اقتصاد

مشروع قانون المناجم في طريقه للتمرير.. مخاوف المعارضة تتوسع من "رهن الثروات الوطنية" و"التبعية للخارج"

18 مايو 2025
غار جبيلات.jpg
غار جبيلات (صورة: فيسبوك)
فريق التحرير
فريق التحرير

تصاعد الجدل السياسي في الجزائر حول مشروع قانون المناجم الجديد، وسط تزايد مطالب المعارضة بسحبه وفتح نقاش وطني موسع حوله، في مقابل دفاع حكومي مستميت يؤكد أن القانون يهدف إلى تطوير قطاع حيوي ظل لسنوات دون استغلال أمثل.

محمد عرقاب:  القانون يحافظ على الملكية الوطنية للثروات ويعزز القدرة التنافسية للقطاع

ورغم تأكيد وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب أن القانون يحافظ على الملكية الوطنية للثروات ويعزز القدرة التنافسية للقطاع، إلا أن موجة الرفض لم تهدأ، خاصة من طرف حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية، اللذين عبّرا عن مخاوف من أن يفتح المشروع الباب أمام رهن الثروات الطبيعية لصالح قوى أجنبية.

مخاوف من رهن الثروات

وتزامنا مع انتهاء المناقشات في البرلمان حول المشروع وترقب التصويت عليه غدا، طالب يوسف أوشيش مسؤول جبهة القوى الاشتراكية، بسحب النص مع إبداء رفض صريح له، معتبرا أنه "يكرّس التبعية الاقتصادية تحت غطاء تشجيع الاستثمار".

 وشدد أوشيش في حديثه على أن فتح القطاع أمام الشركات الأجنبية دون ضمانات سيادية صارمة، يمثل "تفريطًا خطيرًا في مكاسب الشعب الجزائري"، مشيرًا إلى أن المشروع يتجاهل المبادئ المؤسسة للاستقلال الاقتصادي التي قامت عليها الدولة الجزائرية.

ودعت جبهة القوى الاشتراكية إلى "تجميد المشروع فورًا" وإعادة صياغته بالتشاور مع النقابات والباحثين والخبراء الاقتصاديين ومنظمات المجتمع المدني، بما يضمن توازنا حقيقيا بين الحاجة إلى الاستثمار وضرورة حماية الثروات الوطنية.

وجاءت هذه المواقف منسجمة مع بيان حزب العمال السابق الذي وصف مشروع القانون بـ"الخطير" والمهدد لإرث تأميم المناجم الذي تحقق في ستينيات القرن الماضي.

وأعرب الحزب عن خشيته من أن يشكل هذا القانون بداية لتراجع السيادة الاقتصادية، خاصة وأنه يُخرج نشاط المناجم من قائمة النشاطات الاستراتيجية، ويمنح للمستثمرين الأجانب نسبة استغلال قد تصل إلى 80% مقابل 20% فقط للدولة.

واستند الحزب في موقفه إلى تجارب سابقة وصفها بـ"الكارثية"، مثل تجربة مركب الحجار مع شركة "أرسلور ميتال" ومناجم الذهب في تمنراست مع مستثمرين أجانب، حيث فُرّغت المناجم من محتواها وغادرت الشركات دون الوفاء بالتزاماتها، ما أوقع خسائر اقتصادية وترك آلاف العمال دون وظائف.

وفي صفوف النواب، ظهرت من بين موجة الإشادات بالمشروع، أصوات عبّرت صراحة عن رفض النص وطالبت بسحبه، وعلى رأسهم النائب أحمد ربحي الذي أكد في مداخلته أن المشروع بصيغته الحالية يتضمن بنودًا تثير القلق، خصوصًا تلك التي تقلص من دور الدولة في المشاريع المنجمية وتفتح المجال أمام هيمنة المستثمر الأجنبي.

ودعا النائب لسحب المشروع وإعادته للمناقشة على نطاق أوسع، مبررين ذلك بكونه يتعلق بـ"تسيير ثروات الأجيال القادمة وليس مجرد تنظيم لقطاع اقتصادي". 

