01-مايو-2019

كلف مشروع محلات الرئيس 35 مليار دينار جزائري (فيسبوك)

في عام 2005 كان الرئيس بوتفليقة قد أكمل عامًا كاملًا من عهدته الثانية، فبعد عهدة أولى كان عنوانها إرساء السلم وحقن دماء الجزائريين وإيقاف كابوس الإرهاب؛ كانت حملة العهدة الثانية مليئة بوعود تطوير الاقتصاد وخلق مناصب الشغل لفائدة الشباب، والعمل على مكافحة البطالة، فكان ذلك سببًا في إطلاق العديد من المبادرات والأجهزة التي يخوّل لها القانون العمل على ذلك. 

كلف مشروع محلات الرئيس نحو 35 مليار دينار جزائري، لكن تبين أنه كان إهدارًا للمال العام، بسبب فشله  في تحقيق المراد منه

ومن بين تلك المشاريع هناك مشروع 100 محل في كل بلدية، والتي تعارف الجزائريون على تسميتها بـ"محلات الرئيس". ذلك المشروع العملاق الذي كان الجميع يأمل أن يخلق مناصب للبطالين، لكنه بات رمزية لتبديد المال العام في عز البحبوحة المالية التي عرفتها الجزائر في عهد بوتفليقة، نظرًا لارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية.

اقرأ/ي أيضًا: الجهاز الإداري.. غول يبتلع ثقة المواطن في الدولة

بهتان المشاريع العملاقة

يقدر الرقم الرسمي الذي قدمته الحكومة كتكلفة مالية للبرنامج على مستوى البلاد، بنحو 35 مليار دينار جزائري. ومع ضخامة المبلغ منحت الحكومة الضوء الأخضر لصرف هذا المبلغ، تحت ذريعة تحرير المبادرات الفردية في مجال ريادة الأعمال، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

محلات الرئيس

وإن كانت المشاريع الصغيرة والمتوسطة، قد ساهمت في نهوض اقتصادات نامية حول العالم، إلا أن الوضع في الجزائر كان مختلفًا، فلم يكن الأمر أزيد من حبر على ورق، فعلى مدار سنوات طويلة، تبين أن المشروع لم يكن إلا تبديدًا للمال العام!

في مدينة المحمدية بالجزائر العاصمة، وبالضبط في حي زرهوني مختار، يقع مجمع "المحمدية مول"، وهو مركز تجاري من عدة طوابق يتم تأجير المحلات فيه لمن يريد أن يمارس نشاطًا تجاريًا، وغير بعيد عن هذا المجمع تقع مجموعة من المحلات التي كان من المنتظر أن تكون سوقًا جوارية، لكن قليل منها تم فتحها، فيما بقيت أغلبيتها موصدة الأبواب دون استغلال. 

وينشط فيها 30 محلًا فقط من أصل 107 محل تحولت معظمها إلى خرابات، فتظهر للعيان أبوابها المحطمة، وتكوم الفضلات فيها. وفي كثير من الأحيان تتحول هذه المحال الفارغة إلى أوكار ليلية بعيدةً عن الرقابة الأمنية.

زهّية، وهي خياطة استفادت من محل منحته لها بلدية المحمدية التي تُسيّر محلات الرئيس بحي زرهوني مختار، تقول إن المسؤول الأول عن تدهور حالة المحلات، هي "البلدية التي تغض الطرف عمّا يحدث داخلها".

 

محلات الرئيس

وأضافت زهية لـ"الترا جزائر": "من المستحيل أن يأتيك الزبائن إلى هنا، صار المكان يمتلك سمعة سيئة، فمعظم المحلات المغلقة صارت أوكار دعارة أمام مرأى الجميع".

تعتبر زهية نفسها ضحية التسيير العشوائي، وقد استثمرت كل مدخراتها في المحل الذي افتتحته في المجمع، لكنها اليوم، كما تقول: "أجد نفسي في حالة إفلاس، بل أكثر من ذلك، فقد أصبحت مثقلة بالديون".

