13-يونيو-2022
مدينة وهران سنة 1920 (الصورة/Getty)

مدينة وهران سنة 1920 (الصورة/Getty)

مدينة وهران أو "الباهية" كما يحلو للبعض تسميتها محليًا، تميزت عبر تاريخها بمقاومتها للوافدين من وراء البحر محملين بأطماعهم، فاستقطبت المدينة البرتغاليين والإسبان والفرنسيين، وقاوم أهلها الغزاة لعقود واحتفظت في سجلّها بقائمة تضم الأبطال والمقاومين والثوّار، وظهرت في شوارها بسبب تعاقب الحضارت "حبكة" معمارية متفرّدة تعود إلى العهد الكولونيالي الفرنسي ويبرز فيها الطابع الباروكي والطابع الموريسكي الجديد.

في سنة 1792 تحرّرت مدينة وهران كليًا من الاحتلال الإسباني بعد الحصار الذي فرضه محمد بن عثمان الكبير على المحية العسكرية الإسبانية والمرسى الكبير

الموقع الجغرافي لمدينة وهران التي تَستضيف في قادم الأيام الدورة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط من 25 جوان/حزيزان ولغاية 6 جويلية/ تموز، جعلها منارة تاريخية صنعت التميز خلال فترات زمنية مختلفة، وعرفت في كثير من المحطات التاريخية بكونها معقلًا للثوار والمقاومات الشعبية خاصّة في ثورة التحرير الجزائرية.

ظهور حركة الطلاب

وطأت أقدام المستعمر الإسباني أراضي مدينة وهران سنة 1505-1509 على يد كاردينال كزيميناز، وفي سنة 1708 قاد مصطفى بن يوسف المدعو "بوشلاغم" معارك لتحرير وهران، واستطاع أن يحقّق انتصارات مشهودة على العدو، ونقل بوشلاغم عاصمة البايلك من معسكر إلى وهران، لكن الفرحة أهالي وهران لم تطل كثيرًا، ففي سنة 1732 قام فليب الخامس بإعداد حملة عسكرية على "الباهية" دامت ثلاثة سنوات، ليتمكن بعدها من السيطرة على المدينة. وفي سنة 1792 تحرّرت مدينة وهران كليًا من التواجد الإسباني، بعد الحصار الذي فرضه محمد بن عثمان الكبير على المحية العسكرية الإسبانية والمرسى الكبير.

مدينة وهران 1900

ويعود الفضل إلى تَجند العلماء وخاصّة طلبة المدارس القرآنية المنشرة بقوة في كل من مدينتي معسكر ومستغانم وقلعة بني راشد والمدن المحيطة، واستطاع طلبة المدارس القرآنية من إحياء "فريضة الجهاد"، وتحريض سكان وهران بدفع المعتدي والمحتل، وبمساعدة هؤلاء الطلبة تمكن محمد بن عثمان الكبير من تعبئة المقاومة، وتمكنوا من طرد الاحتلال الإسباني إلى غير رجعة.

زلزال 1790

وفي سنة 1790 عصف بمدينة وهران زلزال قوي، خلف أكثر من 3000 قتيل ودمر ثلثي المدينة واندثار عدد هام من المنشآت التاريخية والأثرية خلال تلك الفترة، وكانت وهران خلال تلك الفترة مستعمرة إسبانية.

بريد وهران 1949

أثناء الاستعمار الفرنسي، شهدت مدينة وهران عملية نوعية ونقلة في تحضير العمل الثوري بالنسبة إلى الحركة الوطنية والمنظمة الخاصّة "التنظيم شبه العسكري لحزب الشعب الجزائري"، ومن أجل تمويل اللوجستيك العسكري، قرر شباب التنظيم الهجوم على بريد وهران.

 تولى المُهمة كل من حسين آيت أحمد مسؤول عن العملية، ورتّب لها واختار رجالها والتخطيط لها هو أحمد بن بلة، وشارك في العملية كل من سويداني بوجمعة والحاج بن علة وبوتليليس وبلحاج بوشعيب، وبختي نميش هو الموظف الذي قدم المعلومات وجميع التفاصيل.

ذكر أحمد بن بلة في حواراته الإعلامية أن العملية نجحت، لكن المبلغ الذي تم الحصول عليه هو 2.5 مليون فرنك فرسي بدل من 30 مليون فرنك فرنسي، بعد مقاومة بعض الموظفين، وقد تمكّن تلك الغنيمة من شراء الأسلحة من ليبيا واستقرارها في جبال الأوراس.

المكتبة المركزية بولاية وهران

من جهته، ذكر حسين آيت أحمد في مذاكراته متنكّتًا، أنه خلال عملية متابعة وترصد حول بريد وهران، كان على الكومندوس الجزائري الجلوس في مقهى مقابل البريد، لكن الملامح العربية كانت مبعث خوف من تشكيك حول تواجدهم في المكان، لكن اتضح أن أعضاء التنظيم الخاص كانوا أكثر أناقة في الملبس والشكل، وذوو ملامح أوروبية أكثر من باقي الأقدام السوداء والمعمّرين.

