سياسة

مشروع قانون التعبئة العامة.. خُطوة دستورية في سياقات إقليمية مُتوتّرة

21 أبريل 2025
وسط الجزائر العاصمة
وسط الجزائر العاصمة (صورة: أرشيف)
فتيحة زماموش
فتيحة زماموش إعلامية وباحثة من الجزائر

أثار إعلان مجلس الوزراء، في اجتماعه مساء الأحد، عن المصادقة على مشروع قانون التعبئة العامة، جملة من التساؤلات تتعلّق بدوافع هذا الإجراء وتوقِيته الحالي تحديدًا، خاصة في ظلّ تصاعد حِدّة التوترات الإقليمية. 

هذه الخُطوة القانونية قد تُجسِّد رؤية استباقية تهدِف إلى الاستعداد لمُواجهة أي ظرف طارئ يستدعي تعبئة شاملة للموارد البشرية والمادية في البلاد

وعلى الرّغم من أنّ هذا القانون يكتسِب أهمية دستورية وتنظيمية واضحة، حيث من المُقرّر عرضه على البرلمان لاحقًا، يرى مراقبون أنّ هذه الخُطوة القانونية قد تُجسِّد رؤية استباقية تهدِف إلى الاستعداد لمُواجهة أي ظرف طارئ يستدعي تعبئة شاملة للموارد البشرية والمادية في البلاد. ويستدعي هذا التطوّر التساؤل عن المفهوم الحقيقي للتعبئة العامة التي يسعى القانون الجديد إلى تنظيمها، بالإضافة إلى تحديد الآليات والقطاعات التي سيشملها نطاقه.

التعبئة العامة.. جدل التوقيت 

أثارت المصادقة الأخيرة لمجلس الوزراء على مشروع قانون التعبئة العامة نقاشات واسعة النطاق، تجاوزت مضمون المشروع نفسه لتركّز بشكل كبير على السياق الزمني الذي تم فيه الاجتماع وحزمة المشاريع الأخرى التي جرت مناقشتها والموافقة عليها. 

اللافت أنّ البيان الصادر عن الرئاسة عقب الاجتماع اكتفى بالإشارة إلى أنّ الهدف من مشروع القانون هو تحديد آليات تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة، امتثالًا للمادة 99 من الدستور.

غياب أي تفاصيل أخرى في البيان الرسمي حول فحوى المشروع فتح الباب واسعًا أمام التأويلات المختلفة، وهو ما انعكس في بعض الكتابات، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، التي ذهب بعضها إلى حدّ الحديث عن "إعلان التعبئة العامة" كقرار رسمي. 

في المُقابل، اتجه المهتمون بالشأن العام إلى تحليل القانون من منظوره التشريعي، بينما يفرض الواقع الجيوستراتيجي نفسه بقوة في تقديم تفسيرات مُتعدّدة الأوجه.

الجدير بالذّكر في هذا المنحى؛ بوجود خلط واضِح بين مُخرجات مجلس الوزراء المتعلقة بمشروع القانون -الذي يهدف إلى تفعيل المادة 99 من دستور 2020 من خلال تنظيم إجراءات التعبئة العامة وشروط إعلانها – وبين قرار أو مرسوم فعلي بإعلان التعبئة.

من الضروري أيضًا التنبيه إلى أنّ مفهوم التعبئة العامة في الجزائر يشمل جميع القطاعات، وعمليات تعبئة للموارد أو فئات بشرية وغيرها لدعم جهود مواجهة خطر داهم، تهديد أمني، حرب، كارثة، أو وباء.

بالاستناد إلى النصوص القانونية، تؤكد المادة 99 من الدستور على أنّ "قرار التعبئة العامة يتخذه رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن واستشارة رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني".

وفي هذا السياق، يبرز التساؤل حول المعنى الحقيقي للتعبئة العامة التي يسعى هذا القانون لتنظيمها، وما هي الآليات والقطاعات التي سيشملها؟ وهل يقتصر نطاقه على الاستعداد العسكري فقط، كما قد يتبادر إلى الذهن عند سماع هذا المصطلح؟ 

يتضمّن قانون التعبئة العامة آليات متعددة تشمل تجنيد الاحتياط، وتسخير الموارد الاقتصادية، وضمان الجاهزية الكاملة للمؤسسات الوطنية للتعامل مع السيناريوهات القصوى التي تهدد الأمن القومي للبلاد. 

وفيما يتعلق بالتعبئة العسكرية واستدعاء قوات الاحتياط للانضمام إلى صفوف الجيش، فإنّها تخضع لـ "قانون الاحتياط العسكري" الذي حظي بموافقة البرلمان في عام 2022، والذي "يُحدّد كيفية استدعاء قوات الاحتياط والفئات المستهدفة بالاستدعاء في حالة وجود خطر نشوب حرب".

تحديات 

على الصعيد السياسي، استقطب مشروع القانون اهتمامًا واسعًا، حيث يرى الكثيرون أنّ التركيز على مفهوم "التعبئة العامة" يعود في المقام الأول إلى السياق الإقليمي المضطرب والتوترات المتصاعدة في المنطقة.

