13-يوليو-2021

جلال مرزوق (فيسبوك/الترا جزائر)

 

كبر حلم التّصوير مع جلال مرزوق (25 عامًا)، منذ طفولته التّي كانت ثريّة بصور العائلة؛ في أمّ البواقي، 500 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، لكنّه ظلّ حلمًا معلّقًا بالنّظر إلى افتقاده إلى فرص التّكوين الجادّ؛ فقد أدرك مبكّرًا أنّ الصّورة ليست ثمرةً للشّغف فقط، بل هي ثمرة للخبرة أيضًا، وإلى افتقاده إلى آلة تصوير محترفة؛ "لا يحتاج المغنّي إلّا إلى صوته ولا يحتاج الرسّام والكاتب إلّا لريشتيهما ولا يحتاج الرّاقص إلّا لجسده؛ مع شيء من التّكوين.

جلال مرزوق: كان عليّ أن أقول من خلال الصّورة إنّ البطل الجدير  بالإعجاب والاحتفاء هو الشّاب المغمور والمسحوق والبطّال

أمّا المصوّر الذّي يرغب في دخول مقام الاحتراف، فيحتاج إلى آلة متطوّرة لأنّ الصّورة تخرج من ثناياها. وإذا حدث أن عجز عن توفيرها؛ فسيبقى مصوّرًا على مستوى حلمه وطموحه فقط؛ أمّا على مستوى الميدان؛ فهو أعزل ومخذول".

اقرأ/ي أيضًا: متى ستُوثق السينما الجزائرية لجزائر الحاضر؟

بالموازاة مع دراسته للعلوم السّياسيّة في جامعة العربي بن مهيدي في مدينة أمّ البواقي، قرّر جلال مرزوق أن يستغلّ العطل وفترات الفراغ في العمل ليوفّر مالًا يُمكّنه من شراء آلة التّصوير التّي تُمكّنه من التقاط الصّورة كما يريدها وكما تتطلّبه أصول هذا الفنّ الذّي يؤمن بكونه خلقًا رغم أنّ المشاهد والملامح المُصَوَّرة جاهزة؛ "الفرق بين مصوّر نمطيّ وآخر موهوب هو أنّ الأوّل يلتقط الملمح ليجعله ثابتًا؛ بينما يلتقطه الثّاني ليجعله متحرّكًا، بما يجعل المتلقّي يقرأ رسالةً أيضًا ولا يرى صورةً فقط".

كانت الرّسالة التّي اختار جلال مرزوق تمريرها من خلال صوره لفتَ الانتباه إلى جماليات المكان والإنسان في منطقة الأوراس حضارةً وحاضرًا بحثًا عن حضور ظلّ مغيّبًا، حتّى أنّ الأوراس كُرِّس بصفته أسطورةً في المخيال الشّعبيّ وفي الأدبيات المختلفة؛ "لكنّ هذه الأسطورة لم تبق جامدة عند زمن ثورة التّحرير؛ بل استمرّت بعدها من خلال عبقريّة الإنسان الأوراسيّ في التّأقلم مع الجغرافيا القاسية التيّ لم يشفع عمقُ التّاريخ في تذليلها لصالح هذا الإنسان، إذ نستطيع أن نقف بعد ستّة عقود من الاستقلال الوطنيّ على مظاهر  حرمانٍ تشبه تمامًا تلك التّي كانت قبل الاستقلال؛ وهو ما يجعل هذا السّؤال مبرّرًا: هل تدفع بعض المناطق الجزائريّة اليوم ضريبة احتضانها لثورة التّحرير بالأمس؟".

من هنا؛ راح جلال مرزوق يركّز على التقاط ملامح الأمكنة. خاصةً تلك التّي تضرب بجذورها في التّاريخ، مثل ضريح إمدغاسن الذّي شُيِّد في بلدة بوميا خلال القرن الثّالث قبل الميلاد؛ فهو أقدم ضريح ملكيّ في شمال أفريقيا، وتقديمها في شكل محتوًى حضاريٍّ عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ، "فمن التّقصيرات التّي حرمت مواقعنا الأثريّة في الجزائر عدم الاشتغال عليها وفق جماليات الفيديو والتّقنيات البصريّة الجديدة؛ فقد بقيت رهينة المطويات الورقيّة إن وجدت أصلًا".

ما أن اندلعت النّيران في غابات خنشلة، مطلع الشّهر الجاري، حتّى أحسّ جلال مرزوق بأنّ هناك شيئًا ثمينًا يُحرق؛ ولا بدّ من المساهمة في لفت الانتباه إلى خطورة ذلك؛ "أن تُحرق شجرة عادية في أرضك؛ فهي مصيبة؛ فكيف إذا كانت هذه الشّجرة نادرةً ومعمّرةً وشاهدةً على عمق تاريخ هذه الأرض؟ وإلى جوارها إنسان وحيوان حتمًا سيعانيان من ذلك أثناء وبعد حريقها؟".

حملتُ مصوّرتي؛ يقول محدّث "الترا جزائر"، والتحقت بالغابة. كانت نيّتي في البداية أن ألتقط مشاهد الحريق لأعزّز الوعي بخطورته وقوّته وانتشاره، في ظلّ تأخّر السّلطات عن التّكفّل بالقضاء عليه، لكن حين وصلتُ إلى عين المكان وشاهدت مظاهر البطولة الشّبابيّة في مواجهة النّيران، قرّرت الاحتفاء بها بالتقاطها ونشرها، فحدث أن كان التّفاعل مليونيًّا في مواقع التّواصل الاجتماعيّ؛ وحدث أن تناقلت وسائلُ إعلاميّة صوري داخل وخارج الجزائر، فكان ذلك تثمينًا للجهود وتحريضًا عليها في الوقت نفسه.

يقول جلال مرزوق إنّه كان يقتحم اللّهب ليصوّر شابًّا يحاول أن يُطفئه. وإنّه لم يكن خائفًا على نفسه بل على آلة التّصوير التّي باتت في تلك الأثناء سلاحًا ضدّ فعل الحريق وفعل الإهمال وفعل التّعتيم وفعل النّسيان؛ "كان عليّ أن أقول من خلال الصّورة إنّ البطل الجدير بأن يكون محلّ الإعجاب والاحتفاء هو الشّاب المغمور والمسحوق والبطّال الذّي يواجه النّار ويطفئها. وهو بتلك الرّوح أولى من كلّ الوجوه المشهورة بأن يظهر ويُضاء. لأنّ الجزائر اليوم بحاجة إلى إضاءة من يمارس فعل إطفاء النّار، أكثر من الوجوه المشهورة التّي قد يكون بعضها سببًا في إشعالها. وأرى أنّني نجحت في المهمّة؛ فقد باتت صور وأسماء بعض الشّباب محلّ التّداول الشّعبيّ".

تلقّى جلال مرزوق عرضًا من جمعية فسيلة الإبداع الثّقافيّ لإقامة معرض فتوغرافيّ يضمّ صوره

تلقّى جلال مرزوق عرضًا من جمعية فسيلة الإبداع الثّقافيّ لإقامة معرض فتوغرافيّ يضمّ صوره التّي التقطها خلال حرائق غابات خنشلة. وسوف يكون معرضًا متنقّلًا تحقيقًا لأهدافه الإنسانيّة والحضاريّة والوطنيّة والجماليّة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

المثقّف هو ضحيّة واقعه أيضًا

خاطرتان عن الحراك و"الكان"