لم تتبدد مخاوف الشارع الجزائري بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة من رئاسة الجمهورية، من الالتفاف حول مطالبه السياسية، فقد عبر المتظاهرون في سابع جمعة عن هذا الهاجس عبر شعارات ولافتات تحذر من أي محاولة لاحتواء الحراك أو الانقلاب عليه.
لم تتبدد مخاوف الشارع الجزائري بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة من رئاسة الجمهورية، من الالتفاف حول مطالبه السياسية
كما برز في اللافتات المرفوعة في الجمعة السابعة، تبلور أهداف الحراك الأساسية، المتمثلة في الانتقال الديمقراطي وتأسيس دولة مدنية، تحافظ فيها المؤسسة العسكرية على وظيفتها الدستورية المتمثلة في حماية الأمن العام، وتأمين الحدود.
اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: ماذا بعد استقالة بوتفليقة؟.. آفاق التغيير الديمقراطي في الجزائر
هل يتكرر السيناريو المصري؟
وحول هذه المخاوف، يعلق الباحث السياسي عادل أوربح، في حديث لـ"الترا جزائر"، قائلًا: "من الصعب تصور سيناريو مصري في الجزائر، فالبعودة إلى التاريخ، هذا السيناريو حصل بشكل مشابه للغاية عام 1992".
وأوضح أوربح: "حينها عرفت الساحة السياسية اكتساحًا كبيرًا للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وعرف المجتمع موجة من الأسلمة، ما خلق استقطابًا أيديولوجيًا كبيرًا، أدى بتدخل مباشر للجيش لإيقاف المسار الانتخابي، ما خلف أزمة أمنية دامت لسنوات عديدة".
يُسقط الباحث السياسي هذا النموذج، مع إدراك الفروقات، على الحالة المصرية، ووضع جماعة الإخوان المسلمين بعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، وتوتر علاقتهم بالمؤسسة العسكرية بعد وصولهم للحكم، وحالة الاستقطاب الأيديولوجي التي عرفها الشارع المصري آنذاك.
ويستطرد عادل أوربح: "أتصور أنه حتى داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية التي تعرف تحولًا جيليًا في صف القيادة العليا وكبار الضباط، وكذا اتجاهًا أكبر نحو الأدوار التقنية بعيدًا عن الأدوار السياسية التي عُرف بها جنرالات التسعينات؛ ستحدُث مقاومة لأي محاولة للزج المباشر بالجيش في العمل السياسي، خاصة وأن صورة الجيش اهتزت داخليًا وخارجيًا بعد الحرب الأهلية في التسعينات، والتفكير سينصب حول التكلفة التي يمكن دفعها من جراء تكرار ذلك".
توافقات سياسية من قلب الحراك
أشار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، في ورقة تقدير الموقف حول ما بعد استقالة بوتفليقة، إلى ضرورة تأسيس توافق سياسي بين المعارضة حول برنامج انتقال ديمقراطي، الأمر الذي يتفق معه الباحث السياسي عادل أوربح.
ويرى أوربح أن الحراك الشعبي الجزائري مؤهل لتأسيس مثل هذا التوافق المطلوب، موضحًا: "التراجع الكبير للاستقطاب الأيديولوجي في الحراك الشعبي، يجعل من الممكن نشوء توافقات سياسية بشكل كبير في المرحلة المقبلة".
مخاوف مبررة
من جانبه، ينطلق الباحث في العلوم السياسية، سامي كباش، من المقاربة الأكاديمية لفهم سلوكيات المنظومة العسكرية في علاقاتها مع السلطة المدنية، فيقول لـ"الترا جزائر: "ترتبط العلاقات المدنية العسكرية تاريخيًا في العالم العربي من منطلق كون المؤسسات العسكرية جيوش تحرير، ويتم تفسير المنحى التدخلي للمؤسسة العسكرية بضعف المؤسسات السياسية في إنتاجية النخب، بالإضافة إلى كوربوراتية المجتمع المدني في إطار الدولة المحتكرة السلطوية".
يُذكر أنه لغاية عام 2014، ومنذ استقلال الدول العربية، شهد المنطقة 123 انقلابًا عسكريًا صريحًا، بما يعطي، وفقًا لكباش، "انطباعًا بالاتجاه التدخلي للجيوش في العالم العربي".
ويعرج كباش إلى تفكيك مفهوم "الدولة" عربيًا، فالدول العربية في مجملها، والتي يحكم أغلبها مؤسسات عسكرية أو أمنية عميقة، تلجأ أنظمتها إلى تعريف "الدولة" بما يتجاوز دورها الوظيفي الطبيعي، إلى ما يسمى بـ"الدولة الحامية"، أي "الدولة التي تبتز محكوميها بالأمن"، كما يقول كباش.
من هنا، يشير الباحث في العلوم السياسية، إلى أن مخاوف الشارع الجزائري من الانجرار إلى "العسكرياتية" إنما هو تخوف مقبول ومبرر، وينم عن إدراك واعي بالمحيط الإقليمي.
تبقى آمال الحراك الشعبي ومختلف الفعاليات السياسية والمدنية، أن تستكمل المؤسسة العسكرية مرافقتها لمطامح الشعب بالتحول الديمقراطي
فيما تبقى آمال الحراك الشعبي ومختلف الفعاليات السياسية والمدنية، أن تستكمل المؤسسة العسكرية مرافقتها لمطامح الشعب بالتحول الديمقراطي، وهو ما تكشف بوضوح لافتات الحراك في مسيرته السابعة.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يفرض الحراك الشعبي منطقه على الجيش؟
الحراك الذي لا تحتكره السياسة.. مطالب حيوية ومعيشية من عمق الشارع الجزائري