مجلس الأمة وسُلطة التعديل.. كيف تُعيد الغُرفة الثانية صياغة القوانين؟
19 مايو 2025
جاء مِيلاد مجلس الأمة في الجزائر سنة 1996 في سياق سياسي وأمني بالغ الحساسية، حيث لم يكن مجرّد استكمال لبنية البرلمان الجزائري، بل نتاجًا مباشراً لتحولات عميقة فرضتها ظروف تلك المرحلة.
يُشترط أن تحظى مشاريع القوانين بموافقة ثلاثة أرباع أعضاء المجلس
وتعتبر تقديرات سياسية؛ أنّ الدولة حينها تبنّت فِكرة إنشاء غرفة تشريعية عليا، استجابة لـما وُصف بـ "حالة القلق السياسي" التي عاشتها الجزائر بعد توقّف المسار الانتخابي عام 1992، إثر فوز "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" (المحظورة) في الدور الأول من الانتخابات التشريعية.
ورأت السلطة أنّ وجود مجلس شعبي وطني يُنتخب بشكل مباشر قد لا يكفي لضمان "استقرار" التشريع في البلاد، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة إنشاء مجلس الأمة كغُرفة ثانية تُمكِّن من الرقابة على القوانين.
هندسة السلطة لتوازن التشريع
منذ تأسيسه فعليًا بعد انتخابات 1997 المحلية والتشريعية، خضع مجلس الأمة لهيمنة واضحة من أحزاب الموالاة، وعلى رأسها جبهة التحرير الوطني (الأفلان) والتجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي)، تبعا لتحكّمهما في المجالس البلدية والولائية التي تُفرز جزءًا من أعضاء المجلس.
في المقابل، ظلّ تمثيل المعارضة في هذه الغرفة محدودًا، مقتصرًا على حضور رمزي لأطياف سياسية مثل حركة مجتمع السلم، وجبهة القوى الاشتراكية، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.
لا يتمتع مجلس الأمة بصلاحية تعديل النصوص التي تأتيه من المجلس الشعبي الوطني بالرغم من كونه شريكًا في التشريع؛ فدوره يقتصر على القبول أو الرفض، ما يجعله أداة تصفية أخيرة تمرّ عبرها القوانين قبل أن تصبح سارية.
ويُشترط أن تحظى مشاريع القوانين بموافقة ثلاثة أرباع أعضاء المجلس، ممّا يمنح الكتل الموالية القدرة على إسقاط أو تمرير ما تشاء.
تُبيّن المادة 145 من الدستور أنّ "كل مشروع أو اقتراح قانون يجب أن يُناقش من طرف المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة بالتوالي"، ما يعني أنّ النصوص لا تُعتمد إلا بعد المرور الإجباري بالغرفتين.
ساحة التشريع
أقبَل مجلس الأمة في أكثر من مُناسبة على تأدية دور حاسم في تعديل مسار التشريع، أو تعطيل تعديلات صادق عليها المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان).
ففي قانون المالية لسنة 2024، أسقط المجلس عدة تعديلات أقرها النواب، قبل أن تُحسم المسألة بتدخل المحكمة الدستورية، التي أيّدت موقِف الغُرفة العليا.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تدخّل مجلس الأمة مجددًا لرفض مادة ضمن قانون حماية أراضي الدولة، كانت تتعلق بحماية "أراضي العرش"، وهو ما فتح نقاشًا حول: "مدى اعتراف التشريع الحديث بالأشكال التقليدية للمِلكية".
أما في نيسان/ أبريل 2022، فقد أقدمت الغُرفة الأولى على إسقاط مادة من قانون الإعلام، كانت تنصّ على إلزام السلطات بالرد على طلبات اعتماد وسائل الإعلام الأجنبية خلال مهلة لا تتجاوز شهرًا.
إدارة الخِلافات.. التوازن
