06-أبريل-2022
في أحد أجنحة الطبعة الـ 25 لصالون الجزائر (الصورة: Getty)

أسدل الستار على  الدّورة الخامسة والعشرين من معرض الجزائر الدوليّ للكتاب، المقام مؤخّرًا بمشاركة 36 دولة، وبعد أن كادت الدّورة تُلغى مثلما حدث في السّنتين السّابقتين؛ بسبب انتشار وباء كورونا، لاحقت هذه الطبعة أسئلة كثيرة حول إقبال الجزائريين واقتنائهم للكتب.

هل الإقبال الشّعبيّ على قصر المعارض مؤشّر على عطش القراءة لدى الجزائريّ؛ أم هو مؤشّر على بحثه عن فسحة للتّنفّس والتقاط الصّور؟

في هذا السياق، كشف محافظ صالون الجزائر الدولي للكتاب، محمد ايقرب أن الطبعة الـ 25 للصالون الدولي للكتاب بالجزائر "سيلا" التي اختتمت يوم الجمعة الفارط كانت في حجم الرهانات، بعد أن تجاوز عدد الزوار لهذا الموعد الأدبي عتبة 1.5 مليون زائر. ولكن هل تعبّر هذه الأرقام  عن مبيعات الكتاب في المعرض؟

ككلّ دورة من المعرض الموصوف بأكبر تظاهرة ثقافيّة في الجزائر؛ وكواحد من أكبر معارض الكتاب أفريقيًًا وعربيًّا ومتوسّطيًّا، يطفو إلى السطح في الواقع والمواقع سؤال: "هل الإقبال الشّعبيّ على قصر المعارض مؤشّر على عطش القراءة لدى الجزائريّ؛ أم هو مؤشّر على بحثه عن فسحة للتّنفّس والتقاط الصّور؟".

هنا، يقول الأكاديميّ محمد الأمين لعلاونة إنّ الجزائريّين وقعوا مؤخّرًا في أزمة إطلاق الأحكام من غير تمحيص؛ "بما جعل معظم أحكامهم جاهزةً ومسبقةً ومتعسّفةً، فليس منطقيًّا أن نحكم على ظاهرة عامّة حكمًا ليس ثمرةً لسبر آراء حقيقيّ، أو لدراسة علمية؛ من ذلك الحكم على زوّار معرض الكتاب، وهم بمئات الآلاف، بكونهم يأتون لاتقاط الصّور والأكل وشراء كتب الطّبخ، وهو ما يضع جميع الزوّار في سلّة واحدة!". يسأل: "هل يعقل أن تأتي هذه الأعداد الغفيرة لهذا الغرض فقط؟ هل كان النّاشرون الأجانب يصرّون على المشاركة في معرض الجزائر سنويًّا، بكلّ ما يترتّب عن تلك المشاركة من أعباء وتكاليف، لولا أنّهم يجنون أرباحًا من المبيعات؟ هل يعقل أن يأتي عشرات الآلاف من الولايات الدّاخليّة إلى الجزائر العاصمة متحمّلين أعباء السّفر والأكل والنّقل والإيواء فقط ليلتقطوا الصّور في معرض الكتاب؟".

هنا، يقرأ الجامعيّ والنّاشط الثّقافيّ أشرف عطيّة الله هامل هيمنة الحكم على أنّ الجزائريّ لا يقصد معرض الكتاب ليقتني كتبًا بل للتّنفيس فقط، من عدّة زوايا؛ "ثمّة من هو منزعج من نجاح المعرض في جهة الإقبال الشّعبيّ، فيعمل على تتفيه وتسفيه هذا الإقبال، حتّى لا يظهر بصفته ظاهرةً حضاريّة ومؤشّرًا على رقيّ المواطن الجزائريّ لأنّه من النّوع الذّي يستمتع أو يستفيد من القول إنّ الجزائريّ بات كائنًا سلبيًّا ومتوحّشًا واستهلاكيًّا بعيدًا عن الذّوق؛ وثمّة من هو مستفيد من هذا الإقبال بصفته ناشرًا؛ فيعمل على الشّكوى من قلّة المبيعات، حتّى يدفع الحكومة إلى الإبقاء على سياسة دعم الكتاب؛ وثمّة من تمكّنت منه الروح السّلبيّة والسّوداويّة، فهو ينكر بقايا الجمال في المشهد الوطنيّ حتّى وهو يراها ماثلةً أمام عينيه، وثمّة من بقي رهين أحكام ورثها عن مرحلة سابقة، لأنّه لا يملك حاسّة رصد التحوّلات". 

ويشرح أشرف عطيّة الله هامل: "لقد تشرّب كثيرون حكم أنّ الشّابّ الجزائريّ لا يقرأ؛ بناءً على معطيات موضوعيّة في مرحلة ما، فهو مقتنع بهذا الحكم، رغم ظهور مئات النّوادي الشّبابيّة القرائيّة التّي باتت تحقّق فتوحاتٍ رائعة في مجال القراءة. وما يؤسف له أنّ بعض حاملي هذا الحكم من المحسوبين على الإعلام المطالبين بإضاءة هذه الجهود المحمودة".

