10-أغسطس-2019

صراع كبشين في أحد الملاعب الجزائرية (فاروق بتيش/ أ.ف.ب)

لم يكن كريم الشاب الثلاثيني المتحصّل على شهادة تقني في الإعلام الآلي، يعلم أن حياته ستتغيّر بسبب حيوان أليف، لقد ترك كريم ورشته في سوق بلفور الشهير بالعاصمة، ليتحول لتربية الكباش وبيعها، صار كريم يجوب أنحاء الوطن ليختار أجود أنواع الكباش وأفضلها لبيعها لزبائنه في الجزائر العاصمة، لكنه لا يبيع كباشًا عادية فقط، بل صار محلّ كريم في مدينة بوروبة مقصدًا للباحثين عن كبش بمواصفات خاصّة جدًا، هنا يجد هوّاة مصارعة الكباش في الجزائر ضالتهم، إذ تحوّل كريم من تقني إلى "كبابشي".

غالبًا مع تغضّ السلطات المحليّة والأمنية البصر عن رياضة مصارعة الكباش التي تقام في الساحات العامة

مسألة شرف

قبل سنوات كانت كباش المصارعة تغزو أحياء العاصمة وعنّابة وبجاية ومدن أخرى في مواسم الأعياد فقط، لتصنع جوًّا من البهجة والفرجة، كباش رُوّضت بطريقة خاصّة، كي تصبح قرونًا قاتلة تصارع حتى الموت، هتافات الناس في الأزقّة والأماكن العمومية التي تمارس فيها هذه الرياضة تزيد من كميّات الأدرينالين البادية على وجوه هوّاة هذه الرياضة، إنّ معركة بين كبشين ليست مجرّد عراك بسيط، بل يصبح الأمر قضية حياة أو موت، إنه في عرف عاشقي صراع الكباش مسألة فخر وشرف.

هذه الممارسات لم تعد اليوم حكرًا على المناسبات الدينية فقط، بل صارت لها بطولة وطنية-غير رسمية- يقطع فيه أصحاب الكباش مئات الكيلومترات من أجل لحظة النصر بل هناك أيضًا مسابقات جمعت الجزائريين بالتونسيين، حينها اضطر البعض لتهريب كبشه بطريقة غير شرعية من أجل الظفر باللقب المغاربي.

لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في خلق العلاقات بين مربّي كباش المصارعة وهوّاة هذه الرياضة التي تحوّلت إلى هوس لدى كثيرين، يتجمّع هؤلاء في أماكن خاصّة غالبًا ما تكون مقاهي شعبية، يضعون اللمسات الأخيرة على برنامج المواجهات الأسبوعية في إحدى المدن الجزائرية ويحرص صاحب الكبش الفائز في صراع سابق أن يكون العراك القادم على أرضه. يقوم هؤلاء بعد ذلك بإرسال  الدعوات من خلال فيسبوك وينشرون الخبر بين الصفحات التي تختصّ حصريًا بصراع الكباش وفي مجموعات مغلقة.

تحريش بين البهائم 

في كثير من بلدان العالم، تمّ ترسيم وتقنين بعض الأنواع من صراع الحيوانات وصارت تقام لها بطولات قارية وإقليمية وعالمية كمصارعة الديوك والثيران،  لكن بالنسبة لصراع الكباش في الجزائر، لا زالت هذه الرياضة توصف بالشعبية فقط رغم أنها صارت تقام أمام أعين السلطات، وفي أماكن عمومية كالساحات والملاعب، وغالبًا مع تغضّ السلطات المحليّة والأمنية البصر عن ذلك في غياب تشريعات قانونية ترخّص ذلك أو تمنعه، رغم عديد نداءات منع ذلك من طرف أئمة المساجد عند اقتراب كل عيد أضحى، فالشائع في أغلب المدارس الفقهية الإسلامية تحريم جميع أنواع الرياضات المتعلقة بمصارعة الحيوانات، والتي  تسمى فقهيًا ''التحريش بين البهائم".

تنتشر مصارعة الكباش في جميع المنطقة المغاربية، خاصّة في تونس التي اعترفت فيها الدولة بهذا الرياضة في السبعينيات نظرًا لانتشارها الواسع، حيث تم تأسيس إتحاد رياضي خاص بها، لكن بسبب الخلافات التي وقعت داخله، تم حلّه وعادت الرياضة لطابعها الشعبي غير المقنّن.

