على رؤساء البلديات المنتخبين، إذ بإمكان الوالي أن يوقف عمل رئيس البلدية وتجميد المجلس المحلي.

ودومًا يطرح السؤال بإلحاح:" كيف لوالٍ معين أن يتحكم في مسؤول بلدي منتخب بإرادة شعبية؟"، إذ أكّد لعلالي في تصريح لـ "الترا جزائر" أن هناك تناقضات بين الشعارات المتعلقة بالتغيير والتنمية المحلية في مقابل صلاحيات محدودة".

من هو المسؤول بحكم القانون والتسيير على تدهور التنمية في البلديات، هل هو رئيس المجلس البلدي أم الوالي؟ 

في الختام، يمكن أن نعرج على سؤال جوهري من هو المسؤول بحكم القانون والتسيير على تدهور التنمية في البلديات، هل هو رئيس المجلس البلدي أم الوالي؟  هنا، يردّ المتحدث أن المسؤول عن مشاريع التنمية هو من يملِك فعليا سلطة القرار الحقيقي على مستوى البلدية، لكن إجرائيا رئيس البلدية دائما يتحمل مسؤولية الفشل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المحليّات.. عراقيل التنمية في البلديات رهينة "صلاحيات" المنتخبين

لعمامرة: تاريخ الـ27 نوفمبر يومٌ مهمٌ في حياتنا السياسية