08-فبراير-2023
طلبة جامعيون بجامعة الجزائر (الصورة: مصعب رويبي/الأناضول)

طلبة جامعيون بجامعة الجزائر (الصورة: مصعب رويبي/الأناضول)

في العام 2016، تقدم طالب في سلك الدكتوراه بقسم البيولوجيا بالعاصمة الجزائرية كريم. م (29 سنة آنذاك)، للإدارة بطلب لخوض تجربة في البحث العلمي والاستفادة من إمكانيات المخبر لأجل تجريب فكرته أو طرحه العلمي، إلا أن طلبه ظلّ يراوح مكانه لعامين ونصف، وانتظر طيلة هذه الفترة مستبشرًا بتصريحات أطلقها أحد المسؤولين وقتها حول وجود مخابر في الجامعة تموّنها الوزارة وهي في خدمة طلبة البحث، ولكنّ حلمه تبخّر في النهاية.

ينظر كثير من الأكاديميين إلى مراكز البحث العلمي والمخرجات البحثية بأنها تسوية لوضعية إدارية لمختلف الكوادر الجامعية

من ذلك الوقت، بدأ هذا الطالب يبحث عن مخرج لبحوثه العلمية، في محاولات متعددة وحثيثة من أجل النشر العلمي، خاصّة وأنها تحتسب له كنقاط في مساره الأكاديمي وترفع من رصيده المهني العلمي أيضًا، لكنّه كثيرًا ما تعثر أمام الإدارة الخاصة بالمخابر العلمية، كما قال لـ "الترا جزائر". 

حالات كثيرة تظهر معاناة الطلبة الباحثين في المؤسّسات الأكاديمية الرسمية، خصوصًا بالنسبة لمن تعلقت مشاريعهم الجامعية بمناقشة أطروحاتهم ونيل شهادة الدكتوراه والتخرّج، إذ تُلزم المناقشة الطلبة بضرورة إجراء تجارب ميدانية في المخابر، لكن السؤال الذي يطرحه أعضاء الأسرة الجامعية يتعلق بجدوى المخابر العلمية في شتى التخصّصات، خصوصًا أنها أُنشأت من أجل تحسين البحث العلمي وترقيته كونها من أهم الآليات المعتمدة لتطويره وإشراكها في التنمية المستدامة والاقتصاد المحلي.

عقدان من الوجود

بينما يشكو قطاع واسع من الجامعيين والباحثين إلى الصعوبات التي تعرقل تطور بحوثهم، إضافة إلى التحديات التي تعيق تخطيهم لدرجات المسار العلمي، يشير آخرون إلى أهمية المخابر كبوابة للقيام بالبحوث الجامعية في مختلف التخصّصات، بموجب قوانين استحدثت في سنة 2000، أي منذ أكثر من عقدين.

هيكليًا، للمخبر والفرق البحثية أدوار متعددة، إذ يستهدف انتقال العملية التعليمية من كونها تتمحور على الجانب النظري إلى تكوين يعطي أهمية ودور للتكوين التجريبي والميداني التطبيقي، فضلًا عن تنظيم لقاءات علمية ودورات تربص قصيرة، ومؤتمرات وطنية ودولية، علاوة على إصدارها مجلات دورية متخصّصة.

الأرقام غير الرسمية تشير إلى أن عدد المخابر العلمية في الجزائر تجاوز 1440 مخبرًا، مهمتها تضطلع بإنتاج المعرفة العلمية، غير أنه كثيرًا ما تصطدم هذه المخابر بالمخرجات العلمية، وهنا يشدد البعض على ضرورة إعادة صياغة قوانين فعالة؛ لأن بعضها بات "مجرد هياكل غير منتجة"، وهي تصريحات تنم عن وجود فجوة بين المنجزات ومدتها.

مشاريع الجامعة 

في هذا الإطار، قال الأستاذ عبد الله سلاحي من جامعة باتنة للعلوم الإنسانية والاجتماعية في تصريح لـ" الترا جزائر"، إنّ الأمر يتعلق بغياب استراتيجية ومخطط لتنفيذ مشاريع الدراسات والبحوث، موضحًا أن هناك خللًا واضحًا في التكوين المنهجي في عدة تخصصات، على مستوى الأساتذة من جهة وعلى مستوى الطلبة من جهة أخرى، على حدّ تعبيره.

ودعا الأستاذ سلاحي، إلى أهمية اختيار التصورات عن المشاريع التي تتبناها المخابر الجزائرية بعد دراسة وخطط لاختيار التخصّصات، مع وضع أهداف قصيرة المدى والطويلة المدى، لافتًا إلى أن بعضها "يخضع إلى "الرؤية الأحادية والفردية التي ينعدم فيها الحوار والتشاور بين الكفاءات الجامعية".