لم يشفع لمحلات حي مختار زرهوني تواجدها في مكان تجاري بالقرب من مدينة باب الزوار التجارية، لتتضاعف المشكلة في المحلات التي بنيت ضمن نفس المشروع، في مناطق نائية في الجزائر العميقة. 

في بلدية الأسنام بولاية البويرة، تستقبلك محلات فارغة مهملة عند مدخل المدينة، تتراءى كمدينة أشباح. 100 محل وزعت على الشباب البطّال، لكن أغلبيتهم رفضوا العمل فيها لبعدها عن مركز المدينة، ما يجعلها غير جاذبة للزبائن، بل وأكثر!

محلات الرئيس

فريد، البالغ من العمر 40 سنة، فنّي متخصص في صيانة الماكينات الصناعية. قرر فتح ورشة هناك بعد أن استفاد بإحدى المحلات. يقول لـ"الترا جزائر": "قمت بإعادة تصميم للمحل حسب متطلبات عملي، أعدت وضع البلاط والدهان الداخلي وجلبت لوازمي إلى المحل لأبدأ بالعمل فيه، لكن المفاجأة حدثت في صبيحة اليوم الموالي حيث تم السطو على المحل من طرف مجهولين وسرق كل العتاد". بعد حادثة السطو هذه، أعلنت البلدية خلو يدها من المسؤولية، كونها لم تكن قد وظفت حارسًا ليليًا للمكان بعد!

مصير مجهول

قبل أيام نشر النائب البرلماني عن جبهة التحرير الوطني، سليمان سعداوي، شريط فيديو وهو أمام محلات الرئيس التي تم تشييدها في مدينته عين الصفراء، حيث تحدث النائب البرلماني عن فشل المشروع في المدينة، وتحول المحلات إلى بنايات خالية لا يرتادها أحد ولا يشتغل فيها أي تاجر بحكم بعدها عن التجمعات السكانية وعدم مطابقتها للشروط المعمول بها.

لكن في مناطق أخرى تحرّك بعض المسؤولين المحليين للاستفادة من هذه المحلات، فحولوها إلى مؤسسات تربوية، كما هو الحال في بلدية مسعد بولاية الجلفة، حيث استفاد أطفال المدينة من مدرسة جديدة بنيت على أنقاض "المشروع الوهم".

في ذات الولاية، وبالضبط في مدينة حاسي بحبح، تمكّن الشاب شدّاد عمر من تحويل بعض من محلات الرئيس لمركز ثقافي تعليمي خاص. 

طموح عمر خلّص المدينة من هيكل كان يشوهها، ومنح فرصة لأبناء المنطقة في الاستفادة من خدمات مركزه. يقول عمر: "حين أتيت أول مرّة لمحلات الرئيس هنا في حاسي بحبح، وجدت المكان مرتادًا من طرف الخارجين عن القانون، وكنت خائفًا من خوض هذه التجربة. لكن بفضل تضافر الجهود ومساعدة السلطات المحلية تمكّنت من تحويل محلات مهجورة إلى أكاديمية لتطوير المهارات الذاتية".

ما قام به عمر، هو ما أصبح يقوم به منتخبون محليون لإنقاذ هذا المشروع، بعد أن حوّلت الحكومة مسؤولية تسيير محلات الرئيس للبلديات، وتم الترخيص لرؤساء البلديات باسترجاع المحلات غير المستغلة وتحويلها لمرافق جوارية عمومية.

 بعد فشلها، حاول البعض استغلال محلات الرئيس لتحويلها إلى مرافق تقدم الخدمات غير المتوفرة في مناطقها مثل المدارس والمراكز التعليمية

فيما تضاربت الأنباء حول مصير هذا المشروع، إذ تحدثت بعض المصادر عن إمكانية بيعها في المزاد العلني، وهو ما يعد إقرارًا علنيًا بفشل هذا المشروع الذي استنزف المال العام كغيره من مشاريع عهد بوتفليقة، التي ضخمت فيه فواتير الإنجاز ومددت أجال التسليم وصار فيه الصالح العام في خبر كان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القصبة العتيقة تنهار.. الإنسان والتراث مهددان في الحي الأثري

القطاع العام في الجزائر.. مؤسسات الواجهات الدعائية