26-نوفمبر-2020

مارادونا يقبل العلم الجزائري (فيسبوك/الترا جزائر)

 

حين زار لاعب الكرة الأرجنتينيّ دييغو أرماندو مارادونا (1960) الجزائر عام 2013، بدعوة من شركة "موبيليس" ليكون ضيف شرف حفل إطلاق الجيل الثّالث من الهاتف النّقّال، لم يصدّق كثير من الجزائريّين الخبر، حتّى نشرت المواقع صوره وهو ينزل في مطار هوّاري بومدين.

 محمّد بن زيان: إنّ مارادونا مثّل استمرارًا لرموز ألهمت وأثّرت طيلة النّصف الثّاني من القرن الماضي

ورغم الجدل الشّعبيّ الذّي رافق، يومها، زيارته غير المتوقّعة، بسبب ما أشيع حول المبلغ الذّي تقاضاه، إلّا أنّ زيارته استطاعت أن تغطّي على أحداث سياسيّة كثيرة، بالنّظر إلى صورته الأسطوريّة في المخيال الشعبيّ الجزائريّ العامّ.

اقرأ/ي أيضًا: الدوري الجزائري في موسم جديد.. الأندية في مواجهة كورونا أوّلًا

يقول الباحث في علم الاجتماع الثّقافيّ محمّد بن زيان، إنّ مارادونا مثّل استمرارًا لرموز ألهمت وأثّرت، طيلة النّصف الثّاني من القرن الماضي، في عقول ووجدان القارّات الخمس، "وتضاعفت رمزيته بتجاوز جانب الكرة إلى كلّ ما يمثّل التّمرّد على النّسق المهيمن، فقد اقترن مارادونا بمدد أمريكا اللّاتينية الملهم. مدد اليسار ومدد لاهوت التّحرر ومدد أدب الواقعيّة السّحريّة".

كان ديغو المقرّب من رموز، مثل كاسترو وتشافيز، يقول محدّث "الترا جزائر"، بمثابة استمراريّة كلّ ما يرمز للاستثناء، فألهم بعفويته وبشخصيّة الفنّان الكامنة فيه عشّاق التحرّر. ومع كلّ تلك الاعتبارات مثّل تحوّلًا في لعبة هي الأكثر شعبيّةً في العالم.

ويختم صاحب رواية "متاهة المغراوي" بالقول: "كان الأسطورةَ التّي شحنت الوجدان والمخيال بقيم العدالة والحرّيّة والثّورة، فبات امتدادًا كرويًّا لشي غفارا".

في السّياق، يقول الكاتب عمر بن شريّط (1999): "صحيح أنّني لم أعاصر الأسطورة ديّيغو أرماندو مارادونا، فقد ولدت بعد اعتزاله، لكنّه كان من بين التّصوّرات الجميلة المُصاحبة للماضي كتجربة رياضيّة وإنسانيّة صميمة، فكأنّه من قصص الجدّات العتيقة التّي رافقتنا".

ويسأل بن شريّط: "كم من لاعب أرجنتينيٍّ وغير أرجنتينيّ عاصره أو جاء قبله، لكنّه لم يرسخ في الأذهان والوجدان، فنُسي بمجرّد موته أو اعتزاله؟ لقد أدرك مارادونا حقيقةَ أنّ كرة القدم لعبة مرتبطة بالإنسان، لا بالشّهرة والتّسلية والتّربّح فقط، فارتبط بالهواجس والقضايا الإنسانيّة. وهو ما منحه التجذّر والخلود".

وبروحه الرّوائيّة يقول الرّوائي والصّحافيّ الرّياضيّ نجم الدّين سيدي عثمان، إنّه عندما فاز نابولي ببطولة إيطاليا موسم 1986/1987 بفضل أسطورته دييغو مارادونا، خرج المئات من المشجّعين باتّجاه المقبرة، وهم يحملون نعشًا وهميًّا. كانوا يهتفون محاولين إيقاظ الرّاقدين في القبور ليقولوا لهم: "لو تعلمون ما فاتكم".ذ

من لم يشاهد مارادونا يلعب، يقول سيدي عثمان، فاته أن يشاهد الكرة الممتعة الجميلة التّي لا تعترف بالحسابات والتّعقيدات. لقد أمكنه أن يحمل فريق إيطاليا متوسّطًا على ظهره إلى قمّة المجد، ويقود، بالإضافة إلى ذلك، منتخب بلاده الأرجنتين إلى التّتويج بكأس العالم، فحقّق كلّ شيء في مسار كان بالإمكان أن يكون أفضلَ لولا مشكلاته مع رغباته".

 لم يكن مارادونا، في نظر محدّث "الترا جزائر" صاحبَ مذهب خاصّ في كرة القدم فقط، بل كان صاحب مذهب خاصّ في طريقة العيش أيضًا، "فلطالما تأهّب لتلقّي الضّربات نتيجة اندفاعه، إذ يقول عن نفسه إنّه الذّي يصنع الأهداف، والذّي يرتكب الأخطاء أيضًا، وبوسعه تحمّل كلّ شيء. فلديه أكتاف عريضة بما يسمح بالقتال مع الجميع".

وورد في تدوينة فيسبوكيّة للكاتب والإعلاميّ عادل صيّاد، في سياق تثمين ارتباط الفتى الذّهبيّ مارادونا بوجدان الأجيال الجزائريّة: "لو كان القرار بيدي لأسميتُ ملعب برّاقي التّحفة باسم الأسطورة مارادونا، تخليدًا للسّحر الذّي تركه في عالم المستديرة، واستنهاضًا للطّاقات المحلّيّة الشّابة".

ويقول عادل صيّاد إنّ مارادونا يستحقّ منّا أن نكون السّبّاقين إلى تخليده، ووضع تمثال برونزيّ له عند مدخل الملعب. "هذه التفاتة ستجلب لنا كلّ التّقدير والاحترام، باعتبارنا مشتلةً للمواهب والسّحر في عالم الكرة".

عادل صيّاد: مارادونا يستحقّ منّا أن نكون السّبّاقين إلى تخليده ووضع تمثال برونزيّ له عند مدخل الملعب

يُشار إلى أنّه من بين تدوينات فقيد الكرة العالميّة، على حسابه الرّسمي في موقع إنستغرام، عام 2020، تدوينة قال فيها إنّه في ربع نهائيّ كأس العالم للشّباب سنة 1979، لعب ضدّ الجزائر وسجّل هدفًا، ثمّ استُبدل بسبب إصابته على مستوى الكاحل. "لقد لعبوا بشكل جيّد، لكنّنا تمكّنا من الفوز عليهم بنتيجة خمسة أهداف مقابل صفر".

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تفاعل الجزائريّون مع فوز جو بايدن؟

المثقّفون الجزائريّون وتطبيع أبو ظبي.. هذا هو قلب العروبة؟