تهدئة المخاوف 

في المقابل، حاولت الحكومة تهدئة المخاوف المثارة، حيث شدد وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب خلال عرضه للمشروع أمام البرلمان، على أن السيادة الوطنية "أمر غير قابل للمساومة"، موضحًا أن المادة 3 من المشروع تنص صراحة على أن "كل الموارد المعدنية هي ملكية عمومية للمجموعة الوطنية". 

وأفاد عرقاب أن الانفتاح على الاستثمار الأجنبي لا يعني التخلي عن السيادة، بل هو ضرورة تمليها متطلبات العصر، خاصة في ظل الحاجة إلى رساميل ضخمة وتكنولوجيا حديثة لتطوير قطاع المناجم الذي يعاني من ضعف في الاستكشاف والاستغلال.

وأكد الوزير أن القانون يفرض إنشاء شركات خاضعة للقانون الجزائري، تلتزم بدفاتر شروط صارمة تتعلق بالبيئة والتنمية المحلية ونقل التكنولوجيا، كما تضمن للدولة مراقبة الأنشطة والحصول على حقوقها من الضرائب والإتاوات.

أما بخصوص تقليص نسبة الدولة إلى 20%، فقد برّر الوزير هذا التغيير بالرغبة في تحفيز المستثمرين وتحقيق شراكات مربحة ومتوازنة، مشيرا إلى أن الدولة تحتفظ بآليات السيادة من خلال الرقابة وحق الشفعة.

وأيده في ذلك نواب أكدوا أن الحل لا يكمن في الانغلاق أو الانفتاح غير المشروط، بل في صياغة عقود ذكية، وتشريعات صارمة، وآليات رقابية فعالة، تضمن تحقيق الفائدة القصوى للبلاد، دون التفريط في مواردها أو الوقوع في شراك الشركات العابرة للقارات.

مضمون مشروع القانون

ينص المشروع على إلغاء بعض التدابير السابقة، مثل قاعدة 51/49، التي كانت تشكل وفق الحكومة، عائقا أمام جذب رؤوس الأموال، خاصة في ظل تعقيد الإجراءات وعدم كفاية البيانات الجيولوجية حول القدرات المعدنية للبلاد.

ويقدم المشروع الجديد تراخيص استغلال المناجم بطريقة أكثر مرونة، مع إعطاء الحق للمؤسسة الوطنية في الحصول على مساهمة لا تتجاوز 20 بالمائة في الشركات المستغلة، دون إمكانية تقليص هذه النسبة حتى في حال رفع رأس المال.

 كما يسمح للمؤسسة الوطنية بامتلاك مساهمة غير محددة إذا كانت قد ساهمت في مرحلة البحث. وتنص أحكام المشروع على أن النشاطات المنجمية تمارس فقط عبر سندات ورخص، دون أن تمنح هذه الأخيرة حق ملكية الأرض أو باطنها.

ويهدف المشروع، حسب الحكومة إلى تجاوز العراقيل البيروقراطية التي كانت مرتبطة بازدواجية الإجراءات بين التشريع المنجمي والبيئي، باعتماد مسار ترخيص موحد. كما يعزز المشروع دور الوكالات المختصة في ضبط النشاط المنجمي، ووضع المعايير وحماية الممتلكات الجيولوجية.

كما يسعى لتثمين الموارد المنجمية محليا عبر ما يُعرف بالمحتوى المحلي، الذي يشجع على إنشاء وحدات تحويل وتوظيف اليد العاملة الوطنية، ونقل التكنولوجيا. 

 

أهمية بالغة

ويكتسي القطاع المنجمي أهمية بالغة في الجزائر بعد القطاع النفطي، حيث تختزن البلاد في أعماقها موارد طبيعية متنوعة تشمل الحديد، الفوسفات، الذهب، الزنك، الرصاص، النحاس، ومعادن استراتيجية نادرة كالليثيوم والمنغنيز واليورانيوم.

وكانت الجزائر مؤخرا قد أطلقت مشاريع عملاقة أبرزها استغلال منجم غارا جبيلات التي تبلغ احتياطاته 3 مليار طن من الحديد بولاية تندوف أقصى غرب البلاد مع تهيئة كاملة للمنطقة بالشراكة مع الصينيين تضم إنشاء مصانع لتحويل الحديد وسكك حديد لنقل المادة الخام.

