18-أبريل-2022

تجمّع أمام مكتبة الشيخ فركوس بالعاصمة (فيسبوك/الترا جزائر)

باتت معظم القنوات الفضائيّة الموصوفة بالمستقلّة تبثّ أحاديثَ دينيةً لوجوه سعودية؛ خاصّةً في شهر رمضان؛ وكأن الجزائر لا تملك علماءَ وأعلامًا وعلاماتٍ؛ في الفقه والعقيدة والأصول وفنون الدّعوة المختلفة؛ بعضهم رحل حديثًا مخلّفًارصيدًا جديرًا بالتّثمين والإحياء؛ وبعضهم ما يزال على قيد الحياة والعطاء.

هناك خصوصيّة جزائريّة في الفقه والخطّ والأذان والمعمار واللّباس وقراءة القرآن؟

بأيّ حقّ تسمح هذه القنوات لنفسها بأن تتحسّر على رحيل من بقي حيًّا من علماء البلد، مثلما تفعل ذلك دومًا؛ وهي لم تحتفِ به إنسانًا وعالمًا؟ ويكفي أن نعطي مثالين اثنين هما الشيخان الطّاهر آيت علجت الذي ختم القرن بالموازاة مع ختمه لشرح موطّأ الإمام مالك الذّي تتبع الجزائر كلّها؛ ما عدا نسبة من المواطنين الذّين يتبعون المذهب الإباضيّ، والشّيخ محمّد الصّالح الصدّيق الذّي تجاوزت كتبه وأعوامه المئة وكان مفتيًا لمجاهدي ثورة التّحرير في الجبال؟

لماذا لا نرى لهذين العالمين حضورًا في قنواتنا؛ وهما المرجعيتان المشهود لهما في الفقه المالكيّ والعقيدة الأشعريّة والعارفان بالمزاج العامّ للجزائريّين؛ فنأخذ عنهما شؤون ديننا؛ عوض أخذه عن وجوه مشرقيّة مفصولة تمامًا عن سياقنا الجزائريّ؟

الغريب أنّ هذه الأحاديث التّي تبثّها بعض قنواتنا لوجوه سعوديّة، حتّى لا نعمّم فنتعسّف، مسجلة منذ سنوات. أي قبل أن تتراجع هذه الوجوه عن كثير من قناعاتها انسجامًا منها مع رغبة وليّ العهد السّعودي؛ بحسبه، في تحديث الحياة السّعوديّة. فقد شاهدت حديثًا يحرّم فيه صاحبه الغناء والموسيقى مطلقًا؛ وهو نفسه عاد قبل عامين؛ فقال إنّهما جائزان؛ وهو نفسه حضر مع زوجته حفلة للفنّان محمّد عبده!

هل يحدث هذا في بعض قنواتنا لأنّ القائمين عليها لا يدركون أهمّيّة مراعاة الخصوصيّة الفقهيّة لكلّ بلد؛ وأنّ ذلك داخل في صميم الهوّيّة الوطنيّة؛ ذلك أنّ هناك عقيدة سنّيّة واحدة، فنحن مجتمع سنّي، لكنّ هناك خصوصيّة جزائريّة في الفقه والخطّ والأذان والمعمار واللّباس وقراءة القرآن؟ أمّ أنّ هناك جهةً تزوّد هذه القنوات بهذه المواد الدّينيّة مجّانًا؛ في إطار نشر الخصوصيّات السّعوديّة؛ فتقبل عليها قنواتنا لمجّانيتها؛ مغلّبةً خصوصيتها المالية على حساب الخصوصيّة الفقهيّة للجمهوريّة؟

إنّه من المثير للدّهشة والاستغراب والشّكّ والتّساؤل أن يعمل بعضهم على تجفيف منابع الفكر السّلفيّ الوهابيّ في بلاده؛ وهو حرّ في تصرّفاته وسياساته داخلها، بينما ما تزال منابرنا "شبه الحكومية" بل وحتّى بعض الحكوميّة؛ منها إذاعة القرآن الكريم تروّج له بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ بما يدلّ على أن استمراره فينا وبيننا هو قرار سياسيّ لدواعٍ تخدم النّظام؛ ولا تخدم الدّولة.

فبعض الوجوه/ الأجنحة النّظاميّة ترى في غضّ العين عن الفكر السّلفيّ الذّي يحرّم الخروج عن الحاكم ويحرّم الإضرابات وتأسيس الأحزاب والنّقابات، خادمًا ثمينًا لمصالحها؛ فهي تسمح بانتشاره في الشّارع والمدرسة والجامعة والجامع؛ في تبادل للمصلحة غير معلن بينها وبين ممثّلي هذا التّيّار. أنتم حرّموا الخروج عن طاعتنا ونحن نمكّن لكم في المنابر.

غير أنّ الذّي غاب عن أذهان هؤلاء كونُ شيوخ هذا التّيّار من الجزائريّين إذا تعارضت مواقف النّظام الجزائريّ مع مصالح الرّياض وأبو ظبي؛ فإنّهم يساندون السّعوديّة والإمارات لا الجزائر. وقد وقفنا على ذلك في الحرب على سوريا واليمن. وهو ما يذكّرنا بأنّ العبرة في المواقف الفقهيّة بالأشواق لا بالأوراق. 

حين تعمل بعض وجوه النظام  بعيدًا عن منطق الدّولة؛ تلجأ لضمان استمرار مصالحها حتّى إلى ما يُهدد الأمن القوميّ الفقهيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ العامّ، كمقدّمة لتهديد الأمن القوميّ العسكريّ. لمسنا هذا بوضوح في زمن بوتفليقة؛ حسن رفضت الجزائر الانخراط في بعض مساعي الرياض والإمارات، فبدا كأنها أوعزت  لأتباعها من سلفيّة الجزائر بالخروج في غرداية عام 2014 رافعين شعار "لا إله إلّا الله والإباضي عدوّ الله"؛ في محاولة لإحداث فتنة بين مكوّنات الوحدة الوطنيّة لولا نضج وحكمة بعض الأطراف في المجتمع والأجهزة الأمنيّة. تمامًا مثلما شوّشت وما تزال فرنسا تشوّش على الجزائر في منطقة القبائل؛ في كلّ مفصل تجد فيه مصالحها مهدّدة.

أنتظر من عميد جامع الجزائر المعيّن حديثًا برتبة وزير إطلاقَ برنامج وطنيّ مدروس لاسترجاع أبجديات الهوّيّة الفقهيّة الوطنيّة

وأمام خيبتي في سلطة الضّبط التّلفزيونيّ التّي تحتاج هي نفسها إلى ضبط؛ أنتظر من عميد جامع الجزائر المعيّن حديثًا برتبة وزير إطلاقَ برنامج وطنيّ مدروس لاسترجاع أبجديات الهوّيّة الفقهيّة الوطنيّة وتكريسها، فقد بات ذلك داخلًا في صميم الأمن القوميّ العامّ.