الباحث في العلوم السياسية مراد زايدي لـ" الترا جزائر":  الجدل الدائر حول قانون التعبئة العامة أمر طبيعي في ظلّ السياق الإقليمي المتوتر والقلق إزاء التحديات  المحتملة

من هذا المنطلق، أوضح الباحث في العلوم السياسية بجامعة البليدة، مراد زايدي، في تصريح لـ "الترا جزائر" أنّ الجدل الدائر حول "قانون التعبئة العامة" أمر طبيعي في ظلّ السياق الإقليمي المتوتر والقلق إزاء التحديات الأمنية المحتملة.

ويبدو جليًا أنّ النّقاش السياسي الحالي حول مشروع قانون التعبئة العامة يركز بشكل ملحوظ على الديناميكيات الإقليمية والتوترات الراهنة، أكثر من التعمق في تفاصيل ومضمون القانون ذاته. 

وهو ما يُفسّر جزئيًا عدم امتلاك الكثيرين لتفاصيل دقيقة حول محتوى القانون، بينما ينصب التركيز الأساسي على الدلالات السياسية والتوقيت الذي تم فيه طرح هذا التشريع.

ويرى الأستاذ زايدي أنّ هذا التركيز على السياق يثير عدة نقاط جوهرية للنقاش السياسي، يمكن تلخيصها كما يلي: 

تأثير البيئة الإقليمية على طرح ومناقشة مثل هذه القوانين يطرح تساؤلات مهمة حول ما إذا كان هذا القانون يمثل استجابة أو استعدادًا لتطورات محددة تشهدها المنطقة.

الأبعاد السياسية الداخلية وكيف يمكن للتركيز على التعبئة العامة أن يؤثر على المشهد السياسي الداخلي؟ وهل يحمل هذا التركيز رسائل مبطنة موجهة لأطراف فاعلة داخلية أو خارجية؟

في ظل غياب نقاش متعمق حول مضمون القانون وتفاصيله، تعترف بعض الأوساط السياسية بأن ذلك يفسح المجال لتفسيرات متنوعة، خاصة فيما يتعلق بالقلق الأمني على الحدود الجنوبية، تحديدًا في سياق أزمة الجزائر مع مالي والتهديدات المتنامية في منطقة الساحل بشكل عام.

خطوة دستورية وتنظيمية 

على الصعيد الإجرائي ومن حيث الأهمية الدستورية والتنظيمية، يُمثّل قانون التعبئة العامة الذي حظي بمصادقة مجلس الوزراء، في انتظار عرضه على الهيئة التشريعية (البرلمان)، خُطوة محورية نحو تفعيل وتوضيح الأحكام الدستورية المتعلقة بآليات تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة في البلاد. 

في خضمّ التطورات الإقليمية الراهنة، يكتسب هذا القانون أهمية مضاعفة في رسم إطار شامل لمواجهة مختلف الظروف الطارئة التي قد تستلزم حشد القدرات الوطنية وتضافر جهودها، وفقا لتصريح أستاذ القانون فريد بن موسى.

وبالنّظر إلى الهدف من المشروع في سياق التحديات الأمنية والإقليمية المتزايدة، يعتبر أستاذ القانون أنّ مشروع قانون التعبئة العامة "أداة تنظيمية تهدف إلى تعزيز قدرة الدولة على مواجهة الأزمات وحماية مقدراتها ومصالحها الحيوية".

أستاذ القانون فريد بن موسى لـ" الترا جزائر": يكتسب هذا القانون أهمية مضاعفة في رسم إطار شامل لمواجهة مختلف الظروف الطارئة 

وبالتركيز على دور القانون في تنظيم الاستعداد للطوارئ، يوضّح بن موسى في إفادته لـ" الترا جزائر" أنّ "هذا القانون يسعى إلى تحديد مفهوم التعبئة العامة بشكل دقيق وتبيان كيفية تفعيلها في مختلف الظروف التي تستدعي تضافر جهود كافة القطاعات الحيوية في الدولة".

قنوات اتصال 

في ظلّ هذا الاهتمام المتزايد بالسياق الإقليمي وتأثيره على النقاش الدائر حول قانون التعبئة العامة، يتضح الدور المحوري الذي يقع على عاتق الحكومة في تقديم توضيحات شافية حول أهداف ومضمون هذا المشروع القانوني. 

ويصبح فتح قنوات تواصل فعالة وواضحة ضرورة حتمية لضمان إلمام الرأي العام وكافة الأطراف المعنية بتفاصيل القانون وأبعاده الحقيقية، خاصة وأنه جاء عقب تصريحات رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أول السعيد شنقريحة،  خلال تنصيبه لقائد الدرك الوطني، يوم 19 نيسان/ أبريل الحالي، إذ أكد في كلمته على أنّ "الجزائر مُستهدفة لعدة اعتبارات، وأن أعداء الشعب الجزائري لم يهضموا إلى حد الآن استقلاله ولم يتحملوا إصرار أبنائه المخلصين على التمسك بموروثه الثوري والحضاري”، مشيرا إلى أن هؤلاء الأعداء “لم يهضموا أبدا استقلاله، ولم يتحملوا صلابة وقوة وحدته وتماسكه الاجتماعي وتلاحمه مع جيشه".

