16-فبراير-2021

 

لم يشهد الجزائريون لقاءات مباشرة بين رئيس الجمهورية وقادة الأحزاب السياسية، لأكثر من من ربع قرن مضت، خاصة قِوى المعارضة منها، يحدُث هذا التطوّر السياسي في ظرف اجتماعي وسياسي متوتّر، وعشية استحقاقات انتخابية يعتزم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إجراءها قبل منتصف السنة الجارية.   

لمدّة عقدين من الزّمن قضاهما الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في الحكم ما بين سنتي 1999 و2019، أغلق باب الرّئاسة دون قادة الأحزاب السياسية، إذ لم يَحدُث خلال فترة حكمه أيّ لقاء أو دعوة منه لقادة الأحزاب لحوار أو مباحثات أو مشاورات سياسية، بما فيها الأحزاب الموالية له، والتي كانت تشكِّل حزامه السياسي، وحتى في محطات سياسية مهمّة شهدتها الجزائر من بينها، سنّ تدابير وإجراءات قانون المصالحة الوطنية عام 2005، أو تعديل الدستور عام 2008، ومشاورات الإصلاحات السياسية التي أجراها في العام 2012، إذ لم يكلّف الرئيس بوتفليقة نفسه عناء استشارة مكوّنات الشأن السياسي ولو على سبيل المجاملة. 

واجهة جديدة

لكن الرئيس الجديد عبد المجيد تبّون كسر هذه القاعدة، وانتبه مُبكِّرًا إلى أهميّة الحوار مع قادة الأحزاب السياسية بمختلف مشارِبها الإيديولوجية، مباشرة بعد انتخابه، إذ أجرى في شهر كانون الثاني/جانفي 2020، سلسلة أولى من اللقاءات مع رؤساء أحزاب وشخصيات سياسية بارزة، ورؤساء حكومات سابقين وهم اليامين زروال ومولود حمروش ومقداد سيفي وأحمد بن بيتور، وشخصيات مستقلّة مثل وزير الإعلام السابق الدبلوماسي عبد العزيز رحابي، كما تنقّل بنفسه لزيارة شخصية أخرى متقدمة في السنّ ولظروفها الصحية، ممثّلة في شخصية أحمد طالب الإبراهيمي. 

ظاهريًا، توخّى الرئيس تبون من خلال هذه اللقاءات تغيير الصورة النّمطية التي ظلت ثابتة خلال العقدين الأخيرين، إذ كانت القرارات تؤخذ من جانب واحد وفي اتجاه أحادي رغم تعدد الغطاء السياسي الذي كان يحتمي به الرئيس بوتفليقة، كما أن هذه اللقاءات تعطي انطباعًا بانفتاح الرئيس تبون عكس سابقه على المكوّنات السياسية المختلفة في الساحة السياسية الجزائرية، واستعداده لتبادل الأفكار ووجهات النظر والاستماع للمقترحات من مختلف الطيف الحزبي. 

في الوقت الرّاهن، بادر الرئيس تبون مباشرة بعد عودته من رحلة العلاج من ألمانيا مشاورات سياسية، حيث استقبل حتى الآن ستة قادة أحزاب سياسية، وهم على التوالي: رئيس "حركة البناء" عبد القادر بن قرينة، رئيس "جبهة المستقبل" عبد العزيز بلعيد، ورئيس "جيل جديد" جيلالي سفيان، ثم رئيس "حركة مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، ورئيس "حركة الإصلاح الوطني" فيلالي غويني، و وفد من "جبهة القوى الاشتراكية" مكوّن من حكيم بلحسل، عضو الهيئة الرئاسية، ويوسف أوشيش الأمين الوطني الأول للحزب. 

الملفت للنّظر، هو أن أهمّ تطور حصل في سلسلة اللّقاءات التي قام بها الرئيس تبون هذا الأسبوع، هو نجاح تبّون في إقناع "جبهة القوى الاشتراكية" (الحزب المعارض التقليدي منذ العام 1963)، خاصّة أنه لم يشارك في السّابق في أيّة مشاورات مع رئيس الجمهورية، والتزم بمسار القطيعة مع السّلطة طيلة السنوات الماضية.

