23-مارس-2022

(صورة أرشيفية/ رياض قرامدي/أ.ف.ب)

 

تشهد الساحة الجزائرية غيابًا لافتًا للنّقاشات السياسية حول كبرى القضايا والمشكلات الراهنة في البلاد، حيث بات ظهور رؤساء كبرى الأحزاب السياسية والشخصيات الفاعلة في المشهد السياسي نادرًا، كما لم تعد القنوات التلفزيونية في الجزائر والفضاءات الإعلامية والعامة تشهد نقاشات سياسية بطرح إعلامي عميق أو ناضج على غرار ما كانت عليه في الفترات السابقة، بما فيها الفترات التي كانت شهدت أزمات حادّة وعنيفة في البلاد.

يبدو أن حملات اعتقال النشطاء طيلة الفترة السابقة والتهم التي وجهت لهم لعبت دورًا محسوسًا في خبوت الأصوات المناوئة لسياسة السلطة

خانة السّكون

يلاحظ كثير من المتابعين، أن ظهور قادة الأحزاب السياسية والشخصيات النشطة أصبح نادرًا على شاشات التلفزيون، رغم الزخم المؤسّساتي للقنوات العمومية والخاصة، ورغم الفضاءات الكبرى للإعلام الشبكي أو الفضاء الافتراضي، ما يطرح الكثير من التساؤلات حول أسباب ركون النقاش السياسي الإعلامي إلى السّكون بعد فترات المواعيد الانتخابية والزخم السياسي التي ترافقه كمحطات سياسية.

اقرأ/ي أيضًا: تبون يوجه رسائل لفرنسا حول قضايا الذاكرة

إضافة إلى ما ذكر سابقًا، يبدو أن حملات اعتقال النشطاء طيلة الفترة السابقة والعقوبات "القاسية" التي أنزلها القضاء بالمعارضيين والمدوّنين بالسجن والمتابعات القضائية الطويلة، والتهم "الخطيرة التي وجهت لهم، لعبت دورًا كبيرًا في خبوت الأصوات المناوئة لسياسة السلطة.

الملفِت للنّظر، أنه إذا كان غياب قادة قوى المعارضة السياسية في المشهد العام، مصوغًا برغبة السلطة منع أيّة مواقف تشوّش على خياراتها السياسية وقراراتها وتجنّب إثارة الرأي العام بقراءات مخالفة لقراءات السّلطة، فإن غياب قادة الأحزاب الموالية للسلطة والمشاركة في الحكومة نفسها، يطرح أكثر من تساؤل حول انعدام النقاش السياسي في الجزائر، في فترة حرجة محليًا وخارجيًا تحتاج إلى نقاشات جادة.

أحزاب متذمّرة

وبرأي كثير من المتابعين فإن هذا الوضع غير مسبوق في المشهد السياسي والإعلامي، بل هو محلّ انتقادات سياسية في عديد المناسبات من قبل الأحزاب السياسية، بما فيها تلك المشاركة في الحكومة، إذ انتقد رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، في لقائه بالقيادات النسوية لحزبه مؤخرًا، ما اعتبره "فوبيا المسؤولين من الصورة والصحافة"، واعتبر أن فتح النقاش السياسي ضرورة جدية.

 كما عبر رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، قبل أسبوعين، عن امتعاضه من "الصدّ والمنع" من المرور عبر التلفزيون والتضييق على النقاش السياسي والرأي الآخر من قبل السلطة، كما عبرت أحزاب العمال وجبهة القوى الاشتراكية والتجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية في مجموع بياناتها الأخيرة، عن استيائها من غياب فضاءات النقاش السياسي في وسائل الاعلام والتضييق على العمل السياسي.

لمواجهة تقلص مساحات النقاش السياسي في القنوات والفضاءات الإعلامية، اختارت بعض الأحزاب طريقة جديدة حيث استحدثت لصالحها برامج حوارية وحلقات نقاش يتم تصويرها وبثها على المواقع والمنصات الخاصة للأحزاب السياسية، على غرار ما تقوم به حركة مجتمع السلم التي تصوّر برنامجا تحت عنوان" منتدى السياسة" يقدّمها أحد  الكوادر الاعلامية للحزب، يستضيف فيها قيادات الحركة ونوابها للحديث عن مواقف الحزب والتعليق على الأحداث والقضايا الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، كما يقوم حزب "جيل جديد" بنفس المبادرة الإعلامية عن طريق برنامج موضوعاتي يحمل عنوان "وي تالك" لشرح مواقف الحزب وتصوراته السياسية، هروبًا من التضييق على مساحات النقاش السياسي في البلاد.     

اللّجوء للافتراضي  

 الفضاء الافتراضي أسهم في إفلات البعض من الأحزاب والوجوه السياسية من رقابة الفضاء العمومي، وتمكنت من تأسيس مساحات للتعبير عبر التقنيات التكنولوجية، غير أن الباحث في الإعلام عبد الله معتوق من جامعة وهران يرى أن الإبعاد غير المفهوم للوجوه السياسية من الشاشة الرسمية-القنوات العمومية خاصة أصبح حالة راسخة في السنوات الأخيرة. 