من جهته، يقول النّاشط في مجال المقروئيّة أكرم سنوسي: "لنفرض أنّ هذه الأعداد الكبيرة إنّما تأتي إلى معرض الكتاب لتتفسّح فقط، أفليس هذا مكسبًا؟ قد يأتي أحدنا ليتفسّح، فيتعثّر بكاتب أو كتاب أو نشاط ثقافيّ، فيبرمجه على القراءة لاحقًا. ولنفرض أنّ معظم المبيعات من كتب الطّبخ والزّينة، أفليس الإقبال على الكتب المتعلّقة بفنون العيش معطًى مثيرًا للإطمئنان؟". 

يضيف: "إنّ معرض الكتاب سوق مثل غيره من الأسواق. فيه السّلعة الرّئيسيّة الدّاخلة في اختصاصه أي الكتاب؛ وفيه بالموازاة تجارات مصاحبة. وهذا بمنطق السّوق وجه من أوجه نجاحه".

غير أنّ النّاشط عبد النّور شرقي الذّي يشارك في معرض الكتاب لأوّل مرّة بصفته ناشرًا باسم دار "وهج" يقول إنّ ثمّة من يزهد في شراء الكتاب من الزّوّار لأنّ القراءة لا تعنيه، ومن يزهد فيه لأنّ وضعه الماليّ لا يؤهّله للشّراء؛ "هل من المعقول أن نقيم معرضًا للكتاب أيّامًا قبل شهر رمضان؟ علمًا أنّه أكثر الشّهور إنفاقًا في الوسط الجزائريّ!! ثمّة نسبة كبيرة من الزّوّار كلّما أعجبه كتاب ومال إلى اقتنائنه تذكّر بالموازاة أنّه منتَظر من طرف رمضان وعيد الفطر معًا، وبعدهما بقليل عيد الأضحى وعطلة الصّيف". يختم: "علينا ألّا نغيّب المعطيات الاجتماعيّة في مسعى حكمنا على مدى إقبال المواطن على الأفعال الثّقافيّة".
في السّياق؛ تقول الشّاعرة نسيبة عطاء الله إنّ أسعار معظم دور النّشر كارثيّة، رغم مجّانيّة أماكن العرض، "خاصّة من طرف دور النّشر الأجنبيّة يحسبون الكتاب بالدّولار وليس بالدّينار وهذا غير منطقيّ أبدًا. لست أدري إن كانت هناك مراقبة للأسعار ولكن أن تستغلّ دار نشر اسمها الشّائع في بيع رواية ب 2200 دينار جزائريّ، فهذه جزارة وليست تجارة". 

وتدلي عطاء الله بشهادتها: "رغم الإقبال الكبير للزّوار إلّا أنّي رأيت كثيرين يتصفّحون الكتب بحسرة ويضعونها عندما يعرفون أنّهم سيضعون ورقة ألفي دينار فقط على كتاب واحد. صحيح أنّ قيمة الكتاب عالية ولكنّ الاستغلال والمبالغة يجرّدانه من مكانته. وأثناء مقايضته مع السّندويتش سترجح كفّة هذا الأخير".
وقفنا أمام إحدى بوّابات الخروج لقصر المعارض الذّي يستقبل على مدار العام معارضَ في اختصاصات أخرى؛ منها السّيارات والمواد الفلاحيّة، فرصدنا ردود أفعال مختلفة من الزّوّار؛ منها قول سارة، 26 عامًا، إنّها جاءت لاقتناء الرّوايات؛ "في دورات سابقة كنت أشتري 24 روايةً أي بمعدّل روايتين لكلّ شهر، أمّا هذه المرّة، فقد اشتريت نصف العدد فقط لأسباب تخصّ ميزانيتي". 

ولم يجد الشّاب بوبكّر، 22 عامًا، حرجًا في الاعتراف بأنّه يقضي أوقاتًا ممتعةً في أروقة المعرض وخارجه؛ "ولا أفكّر في شراء كتاب واحد؛ ليس لأنّ الكتب مرتفعة الأثمان، بل لأنّني أفضّل عليها مشاهدة الأفلام".

يبقى معرض الجزائر الدّوليّ للكتاب في الحالات كلّها مكسبًا يعني الجميعَ الحفاظُ عليه ومراجعةُ بعض قوانين تنظيمه وتسييره

ويبقى معرض الجزائر الدّوليّ للكتاب في الحالات كلّها مكسبًا يعني الجميعَ الحفاظُ عليه ومراجعةُ بعض قوانين تنظيمه وتسييره. ويبقى القول إنّ زوّاره لا يقصدونه لافتناء الكتب، إدانةً للأطراف التّي تتبنّى هذا الحكمَ لأنّها مطالبة أخلاقيًّا وثقافيًّا بالمساهمة في نشر قيم المقروئيّة.