مشاورات متواصلة

مباشرة الرئيس تبّون للحوار هذه المرّة، بإعلان نيته حلّ البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مسبقة تليها انتخابات محلية وتعديل حكومي جزئي، إذ يتوقّع المُتابعون للشّأن السياسي في الجزائر، أن تتواصل هذه المشاورات، لأطياف أخرى في الساحة السياسية، في سياق عملية " الإصلاح السياسي" التي كثيرا ما روّج لها الرئيس تبون في كثير من لقاءاته الإعلامية وخطاباته الموجهة للرأي العام الجزائري.

وبخصوص التغييرات المتوقّعة خلال الأشهر المقبلة، قال الناشط الحقوقي المحامي محمد السعيد لبيض أنّها تتعلق أساسا بالبرلمان والحكومة والمجالس البلدية، مشيرا إلى أنها " تحصيل حاصل عقب استفتاء الدستور في الفاتح تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مشددّا على أن الوضع السياسي عرف نوع من الجمود بسبب الأزمة الصحية التي ستكون تداعياتها وخيمة على الساحة الاجتماعية وهو ما يتطلّب إعادة ترتيب بيت السلطة التشريعية والسلطات المحلية عبر المجالس البلدية.  

ومن جهة أخرى، اعتبر المتحدث أن انفتاح تبون على مختلف المكوّنات السياسية من شأنه أن يعيد نوع من الطمأنة وتحدث نوع من الاستقرار في الشارع. 

برأي الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية مصطفى منوّر، تعدّ الخطوة " منتظرة"، خاصة بعد عودته من ألمانيا، إذ "شهدت البلاد توترات اجتماعية وقلق سياسي" حدّ تعبيره. 

وفي خضم هذا القلق، يبدو أن الرئيس الجزائري –حسب المتحدّث-استجاب للأصوات الحزبية الدّاعية إلى تغيير بعض الوزراء بسبب آدائهم السّلبي تقنيا، في معالجة بعض المسائل المرتبطة مباشرة بالمواطن. 

وقال الأستاذ منوّر في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن بعض الشخصيات في حكومة عبد العزيز جراد، أثبتت فشلها الذريع، في "حلحلة بعض التحديات التي كانت تشغل الرأي العام وتهمّ الشأن الاقتصادي والاجتماعي في البلاد" كما قال. 

اختيار التوقيت مهمّ 

لا يختلف اثنان أن الرئيس اختار التوقيت اليوم للقائه بأحزاب سياسية، إذ " دخل في الموضوع الإصلاحي والاستشاري مباشرة منذ دخوله البلاد عقب فترة العلاج"، حسب بعض المتابعين، وهذا ما يفضي لقراءات متعددة أهمها أن الوضع في الشارع ينبئ بعودة بعض مكوّنات الحراك الشعبي لدعوات المسيرات والعودة للشارع، وهو ما يفسّر تسارع السلطة السياسية في استقطاب سياسي جديد نحو "مربّع الانطلاق والحلّ وليس الإبقاء على الأزمة وتمددها.   

عموما، يكون الرئيس تبون قد عاد إلى نفس الأسلوب الحواري مع قادة الأحزاب الذي اتّبعه كل من الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد في الفترة التي تلت أحداث الـ5 تشرين الأول/أكتوبر 1988، وعقب الانفتاح السياسي الذي شهدته البلاد بعد إقرار دستور شباط/ فيفري 1989، حتى استقالته عام 1992، وكذا الرئيس الأسبق اليامين زروال الذي أجرى حوارات سياسية مع قادة الأحزاب من مختلف المكوّنات السياسية الناشطة في الساحة آنذاك، في منتصف التسعينيات، والتقى قادة الأحزاب السياسية، للمشاورات وإيجاد مخارج سياسية خاصة في تلك الظروف الأمنية الصعبة التي شهدتها الجزائر، وما تخللها من أحداث دموية تحتاج إلى أكثر من رأي وصوت واتجاه بغية استتباب الاستقرار. 

انتهى// 

دلالات: