02-يونيو-2017

(Getty) رشيد بوجدرة

يحظى الرّوائي الجزائري المعروف عالميًا رشيد بوجدرة (1941) باحترام كبير داخل المشهد الثقافي والإعلامي الجزائري، بالنظر إلى سبقه في الكتابة بالفرنسية والعربية، إذ أصدر أوّل ديوان شعري عام 1965، وموقفه الثّابت من السّلطة التي رفض كلّ عروضها لأن يكون ضمنها، ودفاعه الشّرس عن الحقّ الفلسطيني. فبعد رحيل عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار ومحمّد ديب وكاتب ياسين، بقي صاحب "ألف وعام من الحنين" الوحيد من جيل مؤسّسي الرّواية الجزائرية.

تجلّى احترام المثقفين الجزائريين لبوجدرة في ردود أفعالهم المندّدة بما تعرّض له في برنامج للكامرا الخفية

وتجلّى هذا الاحترام، الذي يكنّه المثقفون الجزائريون، على اختلاف وجوههم واتجاهاتهم لرشيد بوجدرة، صاحب "التفكك"، في ردود أفعالهم المندّدة بما تعرّض له في برنامج للكاميرا الخفية، بثّته قناة النّهار المستقلّة في الجزائر، خلال سهرة اليوم الخامس من رمضان، ورفضهم لما أسموه "إرهابًا" في حق الكاتب وحريته الشخصية.

اقرأ/ي أيضًا: 3 كتب تشرح لماذا تفشل الدول

كان إلحاد رشيد بوجدرة هو موضوع الفخّ الذي قامت عليه الحلقة، إذ تمّ إيهامه بأنّه مختطف هو وأحد أفراد أسرته، وطلبوا منه أن ينطق بالشّهادتين ويدخل الإسلام، تحت ضغط السّلاح الذي كان محمولًا من طرف رجال الأمن، فما كان من رشيد بوجدرة إلا أن يرضخ للأمر الواقع. غير أن الشّباب أوغلوا في تعنيفه وتسفيهه والاعتداء على كرامته، ممّا دفعه إلى المغادرة غاضبًا في النّهاية.

لم تمض إلا دقائق قليلة على بثّ الحلقة، التي سجلت مطلع أيّار/مايو الفائت، حتى اشتعل موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بالرّفض والتنديد وإطلاق الصفات غير الحميدة على القناة ومديرها والعاملين عليها، خاصّة أنّ الحادثة تزامنت مع حنق قطاع واسع من الجزائريين، على القناة بسبب تورّطها في تبييض سياسات النظام القائم وتسويد صور خصومه ومعارضيه.

كتب المفكر حميد زنّاز أن الهدف من الحلقة التي وصفها بالمشؤومة كان الاستهزاء من الحداثيين والمستنيرين في الجزائر، والقضاء على ما تبقى منهم، بتشويه صورتهم لدى الشارع، من خلال تقديمهم كفّارًا وملحدين. وقال المسرحي هارون الكيلاني إن المثقفين الحقيقيين في الجزائر باتوا تحت سلطة الرداءة. "إن الحثالة تهيمن على الإعلام والثقافة والسّياسة" يقول الكاتب محمّد بن زيان.

اقرأ/ي أيضًا: عاشور فنّي.. من الصناعات الثقافية إلى الصناعات الإعلامية

في السّياق، صدر بيان استنكار أمضاه كتّاب وجامعيون وإعلاميون وفنّانون، قالوا فيه: "لقد سجّلنا في الآونة الأخيرة تفاقم حالات التضليل والخداع التي تمارسها وسائل الإعلام على الجمهور تحت مسميات الحصص الترفيهية الخاصة بشهر رمضان، بلغت درجة قصوى من التحريف وتشويه الوعي الممارس على جمهور وسائل الإعلام، تتضمن الإساءة للثقافة والفكر والذوق وكثيرًا من العنف المسلط على الأسر والأطفال".

دعا مثقفون جزائريون إلى وقفة احتجاجية تنديدًا بانحرافات قناة النهار، وتنديدًا بالإرهاب التلفزيوني

وأضاف البيان: "وسجلنا بكثير من الغضب الاعتداء السافر والمقصود على الروائي الكبير رشيد بوجدرة في برنامج تلفزيوني على قناة النهار، وقد شكل البرنامج صدمة للمثقفين والمشاهدين والمجتمع المدني عمومًا بسبب موضوع الحلقة أولًا وأسلوب الترويع الذي مورس على الرّوائي في استنطاقه والتدخل في حريته الشخصية، وإرغامه على التصريح بعقيدته قسرًا. إن هذه الممارسة تمثل تدخلًا سافرًا في حرية الكاتب وتشكل ضغطًا على وعي المشاهد ووصاية على ضميره ومساسًا بحريته".

في مقابل دعوة آخرين إلى وقفة احتجاجية، غدًا السبت، أمام مقرّ سلطة السمعي البصري المكلفة بمراقبة تجاوزات القنوات التلفزية، "لم يعد الصّمت على هذه المهزلة /الانهيار ممكنًا. معًا في وقفة احتجاجية السبت 03 حزيران/يونيو 2017 أمام الهيئة العليا لسلطة الضبط، تنديدًا بانحرافات قناة النهار، وتنديدًا بالإرهاب التلفزيوني".

اقرأ/ي أيضًا:

في المغرب.. كُتّاب بدون قرّاء

شعر في الهويّة.. فلسطين وألمانيا في أنطولوجيا شعرية مشتركة