22-سبتمبر-2022

تجمع أمام محكمة عبان رمضان خلال محاكمات تتعلق بقضايا فساد (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تصر الحكومة الجزائرية على الوفاء بالالتزام الذي قطعه الرئيس عبد المجيد تبون في الحملة الانتخابية لرئاسيات 12 كانون الأول/ديسمبر، والمتمثل باسترجاع الأموال المنهوبة والمحولة إلى الخارج، لذلك ستطرح قانونا للتسوية الودية مع أصحاب هذه الأموال على البرلمان في الأيام القادمة، بهدف التمكن من استرداد هذه المبالغ التي لم تمكن الإجراءات الأخرى الموجودة حاليا الحكومة من النجاح في مهمتها.

يقترح مشروع هذا القانون إعطاء الأولوية لتحصيل الأموال المهربة إلى الخارج عن طريق التسوية الودية مع متورطين في قضايا فساد

ورغم صدور العديد من الأحكام في حق وزراء ومسؤولين ورجال أعمال من رموز الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة بمصادرة أملاكهم داخل وخارج الجزائر، إلا أن كثيرًا من هذه الأموال الموطنة بالخارج لم يتم استرجاعها، لذلك تأمل الحكومة أن تكون إجراءات التسوية الودية كفيلة باسترداد هذه المبالغ الضخمة من أموال الجزائريين التي نهبت عن طريق المحاباة والنصب والاحتيال.

أولوية تحصيل الأموال 

في السابع من أيلول/سبتمبر الجاري، درست الحكومة مشروع قانون قدمه وزير العدل يتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج.

وحسب بيان لمصالح الوزير الأول، يقترح مشروع هذا القانون إطارًا قانونيًا جديدًا يعطي الأولوية لتحصيل الأموال الناتجة عن هذه المخالفات والمحافظة على مصالح الخزينة العمومية من خلال تشجيع اللجوء إلى آليات التسوية الودية.

وفي الـ11 من الشهر الجاري، تم بحث مشروع القانون في اجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه الرئيس تبون، والذي أكد أن "القضاء هو السلطة الوحيدة، المخول لها، الفصل في قضايا الفساد، وهي المصدر الأوحد لوضع الآليات القضائية، لوقاية المجتمع منه"، معلنا في السياق " استحداث وكالة وطنية لاسترجاع الممتلكات والأموال المُصادرة كآلية جديدة تكون تحت وصاية وزارتي المالية والعدل".

 ويعد هذا التشريع المنتظر رسالة من الحكومة على مضيها في التكفل بهذا الملف، فقد تضمن مخطط عمل حكومة الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان "مراجعة الإطار التشريعي المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، واستكمال مشروع القانون المتعلق بقمع مخالفة تشريع وتنظيم الصرف وحركات رؤوس الأموال من وإلى الخارج، من أجل تفضيل التسوية الودية على الإجراءات الجزائية، وذلك قصد تعزيز القدرات المالية للدولة، وستعكف الحكومة على تعزيز الشفافية فـي تسيير الأموال العمومية وتتبعه والوصول إلى الصفقات العمومية".

وقال بن عبد الرحمان خلال عرضه برنامج حكومته على البرلمان قبل عام إن التسوية الودية بهدف استرجاع الأموال المنهوبة هي آلية أثبتت فعاليتها في العديد من الدول، مبينا أنها  "لا تتعلق بالأشخاص الطبيعيين ولا تمس بالعقوبات المسلطة عليهم، بل تخص الأشخاص المعنويين والشركات الأجنبية المتورطة في عمليات الرشوة".

وأكد حينها أنه تم وضع مقاربة شاملة للتكفل بالملف والتنسيق مع الدول التي حولت لها الأموال ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وفي إطار منظمات دولية متخصصة لتتبع الأملاك وتحديد أماكنها.

تسوية ودية 

رغم عدم صدور قانون التسوية الودية لاسترجاع المنهوبة، إلا أن الحكومة نجحت في استرداد جزء منها وفق ما ورد على لسان مسؤولين جزائريين، وما نقلت تقارير إعلامية، إلا أن المال المسترجع يبقى بعيدًا عن الأرقام المرصودة بشأن الأموال العمومية المحولة إلى الخارج بطرق غير قانونية.

وفي نيسان/أفريل 2021، أعلن الرئيس تبون في لقائه الدوري مع الصحافة المحلية إن الجزائر استطاعت استرجاع ما لا يقل عن 44 عقارًا من بينها قصور وشقق في فرنسا ضمن عملية استرجاع الأموال المنهوبة والمحوّلة نحو الخارج، واعدا بكشف تفاصيل إضافية بعد شهر.

وقال الرئيس تبون إن "رجال أعمال استفادوا من 6 مليارات دينار ولم يعيدوا منها سوى 15 بالمائة"، مشيرًا إلى أن "هناك شركات أوروبية متورطة في عمليات الفساد وتضخيم الفواتير".

وبعد  مرور شهر أي في أيار/ماي 2021، كشفت وزارة العدل عن استرجاع أموال وعقارات منهوبة داخل البلاد بلغت قيمتها المالية نحو مليار دولار، وتمثلت في حجز 52.73 مليار دينار (400 مليون دولار)، منها 39 مليار دينار (300 مليون دولار) صدرت بشأنها أحكام بالمصادرة،و1.95 مليون يورو، منها 678 ألف يورو تمت مصادرتها، فضلًا عن حجز 213 مليون دولار، منها 198 مليون دولار تمّت مصادرتها.