كما أطلقت البلاد مؤخرا بالشراكة مع الأستراليين مشروع استغلال منجم وادي أميزور ببحاية لاستخراج الرصاص والزنك، وهو المشروع الذي لاقى معارضة من بعض السكان المحليين بسبب مخاوف على النظام الإيكولوجي بالمنطقة، لكن الحكومة تمسكت به مع تقديم التطمينات المتعلقة بحماية البيئة.

الكلمات المفتاحية

الجزائر العاصمة

الاستدانة الخارجية بين الشيطنة والحاجة الاقتصادية.. أي خيار للجزائر لسد العجز؟

تَتحفظ السلطات الجزائرية منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية سنة 2019 عن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية من أجل تمويل الموازنة العامة أو المشاريع الاستراتيجية، والعامل الرئيسي الذي شَجع عدم اللجوء إلى القروض الخارجية هو ارتفاع النسبي لأسعار النفط، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على استقرار احتياطي الصرف، والذي يَصل اليوم في حدود 63 مليار دولار.


آسيان

انضمام قريب للجزائر إلى معاهدة منظمة آسيان..أي فوائد سياسية واقتصادية؟

تتجه الجزائر إلى الانضمام الرسمي قريبا إلى معاهدة الصداقة والتعاون لرابطة أمم جنوب شرق آسيا "آسيان"، بعد أن أعلن هذا التكتل الجهوي ترحيبه بالانضمام الوشيك للبلد المغاربي الباحث عن تنويع شراكاته السياسية والاقتصادية، واسترجاع العلاقات الممتازة التي كانت تجمعه بعدة دول من هذه المجموعة في مقدمتها إندونيسيا وفيتنام، والتي يجب أن تترجم في شراكة اقتصادية بحاجة لها البلاد الهادفة إلى أن تتحول…


ميناء الجزائر العاصمة (صورة: ولاية الجزائر)

خيارات عديدة لتطوير استقبال السفن.. هل الجزائر بحاجة فعلا لميناء الحمدانية العملاق؟

أصبح ملف تطوير أداء الموانئ يشكل أحد المحاور الرئيسية التي تعمل الحكومة الجزائرية على تسريعها في الفترة الأخيرة، بإصدار مجموعة من القرارات الخاصة بذلك، ومتابعة مدى تنفيذها ميدانيا بهدف رفع مساهمة المرافئ في تسريع السيرورة الاقتصادية للبلاد، وبالخصوص مع تزايد الاهتمام العالمي بهذا القطاع جرّاء التوترات الحادثة في عدة مناطق، والتي تحاول خلاله الحكومة جعل موانئها نقطة أساسيا للمبادلات التجارية ومركز…


الدفع المالي

"الكاش" ممنُوع.. هكذا تتغير قواعد اللعبة في سوق العقارات بالجزائر

بين ليلة وضحاها، تغيّرت قواعد اللعبة في سوق العقارات بالجزائر، ولم يعُد "الكاش" سيد الموقف كما كان في السابق، وتراجعت الصفقات التي كانت تُبرم خلف الأبواب المغلقة أو عبر وسطاء غير رسميين. لكن، هل انتهى فعلاً عهد البيع والشراء نقدًا في الجزائر؟

باخرة غراندي نافي فيلوتشي
أخبار

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟

دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

السيدة
أخبار

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر

عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.


بوعلام صنصال (الصورة:فيسبوك)
أخبار

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه

يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.

حجز ذخيرة
مجتمع

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟

تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.

الأكثر قراءة

1
أخبار

نواب يخطرون المحكمة الدستورية حول تهميش دور المعارضة البرلمانية


2
راصد

دعوة نائب لإلغاء الفلسفة من التعليم تثير استهجانا واسعا.. ومعلقون: كيف يجهل أهمية أم العلوم؟


3
أخبار

جامعة سيدي بلعباس الأولى مغاربيا في تصنيف دولي مرموق.. هل هي ثمار الإنجليزية؟


4
أخبار

التهمت هكتارات من الأراضي الفلاحية.. كيف تُواجه الحكومة "الأحواش"؟


5
ثقافة وفنون

حوار| عبد القادر عفّاق: التّقمص غير المُغازِل عنصرٌ أساسي للخَلقِ في السينما