محرقة المنظمة الجيش السري

كان ميلاد المنظمة المسلحة السرية في مدينة وهران، من طرف ضباط منشقين عن الجيش الاستعماري الفرنسي، وأنشأت المنظمة المسلحة السرية وحدات مسلحة وعسكرية ضمت موالين لأطروحة "الجزائر الفرنسية"، والمعايدة لفكرة استقلال الجزائر ومشروع وقف إطلاق النار وتقرير المصير، وفي نيسان/أفريل سنة 1961 قاد بعض الضباط عملية انقلابية فاشلة ضد الجنيرال ديغوال.

في مدينة وهران شَكلت المنظمة الإرهابية الفرنسية فروع وتشكيلات مسلحة وقامت بتعبئة المواطنين الأوروبيين والأقدام السوداء من أجل إحراق المدينة، وكانت الجماهير الأوروبية بوهران تمتاز بالأكثرية مقارنة بعدد الجزائريين، بعض المصادر التاريخية أشارت إلى وجود 400 ألف أوروبي مقابل 85 ألف جزائري، أما عسكريًا فقد عرفت مدينة وهران عرفت أمنيًا قصد عزل وفصل ضواحي وهران التي يقطن بها الجزائريون.

وسط مدينة وهران

عقب الإمضاء على اتفاقية إيفيان في 19 آذار/مارس 1962ـ أصبحت مدينة وهران مسرحًا لعمليات اغتيالات عشوائية وإبادة في حقّ المواطنين العزل من الجزائريين، وقام عناصر "لوص" بعمليات اختطاف في سجن المدني بوهران، طالت مجاهدين محكوم عليهم بالإعدام، وقامت برميهم بالرصاص وحرق جثثهم في غابة "كانستيل".

يعتبر شهر فبراير/شباط سنة 1962 من بين الأشهر الأكثر دموية، حيث سجّل اغتيال 80 شهيدًا في ساحة الطحطاحة وسط المدينة الجديدة. وفي الـ 11 أيار/ماي من العام نفسه، كانت السيارات تجوب الشوارع وترمي بالرصاص كل شخص يحمل ملامح جزائرية أو مسلمة، وتم اغتيال يومها 11 امرأة من عاملات النظافة وسط المدينة، إضافة إلى تفجير المباني والمساكن العربية وتخريب المنشآت الاقتصادية وتفجير مخازن الوقود وحرق مقر شركة الكهرباء والغاز.

بيلي في وهران

في الـ 17 من شهر حزيران/جوان 1965، أي ثلاث سنوات بعد الاستقلال، لم تضمد مدينة وهران بعد جراح الحرب وجرائم المنظمة السرية للجيش الفرنسي. استضافت "الباهية" صبيحة ذلك الأربعاء، أسطورة كرة القدم البرازيلي بيلي، وكان الرئيس الدولة أحمد بن بلة في استقبال الفريق البرازيلي، والذي انتصر على الفريق الوطني بثلاثية نظيفة في الملعب البلدي أحمد زبانة حاليًا.

ميزة هذا اللقاء أنه كان آخر ظهور لأحمد بن بلة كرئيس للدولة، إذ ومباشرة بعد نهاية اللقاء الكروي، عاد سي أحمد إلى مقر سكناه بالعاصمة، وكان وزير دفاعه هواري بومدين يحضر لانقلاب عسكري، وفي منتصف الليل تم إعلان عن التصحيح الثوري واقتياد أحمد بن بلة إلى المعتقل.

كنيسة سانتا كروز بوهران

لم تدم فرحة وسعادة سكان وهران باللقاء الكروي والحديث عن نجومية بيلي وغاريتشا ونجوم الفريق البرازيلي، فقد شهدت المدينة حملة اعتقالات سياسيةـ وعَرفت عزلة وتهميشًا سياسيين، على اعتبار أن مدينة وهران كانت حاضنة شعبية للرئيس المخلوع أحمد بن بلة، بينما أكثر التظاهرات الشعبية المناصرة والمناهضة للانقلاب العسكري شهدتها مدينة من شرق الجزائر هي ولاية عنابة.

تحمل مدينة وهران ثقلًا تاريخي يصعب علينا استعراض كامل معالمه ومختلف الفترات التاريخية والزمنية

على العموم، تحمل مدينة وهران ثقلًا تاريخي يصعب علينا استعراض كامل معالمه ومختلف الفترات التاريخية والزمنية، وهي مع موعد رياضي متوسطي تحتفي في "الباهية" بقلب سخي بكل ما تحمله عبر تاريخها.