وأكد الأستاذ معتوق أن ممارسة الديمقراطية أساسها ممارسة التعبير عن الرأي والحرّية في التعاطي مع مختلف القضايا والأحداث التي تشهدها الجزائر.

وشدد المتحدث على أن السلطة باتت تمارس "سياسة الصمت عن الرأي الآخر والرأي المخالف"، مشيرًا إلى أن كل قضية وجب إقحام الفاعل السياسي في تقديم رؤيته لها، متسائلا ما جدوى الأحزاب السياسية وما معنى التعددية السياسية والإعلامية؟ 

في هذا المضمار، تشير بعض القراءات لخُفُوت النّقاش السياسي في الجزائر إلى أنّ "الإعلام صار مناسباتيًا خاصّة في المحطات السياسية الكبرى، بينما انحاز إلى إعادة انتاج الخطاب الأحادي النظرة والالتزام بتوجّه الحكومة.

وتبعًا لما سبق، قال الناشط الحقوقي نور الدين مدان أن هذا الأمر يفتح الباب أمام تأويلات أخرى تتعلّق أساسًا بمدى ممارسة الوسائل الإعلامية لحقها في المعلومة وواجبها في تنوير الرأي العام، ومدى واجب الأحزاب على الإدلاء برأيها حيال مختلف المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في محاسبة الحكومة وتأطيرها ومراقبتها أثناء آداء مهامها أيضًا.

انطفاء بعد انفتاح 

قبل سنوات طويلة ظلت الرقابة الذاتية محطّ تناول فيما بين الإعلاميين، إذ يحضر على الصحافي أن يتطرق إلى بعض الملفات "الحارقة"، على حدّ تعبير البعض من الأقلام التي تمثل في يومنا هذا الصحافة الخاصة التي أنجبتها حِقبة التّسعينيات، وبرزت مع الصحافة الخاصة بفعل التّعديل الدّستوري في سنة 1989، وسنّ قانون التعددية الإعلامية مع التعددية السياسية.

غير أنّ الحرية الإعلامية ومرور الوجوه السياسية في الشاشات بدأت تضمر شيئًا فشيئًا منذ أكثر من عشرية من الزمن، لتصبح اليوم غير مرغوب فيها، إذ لم نعد نشاهد اليوم برنامجا سياسيا يضمن للمشاهد الرأي والآراء الأخرى. 

ومن وجهة نظر الإعلامي بقناة الشروق نيوز، قادة بن عمار، فإن البرامج السياسية عموما هي "العصب الحي بالنسبة للقنوات التلفزيونية خصوصا تلك التي تصف نفسها بالإخبارية، إذ "تدخل السياسة في كل البرامج بمختلف مجالاتها: السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية" حسب رأيه.

 ولاحظ الإعلامي بن عمار في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن القنوات تحوّلت إلى قنوات إخبارية، تقدم الخبر بتجرد، وأحيانًا تكتفي بالخبر الرسمي دون فسح المجال للبرنامج السياسي الذي يقوم على تبادل الآراء، معترفًا بوجود "خفوت ظاهر بالنسبة للبرامج السياسية".

وحمَّل بن عمار الطبقة السياسية المسؤولية في غياب النقاش السياسي، قائلًا إنه "لا يمكن تقديم برنامج سياسي في بلد أفلست فيه الطبقة السياسية ودخلت الأحزاب في تقاعد مبكّر أو شلل مبرمج".

وأضاف في هذا السياق أن "البرنامج التلفزيوني عبارة عن رد فعل وليس الفعل في حدّ ذاته، موضّحًا أن الجزائر دخلت في مرحلة صعبة عقب الحراك الشعبي وسقوط النظام الحاكم ومتابعة رموزه، إذ أضحى من الصعب التركيز على الإعلام في ظلّ الأزمات الكبيرة التي كادت تعصف بالبلد والانقسامات التي شهدها الحراك ناهيك عن الثورة المضادة، وقد انعكس كل هذا على المشهد الاعلامي عمومًا".

قادة بن عمار: انعدام النقاشات السياسية في وسائل الإعلام هو خيار أقدمت عليه القنوات في المرحلة الحالية

يختم محدّث "الترا جزائر"، أن انعدام النقاشات السياسية في وسائل الإعلام هو خيار أقدمت عليه القنوات في المرحلة الحالية، وذلك "في ظل عدم ضبط القوانين المرتبطة بالسمعي البصري في البلاد، وبالتالي لا يمكن إثارة مشكل مجاني أو خلق أزمة قد توظفها بعض الجهات لتصفية حسابات مع قناة ما، موضّحًا في هذا الصدد أن هذا الأمر "حدث هذا كثيرًا في مرات سابقة من خلال العقوبات المعلنة وغير المعلنة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماكرون يدعو تبون لمواجهة رافضي مصالحة الذاكرة

لعمامرة يلتقي قيس سعيد ويسلّمه رسالة من تبون