19-فبراير-2020

الوزير الأوّل عبد العزيز جراد (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

من بين ما أثار انتباه وسخريّة الجزائريّين، خلال الحملة الانتخابيّة التّي سبقت رئاسيّات كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، بكاء المترشّحين الخمسة، من دون استثناء، تفاعلًا منهم مع مواقف عاشوها أو تمريرًا لرسائل إنسانيّة معيّنة، لكنّهم وقعوا في العكس تمامًا، إذ تحوّلت دموعهم إلى محلّ انتقاد وسخريّة في الواقع والمواقع.

التقطت الكاميرات الوزير الأوّل عبد العزيز جرّاد وهو يذرف الدّموع تفاعلًا منه مع ما رصده الشّريط

عاد المشهد نفسه، خلال اجتماع مؤسّستي الرّئاسة والحكومة، الأحد، مع الولّاة، حيث تمّ عرض شريط تلفزيونيّ رصد مظاهر الفقر والحرمان التّي تعيشها بعض المناطق الجزائريّة، ووصفها الرّئيس عبد المجيد تبون نفسه بمظاهر ما قبل الاستقلال الوطنيّ (1962)، في خطوة من الرّئاسة أرادت بها القول إنّها تعتمد سياسة الاقتراب المباشر من المواطن أيّامًا قبل الذّكرى الأولى، لانطلاق الحراك الشّعبيّ.

اقرأ/ي أيضًا: الوزير الأوّل الجزائري يُعيّن المشرفين على ديوانه

أثناء بثّ الشّريط المعدّ من طرف مديريّة الإعلام برئاسة الجمهورية والتلفزة العموميّة، التقطت الكاميرات الوزير الأوّل عبد العزيز جرّاد الذّي لم يظهر كثيرًا، منذ تعيينه نهاية كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، وهو يذرف الدّموع تفاعلًا منه مع ما رصده الشّريط من تجلّيات "معاناة نقاط الظّلّ"، وهو العنوان الذّي حمله الشّريط، فانتشر المشهد سريعًا في مواقع التّواصل الاجتماعيّ، وكانت التعليقات عليه أقرب إلى السّخرية والتّكذيب منها إلى التّصديق والتّثمين بصفتها لحظة إنسانية تفاعلت مع معاناة إنسانيّة.

هنا، يقول النّاشط إلياس لهري في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّ الله وحده هو من يعلم النّوايا، "لكنّ الجزائريّين بنوا عدم تصديقهم لدموع الوزير الأوّل على تجارب سابقة لمسؤولين فعلوا الشّيء نفسه، رغم أنّهم كانوا السّبب في ما بكوا عليه". يسأل: "ما معنى أن تبكي تفاعلًا مع معاناة المواطنين، وأنت قبلت أن تكون وزيرًا أوّل في منظومة أتت بها انتخابات رفضها قطاع واسع من هؤلاء المواطنين؟".

على هؤلاء المسؤولين، يضيف إلياس لهري، أن يدركوا أنّ ثمّة فرقًا بين أن يسايرهم المواطن خوفًا من انزلاقات قد تصيب الوطن وأن يصدّقهم. إذا أردتم أن نصدّقكم كونوا ثمارًا حقيقية لخياراتنا الانتخابية، لا ثمارًا لخيارات مفروضة خارج الإرادة الشّعبيّة.

من جهته تساءل الباحث بوزيد بومدين في تدوينة فيسبوكيّة مطوّلة له: "أيّ بؤس هذا الذّي صَدم الوزراء والولّاة والمسؤولين في اجتماع الولّاة والحكومة؟".

ثمّ يجيب: "طبعًا لم يصدمهم المواطن العادي لأنّه يعيشه واقعًا أو حكاية عنه، ولكن تأثّر المسؤولين أشبه ببكاء المصلّين في المسجد، أمام خطيب الجمعة الذّي يُحدّثهم عن نار جهنم وعذاب القبر، ثم بعد لبس أحذيتهم ينسون ذلك، فيغشّون في تجارتهم ويَكذِبون ويبصقون في الطّرقات، ويمارسون التدليس والاعتداء على جيرانهم وضرب نسائهم".

من جهته، تساءل المسرحيّ أحمد رزّاق بلهجة ساخرة: "حين أشاهد رئيس حكومة يبكي على وضع الجزائريّين، ماذا أفعل أنا؟ هل أندب بهاتفي الجوّال؟".

وورد في تدوينة لصفحة "قناة الزّوالي"، أنّه بعد البكاء، وبعدما جفّت دموع الوزراء وأصحاب المعالي على الفقراء والمحرومين، "كيف كان الغداء؟ طبعًا ما لذّ وطاب من السّمك واللّحم والفواكه المقطوعة منها والممنوعة. المهمّ أنّ فاتورة غداء وعشاء أصحاب المعالي المجتمعين تفوق تكلفة فك العزلة عن 48 بلديّة نائية وفقيرة".

 

ومن وجهة نظر مختلفة، قال النّاشط الثقافي أيّوب ثايري لـ "الترا جزائر" إنّه من تمييع الموضوع تركيزنا على الشّكليات على حساب الجوهر. يسأل: "لماذا لا نبني على اجتماع الرّئاسة والحكومة مع الولّاة سياسة شعبيّة جديدة، فنتجنّد بصفتنا مجتمعًا مدنيًّا في الميدان لنمارس الضّغط الواجب عليهم حتّى تصبح وعودهم حقيقة؟ هل كنّا نصل إلى ما وصلنا إليه لولا أّننا اكتفينا بنقد كلّ شيء خلال المرحلة السّابقة، من غير أيّ تواجد لنا في الميدان؟".

بعيدًا عن محاكمة النّوايا، فإنّ الوزير الأوّل، مطالب بترجمة دموعه إلى إنجازات يلمسها الجزائريّون في الميدان

بعيدًا عن محاكمة النّوايا، فإنّ الوزير الأوّل، مطالب بترجمة دموعه إلى إنجازات يلمسها الجزائريّون في الميدان، وإلّا فإنّه سيجد نفسه قريبًا في مهبّ انتفاضات شعبيّة من جديد. وقد بدأت بوادر ذلك من خلال احتجاجات المعلّمين، وعمّال الخطوط الجوّية والأئمّة، ومتقاعدي الجيش. فهل سيفهم الرّسالة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

من هو الوزير الأوّل عزّ الدين جراد؟

حكومة بوجوهٍ قديمة وأخرى معارضة.. تشكيلة خارج طموحات الحراك؟