محَاذير.. بين تصريحات الباحث في التاريخ بلغيث وتصاعُد خِطاب الكراهية

تُشبه اللّغة المشحونة على منصات التواصل الاجتماعي مَن يتجرّع السمّ وهو يظن أن غيره سيهلك به؛ إذ يتسرّب أثرها ببطء إلى الوعي الجمعي حتى تُميت روح التعايش مثل كُرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت ويصعُب تداركها. 

لم تمرّ هذه التصريحات بسلام، بل فجّرت نقاشًا واسعًا كشف عن عودة مُتجدّدة لخطابات الكراهية

قد تبدو هذه الصورة قاسية أو مُبالغًا فيها، لكنّها تُعبّر عن طبيعة بعض ردود الأفعال التي ظهرت مؤخرًا، خاصة بعد تصريحات الباحث في التاريخ محمد الأمين بلغيث التي أثارت جدلاً واسعًا.

وقود للفِتنة

أثارت تصريحات الباحث في التاريخ محمد الأمين بلغيث، التي وصف فيها الأمازيغية بأنّها "مشروع أيديولوجي صهيوني فرنسي"، جدلاً واسعًا في الجزائر، إذ اعتبر سكان شمال أفريقيا "بربرًا عربًا قدماء" تعود أصولهم إلى "الفينيقيين الكنعانيين".

لم تمرّ هذه التصريحات بسلام، بل فجّرت نقاشًا واسعًا كشف عن عودة مُتجدّدة لخطابات الكراهية، ورأى كثيرون فيها محاولة لإحياء زمن الانقسام والتفرقة، في وقت أحوج ما تكون فيه البلاد إلى الوِحدة والتماسك.

بعيدًا عن الجدل، فإنّ الفارق بين إحياء الكراهية وإعادة إنتاج أسبابها لا يتجاوز شعرة، وهو ما ظهر جليًا في السجال الذي أعقب التصريحات، وبرزت معه أصوات استنكرت هذا الخِطاب، ورأت فيه محاولة لإعادة إنتاج زمن الانقسام والتّمييز. 

أعادت قضية بلغيث طرح نقاش وجدل واسع في الجزائر، بشأن مسألة الأمازيغية رغم أنّ الدستور فصل في ديباجته عن هذه القضية منذ 2020 كمُكوِّن هُوياتي في الدستور وكلُغة رسمية ووطنية في المتن. 

أزمة هوية

الإعلامية وسيلة بن بشي كتبت في صفحتها الشخصية على منصّة "فيسبوك" أنّ تصريحات الأستاذ بلغيث حول "الأمازيغية التي يعتبرها مؤامرة فرنسية، وهو رأي يُشاركه فيه كثيرون سرًا". 

وأضافت أنّ "هذا الموقف لا ينبُع فقط من قناعة سياسية، بل يكشف عن أزمة هوية ناتجة عن شعور بالتهديد من التعدّد"، كما يُجسّد ما يُعرف بـ"الهوية القلقة" التي لا تتقبّل الاختلاف وتسعى لإقصاء الآخر.

التحرُّر من الاستعمار 

كتب أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر رضوان بوجمعة بخُصوص القضية: "تاريخ الجزائر واحد لا يُمكن تجزئته، وكتابة هذا التاريخ يجب أن تتحرّر من روايات الاستعمار والهيمنة القديمة والحديثة، فهذا هو المشروع الوطني الحقيقي".

كما أكد البروفيسور بوجمعة في تقديره لتلك التصريحات عبر حسابه الشخصي في منصة التواصل الاجتماعي " فيسبوك" على أنّ "العنصرية والجهوية والكراهية، فهي جرائم مرفوضة تمامًا، بغضّ النّظر عن هوية مرتكبها أو ضحيتها."

خِطاب مُثير للانقِسام

يرى الكاتب عثمان لحياني أنّ التصريحات "مثيرة للجدل وباعثة على إشعال نيران الفتنة والانقسام".

وذكر في إفادة له عبر حسابه على منصة التواصل الاجتماعي " فيسبوك" أنّ "التصريحات جاءت في توقيت حرِج؛ تركّز فيه السلطات على مُحاربة خطاب الكراهية والتمييز والتحذير من محاولات زعزعة استقرار داخلي".

دعوات للتهدئة وتحذير من الفتنة

من جانبه؛ حذّر الأستاذ زهير بوعمامة "من استغلال الهويات الفرعية لتفكيك المجتمعات وزرع الفتنة، بدل توظيفها كمصدر تنوع وقوة، كما تؤكد دروس التاريخ". 

ويؤكد في تدوينة له على منصة الفيسبوك على أنّ "الجزائر تمرّ بمرحلة حساسة، تواجه خلالها تهديدات داخلية وخارجية ضمن ما يُعرف بحروب الجيل الرابع، مما يستوجب الابتعاد عن النقاشات التي تزرع الانقسام، والتركيز على تعزيز الوحدة الوطنية كضمانة للأمن والاستقرار".

في سياق متّصل؛ دعا الباحث محند أرزقي فراد إلى اعتماد خطاب وعي تاريخي منسجِم مع الدستور، يُعزز السلم الاجتماعي والأمن الهوياتي.

من خلال هذا الطرح؛ ومهما اشتدّ الجدل واختلفت القِراءات، فالوضع أو الظّرفية التي تعرفها الجزائر تستدعِي معالجة حكيمة والابتعاد عن المعالجة المُجرّدة، ومن دون انفعالات مِنصّات التواصل الاجتماعي.