وقال بيان لوزارة العدل إنه تم أيضًا "حجز عملات أخرى بمبالغ مالية أقل، علما أن المبالغ المذكورة تأخذ شكلًا إما سيولة أو مبالغ موضوعة في الحسابات البنكية، كما تم وضع تحت يد القضاء 4766 مركبة، منها 4689 تمت مصادرتها و6 سفن كلها موضوع مصادرة".

وفيما يتصل بالعقارات، فقد "وضعت 301 قطعة أرضية عادية وفلاحية تحت يد القضاء، منها 214 تمت مصادرتها"، كما تم وضع "119 سكن و27 محلًا تجاريًا تحت يد القضاء، صودرت منها 87 سكنا و23  محلًا تجاريًا، بالإضافة إلى 21 بناية أخرى محجوزة أو مصادرة''.

وقبل أيام، أفادت صحيفة "العربي الجديد"، أن الحكومة تواصل تعقب الأموال المنهوبة في عدد من الدول الأوروبية في مقدمتها فرنسا وإسبانيا وسويسرا.

ونقلت الصحيفة عن من مصدر في اللجنة المكلفة باسترجاع الأموال المنهوبة، أن "أعضاء منها سيتوجهون إلى سويسرا في الأّيام القادمة، من أجل التدقيق في ملكية بعض العقارات التي يُعتقد أنها تعود إلى رجال أعمال مسجونين حاليًا في قضايا فساد، ومحاولة ربط الاتصالات الأولى مع الحكومة السويسرية للوصول إلى الحسابات المالية التي توصلت إليها التحقيقات القضائية في الجزائر".

وكشف المصدر أن "اللجنة زارت فرنسا مطلع السنة ثم إسبانيا، واستطاعت استرجاع قرابة 40 عقارًا، بقيمة تلامس 500 مليون يورو من بينها فندق لرجل الأعمال علي حداد بمدينة برشلونة، وشقق فاخرة في باريس وليون وليل الفرنسية، مع العلم أنه توجد عشرات من الإنابات القضائية (تعاون قضائي) موجهة إلى 11 دولة هي سويسرا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا ولوكسمبورغ وبنما وأيرلندا الشمالية والصين وأميركا وكندا والإمارات العربية المتحدة".

وبداية الشهر الجاري، أعلنت الشرطة الجزائرية  أن المصلحة المركزية لمكافحة الجريمة المنظمة التابعة للأمن الوطني استرجعت 57 مركبة فاخرة وفككت جماعة إجرامية منظمة في قضايا فساد وتبييض الأموال لها علاقة برجل الأعمال السابق  محيي الدين طحكوت، مشيرة إلى القيمة الإجمالية للمركبات تقارب مبلغ  ملياري دينار (أكثر من 14 مليون دولار)، مع العلم أنه سبق لمصالح الأمن أن حجزت شهر آذار/مارس الجاري 507 مركبة من مختلف العلامات والأصناف لرجل الأعمال نفسه.

وباشرت السلطات مصادرة أملاك رجال الأعمال والمسؤولين الذين أدانهم القضاء وأمر بتجريدهم من الأموال المنهوبة، حيث صادرت الحكومة مصنعا لزيت الطهي بجيجل يعود لعائلة كونيناف، وسحبت مشروع الطريق الرابط بين ميناء جن جن  من شركة علي حداد ومنحت الصفقة لشركة تركية، إضافة إلى ممتلكات أخرى.

معركة قضائية

 لا يعد نجاح الحكومة في استرجاع الأموال المنهوبة ملفًا عاديًا، بالنظر إلى أنه يندرج ضمن الالتزامات الرئاسية التي يجب تحقيقها، خاصة وأن الملف مرشح لطرحه من جديد من قبل البرلمان خلال مناقشة بيان السياسة العامة في الأيام القادمة.

وتكمن صعوبة استرجاع هذه الأموال في عدم  تحمس الدول الأجنبية لإعادة هذه الأصول العقارية أو النقدية بحجج مختلفة، منها عدم وجود اتفاق قضائي مع الجزائر، أو إجراءات معقدة للحسابات البنكية بحجة سريتها، وغيرها من الحجج التي تدخل في الأساس ضمن المفاوضات والضغوط السياسية والاقتصادية، وهو الأمر الذي حدث مع دول سابقة كتونس وليبيا وغيرهما، والتي لم تحصّل حتى اليوم أموالها المهربة إلى دول غربية تتخلى عن كل خطابات محاربة الفساد وتهريب الأموال لما يتعلق الأمر بإعادة مبالغ ضخمة وصلت إلى ترابها حتى ولو كانت بطرق غير قانونية.

وفي أيار/ماي الماضي، قال وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي إن المعركة الأساسية بالنسبة لقطاع العدالة في الجزائر تبقى "محاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة وإرساء عدالة ذات مصداقية، بما يسمح باستعادة ثقة المواطن".

المصلحة المركزية لمكافحة الجريمة المنظمة حجزت أكثر من 500 مركبة لرجال أعمال متورطين في قضايا فساد

وإذا كان قانون التسوية الودية المنتظر أحد التشريعات المعروفة عالميًا في استرجاع الأموال المنهوبة في حالات شبيهة بتلك التي عاشتها الجزائر، فإن الأهم فيه ألا يسمح للمدانين بالإفلات من العقاب، وأن لا يكون بابًا لتكرار ما حدث سابقًا.