04-أبريل-2020

ستوكل للجان الأحياء مهمّة إحصاء الأسر المعوزة (فيسبوك/الترا جزائر)

يتساءل كثيرون عن مصير المساعدات الموجّهة للمتضرّرين من إجراءات الحجر على الولايات، ومنع حركة النقل وفتح المحلات التجارية، بعدما أعلن الوزير الأوّل عبد العزيز جراد، اتخاذ تدابير لمساعدة المواطنين المتضرّرين من التدابير الوقائية التي أقرّتها الدولة، ضمن مخطّط مكافحة جائحة كورونا، وذلك بتوجيه تعليمات لرؤساء البلديات لإحصاء العائلات المعوزّة والعمال اليوميين، الذين ستوجّه لهم العملية التضامنية الحكومية، فهل ستصل هذه المساعدات حقًا للفئات التي تستحقّها أم لا؟ خاصّة وأن المهمّة أسندت للمسؤولين المحلّيين الذين أثبتوا عدّة مرات تفنّنهم في نهب قوت المحتاجين.

إسناد هذه المهمّة للمجالس البلدية، قد لا يبعث على كثير من الأمل وصول مساعدات الحكومة لمستحقيها

بعد الانتقادات التي وجّهت للسلطات، منذ أن دعت إلى الحجر المنزلي للمواطنين في مختلف الولايات، لعدم اتخاذها تدابير تُراعي وضع العائلات محدودة الدخل، تداركت ذلك بإعلان الوزارة الأولى، وبعدها الرئيس عبد المجيد تبون في حوار تلفزيوني، للتكفّل بالعائلات المعوزّة والعمال المتضرّرين من إجراءات الحجر الصحّي.

اقرأ/ي أيضًا: جائحة كورونا.. 83 وفاة واقتراب الإصابات من الألف حالة مؤكدة

لجان محلية

وكانت الوزارة الأولى بحر الأسبوع الماضي، أعلنت أن مصالحها قرّرت إنشاء نظام خاص للمساعدة والمرافقة، يخضع لمخطط وطني للتأطير والتعبئة للسكان، بهدف تذليل الآثار الاقتصادية والاجتماعية، لتدابير الحجر المتّخذة في إطار الوقاية من فيروس كورونا ومكافحته، التي أقرّت تقييد تنقل الأشخاص من أجل تقليص مخاطر العدوى وانتشار هذا الفيروس. وأقرّت الوزارة الأولى أن لهذه "الإجراءات، آثارًا اقتصادية واجتماعية على المواطن بشكلٍ عام وعلى العائلات بشكل خاص".

وأشارت الوزارة الوصية، إلى أنه تم تكليف الولاة تحت إشراف وزير الداخلية "بمهمّة ذات طابعٍ استعجالي، تتعلّق بانطلاق عملية تأطير وتنظيم الأحياء والقرى والتجمعات السكانية، ولهذا الغرض فُوّض رؤساء المجالس الشعبية البلدية تحت إشراف رؤساء الدوائر والولاة المنتدبون، للقيام بمهمّة التعبئة، في شكل لجانٍ محليّةٍ، تتكون من منتخبين محلّيين، وجمعيات الأحياء، والقرى والأعيان، والجمعيات الولائية الفاعلين في مجال التضامن والعمل الإنساني، بما في ذلك المكاتب المحلية للهلال الأحمر الجزائري والكشافة الإسلامية".

وأوضحت الوزارة الأولى، أن "لكلّ حيٍّ أو قرية أو مجموعة سكانية، يتمّ اختيار مسؤول اللجنة من بين قادة الجمعيات أو سكّان المنطقة الذين يحضون باحترام وتقدير السكان، والهدف من هذا، هو وضعُ تأطيرٍ شعبيٍّ يشرف عليه المواطنون أنفسهم أو ممثلوهم".

وستوكل لهذه اللجان إحصاء الأسر المعوزة وأولئك الذين يحتاجون إلى الدعم أثناء الحجر الصحّي، ومساعدة السلطات العمومية في توزيع المساعدات وبكلّ العمليات التي تتم لصالح المواطنين الخاضعين للحجر الصحّي، إضافة إلى إبلاغ السلطات المحليّة باهتمامات واحتياجات السكان المعنيين. ويتضمّن القرار الحكومي، تنصيب خلايا يقظة على مستوى البلديات لرصد ومراقبة وإدارة أزمة فيروس كورونا.

وقال الناشط السياسي والبرلماني السابق محمد حديبي، القاطن بولاية البليدة التي تم وضعها تحت الحجر الكلي في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّ "القرارات العديدة التي اتخذتها الحكومة خلال هذه الأزمة، خاصّة ما تعلق منها بحظر التجوال وتعليق بعض النشاطات وغلق المحلّات، جعلت نحو 400 ألف حرفي مسجّل يوظفون قرابة مليون شخص، يحالون جميعهم على البطالة، دون الحصول على دخل لهم ولعائلاتهم التي وجدت نفسها في وضعٍ لا تحسد عليه".

تخوف وترقّب

غير أن إسناد هذه المهمّة للمجالس البلدية، قد لا يبعث على كثير من الأمل وصول مساعدات الحكومة لمستحقيها، رغم أنها خطوةٌ تصبّ في عدم مركزية القرار ولتسهيل اتخاذ الإجراءات اللازمة، وذلك بالنظر إلى مظاهر الفساد التي عرفتها عديد المجالس المحليّة المُنتخبة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ووصلت إلى رئاسة البلدية بانتخابات غابت عنها الشفافية والنزاهة حسب تصريحات للمعارضة.

ويعتقد محمد حديبي، أن فشل المنتخبين المحليين في هذه المهمة  "جد وارد خصوصًا أن الجماعات المحلية ظهرت سابقًا دون المستوى المطلوب في تحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها، وغالبًا ما تخضع تحرّكاتها لحسابات انتخابية وتحتكم لعوامل المحسوبية والعروشية".

ويستدلّ حديبي في حديثه مع "الترا جزائر"، بـ"تجربة قفة رمضان التي فشلت البلديات في توزيعها، فقد كانت تجربة غير ناجحة، ما جعل السلطات تتخلّى العام الماضي عن توزيعها العيني، وصرفها نقدًا عبر مراكز البريد".

ماض أسود

بالنظر إلى الفساد الذي عرفه قطاع التضامن خلال السنوات الماضية، يظهر أن التخوّف، الذي يُبديه كثيرون، مشروعٌ إلى أبعد الحدود، فالتحقيقات التي باشرتها العدالة ضدّ رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، كشفت تورّط وزيرين سابقين لقطاع التضامن، هما جمال ولد عباس والسعيد بركات، في قضايا فساد.

وأودع ولد عباس الحبس المؤقّت بالحرّاش، بتهم تبديد أموالٍ عموميةٍ وإبرام صفقات خارج إطار التشريع، والتزوير في محرّرات عمومية خلال فترة توليه وزارة التضامن بين 1999 و2010، وهي التهم ذاتها التي أودع بسببها السعيد بركات سجن الحراش.

وفي سنة  2018، أمرت وزيرة التضامن السابقة غنية الدالية، بالتحقيق في عملية توزيع غير عادل لقفة رمضان الموجّهة خلال شهر رمضان للعائلات المعوزّة، غير أن ذلك التحقيق لم تظهر نتائجه ولم ينجح في ضمان وصول هذه المساعدات لمستحقّيها، بالنظر إلى أن العملية تؤطّر على المستوى المحلّي من قبل رؤساء البلديات الذين توبع العشرات منهم في قضايا فساد، تتعلق باختلاس أموال عمومية خلال السنوات الماضية.

ويوضح محمد حديبي في حديث إلى "الترا جزائر"، أن "فشل السلطات المحليّة في العمل التضامني التي سيسند لها هذه المرة أيضًا، يظهر في عدم وجود بطاقية وطنية حول عدد المعوزّين في كل حي وكل بلدية، لأن المطالبة بالقيام بإحصاء جديد دليل على أن العملية كانت تتم بعشوائية سابقًا".

ويدعو البرلماني السابق إلى تشكيل مؤسّسة مركزية مستقلة، تتفرّع عبر الولايات والبلديات تتكفّل بالإحصاء والرعاية وتحيين القوائم، لأنّ هذه البطاقية الخاصّة بهذه الفئة تتغير حسب تطوّرات القدرة الشرائية، ومدّة الحجر المفروض من قبل الحكومة خلال هذه أزمة كورونا.

أمين لونيسي: أثناء الأزمات المستجدة على البلاد، يبرز دور المجتمع المدني والجمعيات الناشطة في المجال التطوّعي

أما الكاتب الصحافي أمين لونيسي، فيشير في حديث مع "الترا جزائر"، إلى أنه "أثناء الأزمات المستجدة على البلاد، يبرز دور المجتمع المدني والجمعيات الناشطة في المجال التطوعي". وشدّد لونيسي على ضرورة التنسيق الحقيقي بين السلطات المحلية وهذه الجمعيات، وبالأخصّ لجان الأحياء التي يعرف أعضاؤها المحتاجين الحقيقيين، بهدف عدم تكرار المشاهد التضامنية السابقة، التي كانت تذلّ المحتاج بدل أن تكرمه وتغنيه عن السؤال، على حدّ قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وزير الصحة: البعثة الصينيّة تعالج رعاياها في الجزائر

أحدث جدلًا واسعًا.. وزير الصحة يستقبل بوناطيرو بخصوص "دواء" كورونا