الدور الإداري

تُحاول بعض الجامعات نسج علاقات بين الفاعلين في المنظومة الجامعية، وهو ما تبينه مختلف اللقاءات العلمية لتطوير البحث العلمي في الجامعات والمؤسسات الجامعية في الجزائر، لكن في الواقع هناك عدة فراغات تسببت فيها تراكمات السنوات السابقة عندما باتت المنظومة الجامعية تتخبط بين ترجيح كفة ميزان النظام التعليمي الجديد، والانتقال من بحوث الحاضنة الجامعية إلى سوق الشغل.

من جهتها، تعتقد أستاذة الاقتصاد بجامعة الجزائر نورة براهمية أن هناك مخابر كثيرة من حيث الكم، لكن في الواقع "بات دورها إداريًا وابتعد شيئًا فشيئًا عن الفعالية العلمية".

وشرحت قائلة لـ "الترا جزائر"، أن واقع البحث العلمي في المخابر لا يتجاوز إنجاز رسائل الدراسات العليا من أطروحات التخرج، وتحضير مسابقات امتحان الدكتوراه، وتخصيص مجلات لنشر البحوث من منتجات الرسائل الجامعية.

وتهدف هذه المخرجات البحثية، حسبها، إلى ترقية الأساتذة الموظفين إلى درجات علمية أخرى، أو تسمح لطلبة الدكتوراه بمناقشة مذكراتهم، أي الطلبة الذين استوفوا إنجاز أطروحاتهم وينتظرون إصدار مقالاتهم العلمية من أجل تقديمها في ملف اللجنة العلمية بغية مناقشة رسالة الدكتوراه.

ميزانية البحث العلمي

من الناحية المادية، رصدت الحكومة ميزانية للبحث العلمي، وهي موزعة على مختلف المراكز والجامعات، وفي هذا الاتجاه، يتساءل طالب الدكتوراه وليد مناري من جامعة الحقوق بقسنطينة شرق الجزائر "أين تذهب ميزانية البحث العلمي؟" مشيرًا إلى أنها تظلّ من الملفات المسكوت عنها، خاصة وأنها لا تتجاوز بحسب الميزانية المخصّصة للقطاع في إحصائيات سنة 2021 أقل من 5% من الميزانية العامة للدولة، وما يقرب من 2% من الناتج المحلي.

تتوزع هذه الميزانية التي تتجاوز مبلغ 500 مليار دينار جزائري، بين الغلاف المالي الموجّه لتسيير مؤسسات التعليم العالي وإجمالي اعتمادات التسيير وجامعة التكوين المتواصل، وبين الديوان الوطني للخدمات الجامعية التي تتوزع على الإطعام والمنح والنقل، ثم مراكز البحث التي لا تتعدى 7 ملايير دينار جزائري.

أما نفقات المستخدمين فتمثل 92 % من الاعتمادات الإجمالية المخصصة للتسيير وذلك من أجل التكفل بـ 207 ألف منصب مالي موزع بين الأساتذة والباحثين الإداريين والمتعاقدين.

تسوية وضعية 

في سياق الحديث عن ميزان البحث العلمي في الجامعات الجزائرية، يبتعد باحثون عن التطرق لمخرجات علمية مستقبلية في شتى التخصصات العلمية، ووضعها أمام صانعي السياسات في البلاد لتقرير مخططات التسيير، فكثيرون ينظرون للمراكز والمخرجات البحثية بأنها "تحصيل حاصل"، أي أنها تسوية لوضعية إدارية لمختلف الكوادر الجامعية، بما فيها الأساتذة والطلبة.

وفي هذا المضمار، تحدث الأستاذ عبد الباقي معتوق من جامعة العلوم الاجتماعية والإنسانية، لـ "الترا جزائر" عن إشكالية كبرى لأزمة البحث العميقة، مشيرًا إلى أن هناك شبه قطيعة بين الجامعة والبيئة المحيطة، متسائلًا: "إلى متى تظل الجامعة بعيدة عن واقع الجزائري المعاش؟"، مشددًا على أن كل الأزمات التي تمر بها الدول تجد مبتغاها من إجابات وحلول بين أسوار الجامعة، خصوصًا ما تعلق منها من استشراف السياسات لتسيير القطاعات وإيجاد حلول لأزمات الاجتماعية والاقتصادية الطارئة.

الأكاديمي عبد الباقي معتوق: إلى متى تظل الجامعة بعيدة عن واقع الجزائري المعاش؟

كما تحدث معتوق عن الباحثين الذين اختاروا الهجرة إلى آفاق بحثية خارجية أوسع وبيئة علمية أرحب، وهو ما تبينه الكفاءات الجزائرية التي سطع نجمها في الكثير من الشركات البحثية الكبرى خاصة في مجال التكنولوجيا والطب، على حدّ قوله.