08-يناير-2019

الكاتب مصطفى بونيف

هل كان الكاتب والمربّي الجزائري حاج بونيف يعلم أنه استقبل يوم 19 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1978 مشروع كاتب حمل اسم مصطفى لا مجرّد طفل انضمّ إلى الأسرة؟ غير أن مصطفى بونيف يعلم جيّدًا أنّ علاقته بأبيه لا ترتبط بشهادة ميلاده المدنية فقط، بل بشهادة ميلاده الأدبية أيضًا، "ليس شرطًا أن يبرمجك أبوك الكاتب على الكتابة بحثه لك عليها مباشرة، إذ يكفي أن تراه يكتب أو يقرأ، وأنت تلتقط الأفعال الأولى المحيطة بك، حتّى يكون حلمك مضبوطًا على الكتابة".

مصطفى بونيف: عادة ما يُنظر إلى الكتابة السّاخرة على أنها نوع من التّهريج، بينما هي ثمرة الذكاء

تكرّس هذا الارتباط الرّوحيّ بالحرف لدى مصطفى بونيف بالتحاقه صغيرًا بزاوية الهامل في منطقة بوسعادة، بعيدًا عن مسقط رأسه عين وسّارة، 200 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، "هناك تعلّقت بالحرف والكلمة من خلال القرآن العظيم، تمامًا مثلما تعلّقت قدماي بالفلقة، وهي عصا كان معلّم القرآن ينهال بها على قدمي المقصّر أو المشوّش من تلامذته".

اقرأ/ي أيضًا: سعيد خطيبي.. خيوط الدم بين البوسنة والجزائر

عاد مصطفى بونيف إلى عين وسّارة منتصف ثمانينيات القرن العشرين ملتحقًا بالمدرسة النّظامية، "عندما كان المعلم رسولًا. هل تتذكّر نصوص كتاب القراءة آنذاك؟ كنّا في مرحلة الابتدائي نعرف العقاد، وجبران، وتوفيق الحكيم. هناك شجّعني والدي، الذّي كان مفتّشًا للّغة العربيّة على المطالعة من خلال قصص الأطفال، والمجلات التّي كانت تحتوي على الأشرطة المرسومة، والقصص المصوّرة". يسأل: "لماذا لم يعد ذلك النّوع من المجلّات والأشرطة المرسومة موجودًا في الجزائر؟".

بعد حصوله على شهادة الأهلية العامّة عام 1997 التحق بجامعة الجزائر ليدرس الحقوق، حيث تحصّل على الكفاءة العامّة في المحاماة، "ثم سافرت إلى مصر بغرض مواصلة الدراسة في التّخصّص نفسه، فوجدت نفسي متعلّقًا بعوالم أخرى، حيث كنت أتنقل في المسارح ودور السّنيما، والصّحف، ولم أقرأ كتابًا واحدًا في القانون، بل قرأت عشرات الكتّاب مثل أنيس منصور ومحمود السعدني ومحمّد رجب وتوفيق الحكيم". يضيف محدّث "الترا صوت" في تبرير هذا الاتجاه: "كنت سأفعل ذلك من قبل لو كبرت في بيئة ثرية بالفرص الثقافية مثل القاهرة".

بهذه الرّوح المقبلة على الفنون، عاد إلى الجزائر عام 2006، فتخلّى عن رصيده في دراسة القانون، والتحق بدراسة الفنون الدراميّة، التي تخرّج منها بشهادة ماستر في الإخراج، بمذكّرة تخرّج عن كتابة السّيناريو المستلهم من القصص القرآنية، قصّة النّبيّ يوسف نموذجًا، "صحيح أنّ لممارسة الفنّ قوانين يجب احترامها، لكنها أكثر سلاسة وإغراء من القوانين الجافّة، التي أنفقت سنواتٍ في دراستها".

نشر مصطفى بونيف في مدوّنته أولى قصصه عام 2005، كان عنوانها "عفريت من إسرائيل"، فحدث أن تناقلتها عدّة جرائد ومواقع، ممّا حمّسه للتوغّل أكثر في الكتابة السّاخرة، التي بات ضمن نخبة قليلة تشتغل عليها في المشهد الجزائري، ينوي مصطفى بونيف جمعها في رابطة تعمل على تكريس هذا الجنس الأدبي في مشهد يقول إنه يهابه، لأنه يتناول في العادة مواضيع سياسية.

الكاتب السّاخر في غنى عن اللّجوء إلى الخيال لأنه يصبح معيقًا لفهم الواقع المقلوب

في عموده السّاخر، الذي احتضنته جرائد جزائرية منها "صوت الأحرار" و"البلاد" و"الحوار"، وفي منشوراته الفيسبوكية، يقرأ مصطفى بونيف اللّحظة الجزائرية بعين ولغة ساخرتين تجعل قارئه يضحك على واقعه ثمّ على نفسه، لأنّه يقف على جملة من التناقضات في السلوك والتّفكير، "عادة ما يُنظر إلى الكتابة السّاخرة على أنها نوع من التّهريج، بينما هي ثمرة الذكاء في قراءة الواقع مقلوبًا، حيث يصبح الكاتب السّاخر في غنى عن اللّجوء إلى الخيال، الذي يصبح معيقًا لفهم ذلك الواقع المقلوب".

اقرأ/ي أيضًا: مشهدنا الثّقافي.. سلطة الرداءة

يبدع الشّارع الجزائري، يقول محدّث "الترا صوت"، أنماطًا من النّكت والتعابير السّاخرة، خاصّة بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، يتفوّق بها أحيانًا في عمق رصد واقعه على نخبته المثقفة، التي لم تبحث بما يكفي في الأدب الشّعبي السّاخر والماجن، وكأنها تنتقم منه على ذلك التفوّق".

في عام 2018، جمع مصطفى بونيف 21 قصّة ساخرة في كتاب أسماه "قفا نضحك" (منشورات دار الأمّة، 2018) على منوال مطلع معلّقة الملك الضلّيل "قفا نبكِ"، وقد استفاد من خلفيته في دراسة السّيناريو، فكتبها وفق معمار وروح درامية يؤهلانها لأن تتحوّل إلى عمل تلفزيوني فكاهي، في ظل الترهل الذي وقعت فيه الأعمال الفكاهية الجزائرية، خاصّة في شهر رمضان".

 

اقرأ/ي أيضًا:

سطوة السّيف على القلم في الجزائر

الطاهر وطّار.. نحو قراءة أخرى لكاتبٍ اختلف عليه الجزائريون