عادةً ما تكون الأحداث الكبرى في العالمين العربيّ والإسلامي، منصّةً لجدال واسع بين المثقّفين الجزائريّين، قد يصل في بعض الأحيان إلى الخصومة الواضحة؛ التّي تؤدّي إلى تبادل الشتائم والتّهم، وقد تؤدّي إلى إلغاء الصداقات على موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، والمقاطعة في الواقع، في خضوع تامّ للخلفيات الأيديولوجيّة.
فضّ اعتصامي رابعة والنّهضة في مصر قبل سنوات، كان أقوى الأحداث التّي انقسمت بخصوصها النّخب المثقّفة الجزائريّة
رأينا ذلك في إعدام الرّئيس العراقيّ الأسبق صدّام حسين، والعقيد اللّيبيّ معمّر القذّافي، وصعود طيّب رجب أردوغان إلى منصب الرّئاسة في تركيا، ومحمّد مرسي في مصر عام 2012.
اقرأ/ي أيضًا: بيان لمثقفين جزائريين: "لا لزيارة ابن سلمان"
غير أنّ فضّ اعتصامي رابعة والنّهضة في مصر، خلال أوت/ أغسطس 2013، كان أقوى الأحداث التّي انقسمت بخصوصها النّخب المثقّفة الجزائريّة، بين معارض ومساند، حتّى أنّ الطّرفين أصدرا بيانين متناقضين. وتحوّل فيسبوك إلى فضاء للتّراشق بالتّهم والشّتائم والتّخوين.
كان رحيل الرّئيس المصريّ السّابق محمّد مرسي، الإثنين الماضي، مؤهّلًا لتجديد المعركة بين الطّرفين، غير أنّ النّزعة الإنسانيّة والحقوقيّة كانت غالبة على تفاعل المثقّفين الجزائريّين مع الموت الفجائيّ للرّجل، وهو في المحكمة، بعد ستّ سنوات من السّجن، خارج الشّروط والظّروف المتعارف عليها، بحسب شهادات لأسرته ولمنظمات حقوقيّة عالميّة. فجاءت منشورات وجوه معروفة بعلمانيتها وبعدها عن الفكر الإخواني أبعدَ ما تكون عن التّشفّي.
كتب الشّاعر والأكاديميّ نذير طيّار أنّ وفاة الرّئيس المصريّ المنتخب السّابق محمّد مرسي أثناء محاكمته، تتحمّله الدّولة المصريّة، "الإنسان الحرّ الصّادق، يدين الظّلم بشتّى أنواعه. وحتّى لو كان ضدّ الذّين يختلف معهم أو يخاصمهم سياسيًّا أو إيديولوجيًّا، فالتّشفّي في المظلومين هو ديدن ناقصي العقول والدّين".
ويختم طيّار بالقول: "من حقّك الاختلاف مع الإخوان في كلّ مواقفهم، لكنّ واجبك هو مقارعة الظّلم بكلّ أنواعه". وهو المنحى الذّي أدّى بالأكاديميّ والشّاعر عبد القادر رابحي إلى التساؤل في تدوينة فيسبوكية له: " كيف يكون الآن حال الضّمير المدنيّ الحالي لكثير من المثقّفين الذّين وقفوا بالأمس مع الانقلاب ضدّ الإرادة الشّعبيّة في مصر؟".
من جهته، كتب الإعلاميّ والنّاشط عبد النّور بوخمخم: "كانت مصر أمام حلم دولة مدنيّة تتعلّم وتكبر من أخطائها وحرّيتها وتنوّعها، حتّى عاد النّظام العسكريّ وقتله".
وأبدى الرّوائي والإعلاميّ احميدة عيّاشي حزنه على أن يموت رئيس سابق بهذا الشّكل الفظيع داخل محكمة، بعد سنوات من السّجن، "لقد تمّ الانقلاب عليه وهو أوّل رئيس انتخب ديموقراطيًّا في مصر، من طرف الرّئيس الحالي ووزير دفاعه".
ويخلص عيّاشي إلى القول: "ما حدث هو وصمة عار في جبين النّظام المصريّ الحالي، وفي جبين النّخبة التّي صفّقت للانقلاب، لكن أيضًا في جبين الإخوان، الذّين التفّوا على ثورة الشّباب، ووضعوا يدهم في يد المجلس العسكري، وجعلوا من السّيسي رجلَهم".
من جهته قام الكاتب محمّد بن زيّان بتأصيل موت محمّد مرسي تاريخيًّا بالقول: "موت في وضعية متّصلة بما كتبه المقريزي عن الغمّة. فصل آخر من فصول الطّغيان، الذّي بدّد العدالة وفرض السّحق، الذّي جعل حكّام ما يُسمّى بالعالم العربيّ بلطجيّةً لخدمة ترامب، وسيزحفون نحو المنامة للاذعان لصفقة القرن".
وفي سياق مقارنته بين نأي قطاع واسع من المثقّفين الجزائريّين عن التّعاطف مع النّاشط الجزائريّ كمال الدّين فخّار، الذّي توفّي هو الآخر في السّجن، قبل أيّام، وإقبالهم على التّعاطف مع محمّد مرسي، كتب الجامعيّ والنّاشط إلياس لحري في على صفحته بموقع التواصل فيسبوك: "ليست المشكلة في التّضامن مع مرسي رحمه اللّه، بل في التّضامن الانتقائيّ المبنيّ على الأيديولوجيّة المقيتة. من الغريب أن تكون مصر أقرب إليكم من غرداية جغرافيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا، وغريب أن تكون الإنسانيّة انتقائيّة". يختم: "رحم الله مرسي والفلسطنيين والجزائريّين منذ الاستقلال إلى اليوم".
التزم كثير من المثقّفين العرب الصّمت، بينما توجّه آخرون إلى تبرير ما قام به السّيسي بحجّة حماية الدّيمقراطيّة
يبدو أنّ قطاعًا واسعًا من النّخبة المثقّفة في مصر والدّول العربيّة الأخرى، ستجد نفسها محرجة أمام الضّمير الإنسانيّ. ففي ظلّ تفاعل المثقّفين الغربيّين، من غير أيّ حرج، مع عزل محمّد مرسي وسجنه وموته، من منطلقات إنسانيّة وحقوقيّة، التزم كثير من المثقّفين العرب الصّمت، فيما راح البعض يبرّرون ما قام به السّيسي، بحجّة حماية الدّيمقراطيّة.
اقرأ/ي أيضًا: