تنطلق في الـ 17 تشرين الأوّل/أكتوبر، الحملة الانتخابية لمشروع تعديل الدستور، وسط ترقب لمن ستعتمد عليهم السلطة للمشاركة في زفة الترويج لهذه الوثيقة المطروحة للاستفتاء في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، إن كانت ستقدم وجوهًا جديدة أم أنها ستستعين بالكيانات ذاتها التي استعملها النظام دومًا للدعاية لخططه السياسية عند كل موعد انتخابي.
لا أحد ينكر أن الرئيس تبون في حاجة اليوم لمن يدعم خياراته السياسية
ووسط هرولة أحزاب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والمنظمات التي كانت تسبح في بحره للإعلان عن دعمهم لدستور عبد المجيد تبون، يتخوّف البعض من أن يزيد هذا المشهد حجم الرافضين لمشروع تعديل الدستور، خاصّة وأن معظم أقطاب المعارضة أعلنت مقاطعة هذا الاستحقاق أو التصويت ضدّ الدستور المنتظر.
اقرأ/ي أيضًا: الأحزاب السياسية والسلطة.. "الحرس القديم" يصوت لصالح الدستور الجديد
وجوه قديمة
استيقظت الأحزاب السياسية والجمعيات التي دعمت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وكانت وراء ترشيحه لولاية رئاسية خامسة أخيرًا من سباتها، وأنهت فترة العزلة التي أجبرت عليها بسبب حراك 22 شباط/فيفري 2019، وذلك بإعلانها الالتحاق بالداعمين لمشروع تعديل الدستور الذي أتى به الرئيس تبون.
وقبل أكثر من أسبوع، أثارت مشاركة رئيس منظمة الاتحاد العام للطلبة الجزائريين منذر بوذن، في لقاء عقد بفندق الجزائر بالعاصمة، بعد أن جمع عددًا من الجمعيات المدنية حول مشروع تعديل الدستور، دهشة متابعين للشأن السياسي، حين اكتشفوا أن الرجل قد انضم للداعين للتصويت على مشروع تعديل الدستور.
ومنذر بوذن ليس مجرّد رئيس منظمة طلابية فقط، إنما هو حسب البعض، تجسيد لتمييع العمل السياسي والجمعوي الذي عاشته التنظيمات المدنية في عهد الرئيس السابق، فقد كان عضوًا في المندوبية المركزية التي كانت ستتولّى إدارة الحملة الانتخابية للعهدة الخامسة، ومناضلًا في حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يقبع أمينه العام السابق أحمد أويحيى بالسجن بتهم فساد متعددة، إضافة إلى أن ترأسه لسنوات تنظيمًا طلابيًا يطرح عدة تساؤلات بشأن مدى قانونية هذا المنصب، بالنظر إلى أن الدراسة الجامعية في أطولها لا تتعدى 8 سنوات.
وعرف الاجتماع تأسيس تنظيم مدني سمي باسم "المسار الجديد"، يضمّ العديد من الناشطين من شاكلة منذر بوذن، مثل ابتسام حملاوي التي أطلقت تصريحات ضد الحراك الشعبي ودعّمت العهدة الخامسة.
ولا تكمن المفاجأة في اصطفاف المحسوبين على الرئيس السابق في تنظيمات جديدة، بهدف التلون مع الوضع الجديد، إنما في تركيز وسائل الإعلام ومنهاء وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، على نقل تصريحات بوذن وحملاوي ومعهما نور الدين بن براهم وهو قيادي سابق في حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي يقبع أمينه العام السابق أحمد أويحيى في السجن، بعد إدانته في قضايا فساد دون غيرهم، ما يفتح الباب لكل ريب يتعلق بعودة رموز النظام السابق.
وانضم إلى الداعمين لـ "المسار الجديد" أيضًا، رئيس ودادية الجزائريين بتونس شكيب جوهري، وهو برلماني عن حزب "جبهة التحرير الوطني" الذي كان يرأسه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
تخوف المعارضة
أثارت هذه العودة اللافتة لأطياف المجتمع المدني المحسوب على بوتفليقة، مخاوف المعارضة حتى تلك غير الراديكالية التي كانت تأمل في أن تتعلم السلطة من تجاربها السابقة، على حدّ تعبيرها.
وكتب رئيس "حركة مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري في تغريدة على تويتر، معلقًا على استنجاد النظام بوجوه قديمة للترويج لمشروع تعديل الدستور"أشم رائحة صناعة الزبونية التي أفسدت البلد، والكوطة التي دمرت السياسة، والشعبوية التي خربت الاقتصاد، جحافل الشيتة (التملق) وأزلام العهد البوتفليقي يعودون، زحام الوصال بالحاكم يشتد، ضرائر الحكام يتهارشون".
وأضاف مقري "لقد حذرنا من هذا المشهد وصدّقنا الزمن، واليوم مرة أخرى نحذر.. إن هذا خطر على البلد".
ولا يقتصر تخوف مقري من عودة جمعيات المساندة والانبطاح لبوتفليقة فقط، ولكن بمحاولة أعضاء حزبه من ركوب موجة تعديل الدستور لعلها تخرجها من قاعة الإنعاش التي دخلته بفعل الحراك، فبعد البروفات السياسية التي قدمها كلًا من حزبي "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" بانتخاب أمين عام جديد لكل حزب، وإعلانهما المشاركة في الدعوة للتصويت على مشروع تعديل الدستور، جاء الدور على تجمع أمل الجزائر "تاج"، الذي انتخب وزيرة البيئة في عهد بوتفليقة فاطمة الزهراء زرواطي رئيسة جديدة للحزب، وأعلن أيضًا انضمامه للداعين للتصويت على الوثيقة الدستورية، ومعلوم أن قادة الأحزاب الثلاثة يقبعون كلّهم في السجن بعد إدانتهم في قضايا فساد.
وقد لا يبدو مستغربًا، إن أعلنت "الحركة الشعبية" لرئيسها عمارة بن يونس القابع هو الآخر في السجن، التحاقها بجوقة المساندين لمشروع تعديل الدستور.
مصالح سياسية
وإذا نظرنا إلى الاستعانة بهذه الوجوه المحسوبة على نظام بوتفليقة بمنطق براغماتي كما تقتضيه المصالح السياسية أحيانًا، فسيكون من جانبين، الأول هو بحث السلطة الحالية في البلاد عن وعاء انتخابي مضمون مشاركته في الاستحقاق القادم ومعروف قدرته على التعبئة الانتخابية حتى ولو توسعت رقعة الرافضين له، إلا أنه يبقى على المستوى المحلي يملك إمكانية التجنيد الشعبي.
ولا أحد ينكر أن الرئيس تبون في حاجة اليوم لمن يدعم خياراته السياسية، خاصة وأن المعارضة بأطيافها المختلفة ترفض مساندة صاحب مشروع "الجزائر الجديدة"، لذلك فالسلطة مستعدة للاستعانة بأي طرف من أجل إنجاح عرس الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، غير أن الاستعانة بوجوه مستهلكة وسيئة السمعة قد تكون لها انعكاس سلبي كبير، وقد يزيد من رقعة الرافضين والمقاطعين للاستحقاق الدستوري المقبل، باعتبار أن المواطن لا يرى في ذلك التغيير الذي كان يطمح له.
المعارضة بأطيافها المختلفة ترفض مساندة صاحب مشروع "الجزائر الجديدة"
والأكيد أن هذه الجمعيات والأحزاب السياسية التي اعتادت على البحث عن مصالحها، لن تمل من العمل على أن يكون لها مكان في جزائر ما بعد 22 شباط/فيفري 2019، لذلك لن يكون التخلص منها سهلًا، ولعل الحل الوحيد يكمن في حلّها وسن قوانين لا تسمح لها بالعودة لممارسة هوايتها المفضلة، وبدايتها تكون بإدخال "جبهة التحرير الوطني" إلى المتحف، وإعادة النظر في تشكيل الجمعيات المدنية بشكل جذري.
اقرأ/ي أيضًا:
ليلى حاج عرب ترفع عدد النوّاب المستقيلين من البرلمان الجزائري إلى 13
الجزائر.. قانون الموازنة يقسّم البرلمان؟