 

الكلمات المفتاحية

مجلس الأمة ( صورة: أرشيف)

مجلس الأمة وسُلطة التعديل.. كيف تُعيد الغُرفة الثانية صياغة القوانين؟

جاء مِيلاد مجلس الأمة في الجزائر سنة 1996  في سياق سياسي وأمني بالغ الحساسية، حيث لم يكن مجرّد استكمال لبنية البرلمان الجزائري، بل نتاجًا مباشراً لتحولات عميقة فرضتها ظروف تلك المرحلة.


برونو روتايو، وزير الداخلية الفرنسي (مونت كارلو)

برونو روتايو رئيسًا لحزب "الجمهوريين" على أكتاف "الملف الجزائري".. واحتمالات ترشحه للرئاسة الفرنسية تتعزز

في مشهد سياسي فرنسي سريع التغير، شهدت باريس انتخاب برونو روتايو وزير الداخلية الحالي وصاحب النظرة المتشددة ضد الجزائر، رئيساً لحزب "الجمهوريين"، بنسبة 74.31 بالمائة من الأصوات، في انتصار ساحق على منافسه لوران فوكيي.


(الصورة: فيسبوك)

مرشحٌ وحيد.. عزوز ناصري في طريقه لخلافة صالح قوجيل على رأس مجلس الأمة

أعلن رئيس كتلة الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، ساعد عروس، ترشيح عزوز ناصري لمنصب رئيس مجلس الأمة.


مجلس الأمة

خليفة صالح قوجيل على رأس مجلس الأمة.. أسماء تنتظر "الضوء الأخضر"

على بُعد أقل من 72 ساعة من موعد انتخاب خليفة رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، المقرَّر يوم الاثنين الـ19 من الشهر الجاري، في جلسة علنية عامّة ستعرف تنصيب الأعضاء الجُدد لمجلس الأمة بعنوان التجديد النصفي لسنة 2025، يتواصل الغموض حول هوية خامس رئيس للهيئة التشريعية منذ تأسيسها سنة 1996.

كيليا نمور_0.jpg
رياضة

تغييرات مصيرية في مسار كيليا نمور تحضيراً لأولمبياد 2028.. وخط الرياضة يسير مع الفن والتأثير

أعلنت البطلة الأولمبية الجزائرية كيليا نمور عن مرحلة جديدة في مسيرتها الرياضية، تتمثل في تغيير ناديها ومدربها استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية المقررة في لوس أنجلوس عام 2028، حيث ستخوض هذا التحدي الكبير تحت الراية الجزائرية.

الصحفي رؤوف حرز الله
أخبار

قضية منع الصحفي رؤوف حرز الله من السفر تتفاعل.. منظمات حقوقية تندد ووزير الاتصال يلجأ للقضاء

أكدت منظمة شعاع الحقوقية أن قرار منع الصحفي الجزائري عبد الرؤوف حرز الله من السفر، دون إشعار رسمي أو إجراءات قضائية معلنة، يعدّ انتهاكاً صارخاً للضمانات القانونية والدستورية التي تكفل حرية التنقل وحقوق المواطنين الأساسية.


دومينيك دوفيلبان, رئيس الحكومة الفرنسية سابقا
أخبار

دومينيك دوفيلبان يهاجم "الخطاب الحربي" لبرونو روتايو ضد الجزائر.. ويشيد بجورجيا ميلوني

انتقد رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، بشدة الخطاب العدائي تجاه الجزائر الذي تبناه بعض السياسيين الفرنسيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو ريتايو، محذرًا من العواقب الخطيرة لهذا النهج الذي وصفه بـ"الخطاب الحربي" وغير الواقعي.

طلبة الجامعي
أخبار

إصلاح نمط تكوين الدكتوراه.. هل هي خُطوة لتصحيح المسار الأكاديمي؟

تنجه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إحداث تغيير جوهري في نمط التكوين في طور الدكتوراه، من خلال اعتماد نموذج "مضاف الدكتوراه"، الذي يهدف إلى ربط التكوين بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.

الأكثر قراءة

1
رياضة

مولودية الجزائر تنفرد بالصدارة وتقترب من التتويج بلقب البطولة


2
أخبار

هل خسرت رونو 120 مليون أورو في الجزائر؟ وزير الصناعة الأسبق يكشف معطيات جديدة


3
أخبار

النيجر ستستقبل 4 آلاف مهاجر رُحّلوا من الجزائر دعمًا لبرنامج "الإعادة إلى الوطن"


4
أخبار

تصعيدٌ مستمر بين البلدين.. الجزائر ترد على فرنسا بشأن فرض التأشيرات على حاملي الجوازات الدبلوماسية


5
اقتصاد

مشروع قانون المناجم في طريقه للتمرير.. مخاوف المعارضة تتوسع من "رهن الثروات الوطنية" و"التبعية للخارج"