06-أغسطس-2019

عبد المالك درودكال، رئيس تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي (أ.ف.ب)

بعد مرور أكثر من 20 عامًا على عشرية الدمّ، التي التحق خلالها جزائريون بالجماعات المتطرّفة في الداخل والخارج، يتبادر إلى متابعين للشأن الأمني اليوم، تساؤل متعلّق بمدى انتهاء تبعات الأزمة الأمنية في الجزائر، خاصّة في جانبها المتعلّق  بالمقاتلين الجزائريين في الخارج.

لا تتضمّن قائمة الأشخاص المطلوبين المنشورة على موقع الإنتربول أيّة مذكّرة توقيف صادرة من السلطات الجزائرية

منذ أن صوّت الجزائريون للوئام المدني في سنة 1999، وللمصالحة الوطنية عام 2004، لطيّ صفحة عشرية الدمّ والتطرّف، يأمل كثير من الجزائريين اليوم، خاصّة المهاجرين منهم، أن تختفي التصرّفات والمعاملات التي تلاحقهم بشبهة الإرهاب، انطلاقًا من أصولهم ولون بشرتهم وديانتهم، رغم النجاحات التي حقّقوها في الخارج.

اقرأ/ي أيضًا: عن سنوات المصالحة العشر في الجزائر..

آخر المرحّلين

الأسبوع الماضي، نقلت وكالة الأنباء الرسمية، أن السلطات الجزائرية استلمت ناشطًا إرهابيًا سابقًا من النرويج، كان من عناصر تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي نفذت عدّة عمليات في البلاد خلال التسعينيات وبداية الألفية الحالية.

ونقل المصدر نفسه، عن نيابة محكمة ولاية تلمسان غرب البلاد، أنّ وكيل الجمهورية أمر بـ "إيداع الإرهابي بلحاج بلقاسم جمال السجن، بتهمة تكوين جماعة إرهابية والقتل العمدي والتخريب والحرق العمدي وخلق البلبلة".

صدرت ضدّ جمال (55 سنة) أربع إدانات، قُدّم بموجبها أمام محكمة تلمسان التي أمرت بحبسه، إلى حين محاكمته في الدورة الجنائية لمحكمة الجنايات المقرّرة شهر سبتمبر/ أيلول المقبل بعد استدعاء الضحايا و ذوي الحقوق.

انضمّ جمال عام 1995، إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال المصنّفة تنظيمًا إرهابيًا من قبل السلطات الجزائرية وعدّة دول أخرى، قبل أن تلتحم مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب التي كان يقودها عبد المالك درودكال.

وبسبب مشاركته في تفجيرات استهدفت مواطنين في عدّة ولايات، أصدر القضاء حكمًا غيابيًا ضد جمال بالإعدام، فانتقل إلى المغرب بهويّة مزوّرة، ومنها إلى النرويج، ليرتكب هناك جنايات، وبعد إلقاء القبض عليه أجريت له تحاليل الحمض النووي للتأكّد من هويّته ووثائقه المزوّرة، قبل تسليمه إلى الجزائر من طرف السلطات النرويجية بعد انقضاء فترة عقوبته هناك.

قائمة المطلوبين

لا تتضمّن قائمة الأشخاص المطلوبين المنشورة على موقع منظمة الشرطة الدولية الجنائية إنتربول، أيّة مذكرة توقيف دولية صادرة من السلطات الجزائرية ضدّ من يحملون جنسيتها، ما يعني أنها قد أغلقت ملفّات المطلوبين خارج البلاد، حتى الذين وجهت لهم تهمًا تتعلّق بالإرهاب.

لا يوجد ضمن القائمة المنشورة على موقع إنتربول، والتي تتضمّن أسماء عشرة جزائريين مطلوبين من عدّة دول، سوى جزائري واحد ملاحق في قضايا تتعلّق بالإرهاب، ويتعلّق الأمر بأمير كتيبة "المرابطون" وجماعة "الموقعون بالدم" مختار بلمختار المكنّى بـ "الأعور" المطلوب من كندا، والمتّهم باختطاف رعيتين كنديتين بين 2008 و2009 في مناطق بين مالي والنيجر.

توبع بلمختار بالجزائر غيابيًا في عدّة قضايا، وصدرت ضدّه عدّة إدانات، منها حكم الإعدام الصادر عن جنايات وهران منتصف أكتوبر/ تشرين الأوّل 2017، لاتهامه بتأسيس وتزعّم منظّمة إرهابية، وحيازة واستيراد وتصدير وتسويق أسلحة و ذخيرة.