عندما تتعقد الأمور وتتشابك المواقف بين الغُرفتين، يمنح الدستور لرئيس الحكومة صلاحية استدعاء لجنة مشتركة متساوية الأعضاء خلال أجل أقصاه 15 يومًا، لصياغة حلّ توافقي حول المواد محل الخلاف، وتُمنح اللجنة مهلة مماثلة لإنهاء النقاش وإعداد النص النِّهائي.
تشكيلة البرلمان بغرفتيه
يتكوّن البرلمان الجزائري من غرفتين تشريعيتين، وذلك استنادًا إلى التعديل الدستوري الذي أُقرّ سنة 1996. الغرفة الأولى هي المجلس الشعبي الوطني، ويضم 407 مقاعد، ويُعد الهيئة التشريعية الأساسية التي تمثل الإرادة الشعبية. أما الغرفة الثانية فهي مجلس الأمة، وتضم 174 مقعدًا، وتشكل إلى جانب المجلس الشعبي الوطني السلطة التشريعية في البلاد ضمن نظام ثنائي الغرف.
ويتألّف مجلس الأمة من 174 عضوًا، وتُحدد مدة العهدة النيابية فيه بست سنوات. ولضمان تجديد الدماء واستمرارية العمل التشريعي، يتم تجديد نصف أعضاء المجلس كل ثلاث سنوات. يُنتخب 116 عضوًا عن الولايات بمعدل عضوين عن كل ولاية، بينما يُعيّن رئيس الجمهورية 58 عضوًا مباشرة. ويُجرى انتخاب 58 عضوًا بشكل دوري كل ثلاث سنوات، بما يوازي نصف التشكيلة المنتخبة.
عُهدة المجلس وآلية التجديد
بموجب المادة 102 من الدستور الجزائري، تُحدد عهدة أعضاء مجلس الأمة بست سنوات. غير أن نظام التجديد النصفي كل ثلاث سنوات يهدف إلى ضمان استقرار الأداء التشريعي، ويُسهم في خلق توازن بين الخبرة والتجديد داخل المجلس، مما يعزز من فعاليته واستمرارية دوره الرقابي والتشريعي.
وبخصوص صلاحيات مجلس الأمة؛ يمتلك مجلس الأمة صلاحيات تشريعية هامة، إذ يصوّت على مشاريع القوانين التي سبق وأن صادق عليها المجلس الشعبي الوطني، ويُشترط للمصادقة على النصوص التشريعية موافقة ثلاثة أرباع أعضائه.
وفي حال نشوء خِلاف بين الغرفتين حول مضمون مشروع قانون ما، تُشكَّل لجنة مشتركة تتكفل بصياغة نص توافقي يُعرض لاحقًا على كل من المجلسين للموافقة. ولا تصبح النصوص سارية المفعول إلا بعد أن تُصادق عليها الأغلبية المطلوبة داخل مجلس الأمة، وهو ما يكرّس دوره كمؤسسة تشريعية مكمّلة وشريكة في صناعة القرار.
الكلمات المفتاحية

البرلمان الجزائري سلطة تشريعية بمِطرقة المُصادقة.. أين الرقابة؟
مدّد البرلمان دورته العادية لمدّة أسبوع إضافي، في خُطوة تهدف إلى استكمال التصديق على حزمة من مشاريع القوانين المهمة.

كتاب "زمن العسكر... القلاع والبوصلة".. قراءة في التحولات السياسية في الجزائر
تُعتبر العلاقة بين المؤسسة العسكرية والفضاء السياسي في الجزائر من أكثر القضايا تعقيدًا وحساسية، إذ غالبًا ما يتمّ التعاطي مع هذا الموضوع ضمن أطر تحليلية تقليدية.

العلاقات الجزائرية الروسية.. تقاطع وتباين وتعاون في الأفق
في ظلّ التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها منطقة الساحل الأفريقي، تتداخل العلاقات الجزائرية- الروسية ضمن شبكة معقدة من التقاطعات والتعاون.

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟
دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر
عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه
يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟
تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.