طقوس خاصّة

لا يمكن لأيّ كبش أي يصبح كبش مصارعة ما لم تتوفّر فيه بعض الشروط الرئيسية، يقول كريم في حديث إلى "الترا جزائر"  إنه يجوب البلاد من أجل الحصول على كباش مصارعة، "تجربتي القصيرة أثبتت أن هناك مناطق خاصة ينحدر منها غالبية أبطال الجزائر، في مصارعة الكباش، أنا شخصيًا أفضّل كباش منطقة الجلفة وضواحيها، إنها كباش قوّية من سلالة شهيرة، حادة الطّباع و متعطشّة للنطح والمصارعة وكأنها تمتلك جينات الفوز في داخلها".

إن من أهمّ شروط مصارعة الكباش في الجزائر هو أن يكون الكبش مستوفيًا لكامل الشروط الجمالية والبدنية بعد ذلك يقوم صاحب الكبش بجزّ صوفه بطريقة أنيقة ليضيف مظهرًا مميّزًا لكبشه، بعضهم يخضّبه بالحناء ويرسم عليه رموزًا ليظهره في صورة وحش فتّاك، ثم يختار له اسمًا كي يشتهر به بين أهل هذه الرياضة، هنا يختار الهوّاة أسماء غريبة وطريفة لكباشهم، ومن بين الكباش المعروفة في الجزائر، الكبش العنابي "لادوب" الذي أحرز عدة بطولات وطنية، قبل أن يطيح به الكبش العاصمي "دودج"، كما اشتهرت أسماء "دروغبا"، "الصاروخ"، "تسونامي" ونجد أيضا "فوندام" و"أرنولد" و"البروفيسور"، كما اختار البعض أسماء "البغدادي" و"بن لادن" لكباشهم للدلالة على القوّة والبطش.

أهمّ مرحلة لتحويل هذا الحيوان الأليف إلى وحش يصارع حتى الموت، هو وضعه في مكان معزول لحوالي 6 أشهر، طريقة تشبه الحبس الانفرادي الغرض من ذلك هو أن يصبح الكبش عدوانيًا تجاه أيّ شيء يتحرّك، كما يقوم أصحاب كباش المصارعة بحقنهم بمواد منشّطة وبعضها مواد مجهولة قد تسبب خطرًا على صحة الحيوان، ليتمّ تزويده بأجود أنواع العلف والشعير والمكمّلات الغذائية، هكذا يتمّ تدليل الكبش ليصبح جاهزًا لدخول المنافسة.

في عرف هذه اللعبة أيضًا تصعد أسهم الكبش الفائز بلقب ما أو صراع مشهور، لقد وصل ثمن أحد الكباش الأسبوع الماضي لما يقارب 100 مليون سنتيم أي حوالي 10 ألاف دولار، كما أن الكبش المهزوم يجلب العار لصاحبه وكثيرًا ما قام أصحاب الكباش المنهزمة بنحرها في مكان الهزيمة أو بيعها بثمن بخس طردًا للمهانة.

عشق ممنوع؟

يطلق هوّاة هذه الرياضة عليها اسم "لغرام"، أيّ أنّ ما يربطهم بها غرام وعشرق لهذه الرياضة، إذ تتوسم في حديثك لهواتها غرامًا حقيقيًا وتعلقًا بهذه الرياضة، يقول كريم "لقد دخلت ميدان بيع الكباش من أجل ربح المال ومساعدتي على تحسين مستواي المعيشي، كنت أبيع الكباش في الأعياد وفي المناسبات، لكن ذات يوم قرّرت شراء كبش مصارعة، منذ ذلك الحين وأنا لا أستطيع أن أتصوّر نفسي بعيدًا عنه، لكن صار حبّا يتملّكني في كل لحظة".

أصبحت رياضة مصارعة الكباش تستقطب كثيرين رغم الانتقادات التي تطالها

يعلم كريم أن كثيرًا من الانتقادات تطال مصارعة الكباش في الجزائر، فهي الرياضة الوحيدة التي يحتفل فيها الناس بموت المصارع أو نزيف دمه، لكنه يقول إنّ الأمر صار خارج نطاق رغبته وهو نفس أمر الكثيرين، ينهي كريم كلامه "أعرف أشخاصًا حجّوا بيت الله ولم يستطيعوا لجم عشقهم بمصارعة الكباش".