تختلف التقارير الدولية حول "الأعور"، فمنها من يقول إنه توفي في غارة أميركية في ليبيا، والأخرى تؤكّد أنه لازال على قيد الحياة ويتنقّل بين شمال مالي وليبيا.

مهما اختلفت صحّة هذه التقارير، يبقى المؤكّد أنه لا يزال بالنسبة للسلطات الكندية والإنتربول على قيد الحياة، وهو الجزائري الوحيد الملاحق من طرفهما ومن دول أخرى في قضايا تتعلّق بالإرهاب، حسب ما ورد في قائمة الإنتربول.

 بين الردع والتخفيف

قبل أن تتقلّص قائمة الجزائريين الملاحقين في الخارج، خاضت الجزائر عدّة مفاوضات مع عدّة دول لترحيل مواطنيها المحكوم عليهم في قضايا إرهابية خارج البلاد، لعلّ أبرزها المشاورات التي دامت لسنوات مع الطرف الأميركي بشأن معتقلي سجن شبه الجزيرة الكوبية غوانتانامو.

عقب توقيع الاتفاق القضائي بين البلدين في 2010، رحّلت واشنطن على مراحل 17  جزائريًا من المعتقلين في غوانتانامو إلى بلادهم، أين تمّت محاكماتهم من جديد، فحصل 16 منهم على البراءة مثل مصطفى حميلي وأحمد بلباشا، عدا معتقل واحد، حسب تصريحات وزير العدل السابق الطيب لوح.

ويخضع المقاتلون الجزائريون في الخارج لقانونين بارزين؛ الأوّل يتمثّل في ميثاق السلم والمصالحة الصادر في 27 فبراير/ شباط العام 2006، والذي سمح بعودة الإرهابيين في الداخل والخارج إلى حضن المجتمع، مقابل التخلّي عن العمل المسلّح، حيث استفاد كثير من مقاتلي منطقة الساحل من إجراءات العفو التي يمنحها هذا القانون.

هذه اليد الممدودة لعودة المسلحين وإن كانت لا تزال مستمرّة حتى الآن، إلا أنها أرفقت في سنة 2016 بالقانون المتمم للأمر رقم 66-156 المتضمّن قانون العقوبات، الهادف إلى مكافحة ظاهرة تجنيد المقاتلين لصالح المنظمات الإرهابية، خاصّة تنظيم داعش.

ويتضمّن هذا القانون بالتحديد تجريم "ظاهرة المقاتلين الذين يتنقّلون إلى دول أخرى بغرض ارتكاب أعمال إرهابية ويمنع تمويل هذه الأفعال"، وذلك بهدف عدم تكرار ظاهرة وجود إرهابيين جزائريين في الخارج.

داعش والمصالحة الوطنية

حاول القانون المتمّم التكيّف مع التطوّرات التي لجأت إليها الجماعات المتطرّفة، خاصّة داعش، لذلك ركز على تجريم أفعال تجنيد الأشخاص لصالح الجمعيات أو التنظيمات أو الجماعات أو المنظمات الإرهابية أو تنظيم شؤونها أو دعم أعمالها أو نشاطاتها أو نشر أفكارها باستخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال أو بأيّة وسيلة أخرى.

الإجراءات التي اتخذتها الجزائر ساهمت بشكل لافت في انحسار عدد المقاتلين الجزائريين في الدول الأجنبية

بالنظر إلى التقارير الدولية والدراسات التي رصدت تحرّكات المقاتلين الأجانب في نقاط الصراع والحرب كسوريا وليبيا، يظهر أن الإجراءات التي اتخذتها الجزائر والتي عاشها مواطنوها في القرن الماضي، ساهمت بشكل لافت في انحسار هذه الظاهرة، إلا أن القضاء عليها مازال يتطلّب مزيدًا من العمل والتوعية بمخاطر التطرّف والتشددّ، والتقليل من حدّة الظروف التي قد تؤدّي بالشباب إلى الانخراط في العمل الإرهابي، وأبرزها غياب فرص العمل والتعليم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تفجير إرهابي يستهدف الجزائر.. ومواطنون: "بلادنا مقبرة الإرهاب

الجزائريون يتحدون الإرهاب في تونس