مدفع الصيام والإفطار.. كيف كان رمضان الجزائر قبل 200 سنة؟

تعدّ عادات وتقاليد رمضان في الجزائر جزءًا من هوية الشعب العريقة، وحظي هذا الشهر باهتمام الرّحالة والمؤرخين  الذين وثّقوا جوانب مختلفة من مظاهره، من خلال كتابات توثق تفاصيل الحياة الاجتماعية والروحية في تلك الحقبة؛ فكيف كان صيام رمضان في الجزائر قبل قرنين من الزمن؟

 تُشيدُ الوثائق خلال تلك الفترة الزمنية بـ"حِرص الجزائريين على صيام رمضان، باعتباره من الواجبات الدينية التي لا يجب التهاون فيها"

كشف المؤرخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني عن جوانب غير معروفة من طقوس رمضان في الجزائر قبل قرنين من الزمن، وذلك من خلال ترجمة عمل نادر لمؤلف ألماني.

رمضان.. بعيون رحالة ألماني

ولقيت عادات شهر رمضان في عام 1732 الميلادي، اهتمام الطبيب الألماني ج.أو. هابنسترايت ودونها في كتاب بعنوان: "رحلة العالم الألماني:ج.أو. هابنسترايت إلى الجزائر وتونس وطرابلس1145هـ / 1732م" وترجمها الأستاذ سعيدوني.

وتناول الكتاب عدة عادات وتقاليد وظروف العيش خلال رمضان، إذ تمت ترجمته في سنة 2007، حيث ذكر المؤرخ الجزائري، أنّ ووصف الرحالة الألماني هابنسترايت في كتاباته عادات وتقاليد الجزائريين خلال شهر رمضان بأنها تلتزم بضوابط الشريعة الإسلامية.

وأضاف يقول: "يقدّم الرحالة الألماني هابنسترايت في كتاباته وصفًا دقيقًا لعادات وتقاليد الجزائريين خلال شهر رمضان وعيد الأضحى في الفترة العثمانية، ويؤكد على أنّ هذه العادات مستمدة من ضوابط الشريعة الإسلامية، مشيرًا إلى أن المسلم الحق يجب أن يعامل أصدقاءه بلطف، وأن يكون حازمًا مع أعدائه، ورحيمًا بالمهزومين".

أمّا بخُصوص وصف هابنسترايت تجربته في الجزائر خلال شهر رمضان، قائلا:" إنّ المسلمين كانوا يمتنعون عن الطعام والشراب طوال اليوم، وأن هذا الصوم كان أكثر إرهاقًا للطبقات الدنيا الذين يشتغلون بجدّ وكدّ طوال فترة الصيام".

يختتم هابنسترايت وصفه بأجواء التحضير لعيد الفطر، مشيرًا إلى إطلاق المدافع إعلانًا بانتهاء شهر رمضان وحلول العيد.

ويتحدّث المؤرّخ المترجم إنّ توثيق الطبيب وعالم النبات الألماني ج.أو. هابنسترايت لجوانب اجتماعية واقتصادية متنوعة لإيالة الجزائر خلال الحكم العثماني، كان في سياق بِعثة علمية إلى شمال أفريقيا.

العادات..استمرارية واندثار

بدورها كشفت دراسة وُسِمت بعنوان: "الجزائريون وصيام شهر رمضان على ضوء الكتابات المحلية والأجنبية خلال القرنين 18 و19"، للباحث سعدون بخاخ أنّ "إعلان الصيام والإفطار كان يتمّ بإطلاق مدفع، وكان هذا بمثابة إخبار رسمي للناس بانتهاء الصوم، وكان المدفع ينطلق بين السادسة والسابعة مساءً".

يُستخدم المدفع للإعلان الرسمي بانتهاء الصوم بإطلاق قذيفة صوتية بين السادسة والسابعة مساءً 

كما يُلاحظ في تلك الفترة "امتناع المسلمين عن الأكل والشرب طيلة النهار خلال شهر رمضان ويتجنبون التدخين من طلوع الفجر إلى غروب الشمس".

ويتحلّى الصائمون بأخلاق رفيعة إذ يتزاورون فيما بينهم كما "يُقدمون أطباق بسيطة لبعضهم البعض في وقت الإفطار، كما للسائل حقّ على أي شخص يدق باب الدار".

تُقدّم الكتابات التوثيقية بناءً على سجلات تاريخية؛ معلومات حول الحالات التي يجوز فيها الإفطار في شهر رمضان، مع وجوب القضاء أو إخراج صاع من القمح عن كل يوم.

وتشمُل هذه الحالات كبار السنّ الذين يشربون الماء في أيام الحر الشديد والمرضى، والنساء الحوامل أو النفاس؛ إذ يتم منح هذه الرخص بعد الحصول على موافقة من شخصية دينية.

ومع ذلك، كان الجزائريون يميلون إلى رفض تناول الدواء حتى في حالات الضرورة، مما قد يؤدي إلى تفاقم المرض، إذ تشيد الوثائق خلال تلك الفترة الزمنية بـ"حرص الجزائريين على صيام رمضان، باعتباره من الواجبات الدينية التي لا يجب التهاون فيها".

وبخُصوص عقوبات الإفطار المُتعمّد، فهي تتراوح حسب الدراسة بين "السّجن والضرب والغرامة".

شهادات وملاحظات

تعتمِد عملية تدوين العادات والتقاليد بخصوص رمضان في تلك الفترة على مذكرات الرحالة وحكايات البحارة والسجلات الرسمية في ذلك الزمن.

وقال الباحث في تاريخ الجزائر كريم بودالي (جامعة الجزائر) في تصريح لـ"الترا جزائر" إنّ تلك السجلاّت بالغة الأهمية في غياب الأرشيف وشحّ المصادر المحلية حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في فترات تاريخية، حيث تصبح هذه السجلات مصدراً للباحثين والمؤرخين".

يتبيّن من خلال استعراض الكتابات التاريخية المحلية والأجنبية قبل عقود من الزمن، أنّ صيام شهر رمضان يمثّل أحد أهم العبادات التي يحرص عليها الجزائريون بشكل خاص.

كما تتّضح جوانب مهمة من حياة الجزائريين في شهر رمضان، بما في ذلك عاداتهم وتقاليدهم، كما "نُلاحظ استمرارية بعض العادات كطلقات المدفع وتغيُّر البعض الآخر بمُرور الزّمن وبُروز أخرى بسبب التغيرات الاجتماعية التي طرأت في العائلة والمجتمع والتحولات الاقتصادية أيضا".