17-يناير-2020

الكاتب الجزائري كمال داود (تصوير:جويل ساجيت/أ.ف.ب)

أثار المقال الذي نشره الكاتب الجزائري كمال داود في أسبوعية "لوبوان الفرنسية"، بعنوان "أين هو الحلم الجزائر؟"، ردود أفعال واسعة ومتفاوتة، بين مستنكرٍ ومتحفّظ على ما جاء فيه، حيث نشر داود موضوعًا مطوّلًا، استعرض فيه تحليلًا شخصيًا طرح فيه سؤال: "كيف فشلت ثورة 22 شبّاط/فيفري الشعبية؟"؛ حيث عاد إلى أهمّ المحطات التي وقعت في الحراك الشعبي السنة الماضة، وقدّم تحليلاته واستنتاجاته لكثير من الوقائع.

يُعَدّ كمال داود، من بين الكتاب الأكثر إثارة للجدل في الجزائر وفرنسا خلال السنوات الأخيرة

يُعَدّ كمال داود، من بين الكتاب الأكثر إثارة للجدل في الجزائر وفرنسا خلال السنوات الأخيرة، حيث لاقى الكثير من الانتقاد، ودار نقاش واسع حول آرائه في قضايا اللغة والدين والانتماء، ووصل الأمر إلى أراقة دمه من طرف الإسلاميين بسبب روايته.

اقرأ/ي أيضًا: المثقف والسّلطة في الجزائر.. قناع لوجهين

 

اشتغل كمال داود بشكلٍ مستقلٍ لسنواتٍ عديدةٍ في الصحافة، قبل أن يتفرّغ لكتابة الرواية بعد حملات واسعة من التخوين، طالته بعد مقال نشره في جريدة "لوموند" حول أحداث مدينة كولونيا. 

فاز الكاتب بجائزة "غونكور" للرواية الأولى سنة 2015، عن رواية "ميرسو تحقيق مضاد"، وهي بمثابة إعادة تفكيكٍ لرواية "الغريب" للكاتب ألبير كامو.

تمكّن كمال داود عبر تحقيقه الرّوائي هذا، من خلط تصوّرات القراء عن رواية "الغريب"، وإعادة تجميعها من خلال تحرير الرؤى الكولونيالية لكامو، واستطاع لفت انتباه مختلف الجهات الثقافية الفرنسية والعالمية، بجرأته على اقتحام عالم أحد أشهر كتّاب فرنسا في القرن العشرين.

وعلى ما يبدو، فإن الجدل القائم حول مقالات كمال داود مستمرٌّ، حيث اعتبر متابعون مقاله الأخير "تماديًا في أسلوبه النزق، المزاجي والانفعالي والبعيد عن الواقع"، مخاطبًا الرأي العام والقارئ الفرنسي، وداعمًا فيه وجهة نظر السلطة على حساب الحَراك الشعبي، الذي يواجه فترة عصيبة وتجاذبات مستمرّة بين السلطة والمتظاهرين، منذ انتخابات الـ 12 من كانون الأوّل/ديسمبر 2019، ووصول عبد المجيد تبون إلى الحكم.

التغريد خارج السرب

هنا، يقول الأكاديمي نوري إدريس، إنّ كمال داود قد انتقل في مقاله، من فكرة مفادها أن تنظيم رئاسيات الـ 12 من كانون الأوّل/ديسمبر هو بمثابة نهاية للحراك، ثم راح يبحث عن الحجج التي تدعم رأيه. وأضاف المتحدّث، أن ّالحجج التي قدمها كمال داود هنا، لا تختلف عن الحجج التي كانت تقدّمها السلطة عبر وسائل الدعاية، وهي أن الحراك قد انتهى. موضّحًا أن الفرق بينهما؛ هو أن كمال داود يعتبر الحراك فاشلًا، أما السلطة فتردّد بأنّه انتهى وحقّق أهدافه. 

في السياق ذاته، يضيف الأكاديمي، أنّ السلطة تعتبر من يتشبّث بالحراك الشعبي "مغرّرًا بهم وشرذمة"، في حين أن داود يقول إن الغالبية تأثّرت فعلًا بخطاب "باديسية نوفمبرية" ولم تعد تخرج، على حدّ تعبيره.

يعتقد نوري إدريس، أن حُجج كمال داود غير واقعية، وهو "يعيش حالة إنكار للواقع، مثلما تعيش السلطة الحالة نفسها". مستدركًا أنّ الحراك الشعبي تراجعت أعداده وهذا أمرٌ طبيعيٌّ جدًا، ولكنّه لا يزال قويًا. ولا يزال الناس يخرجون كل جمعة خاصّة في المدن الكبرى، على حدّ قوله.

ما كتبه كمال داود، هو نظرة استشراقية للثورة الجزائرية، حيث يرى أن الجزائريين لن ينجحوا في التغيير لأنهم مسلمون، لأنهم عرب، وثقافتهم متخلّفة بطبعها، يُضيف نوري إدريس.

يصف محدّث "الترا جزائر"، نظرة كمال داود بالجوهرانية الدوغمائية، التي تمثّل امتدادًا للاستشراق وللخطاب الإثنومركزي، "حيث أخذ عمومًا هذا المنحى في التحليل، منذ أن انتقل للكتابة في صحف تخاطب الجمهور الغربي، واعتبر أن النصّ موجّه للغربيين لإشباع نظرتهم الإيكزوتيكية حول العرب، تمامًا مثلما فعل مع حادثة كولونيا". 

شبهة الكتابة في السياسة  

من جهته، يبدو الكاتب محمد الصالح قارف، منحازًا إلى طرح كمال داود، والأحكام التي أطلقها على الحراك الشعبي، إذ يقول في حديث إلى "الترا جزائر" بأن كمال داود يُعتبر من الأهداف السهلة، إذا ما تعلق الأمر بالنقد، "خاصّة في بلد تتقلص فيه إمكانات التفكير لتصبّ غالبًا في ماء الإهانة الآسن".

وأضاف المتحدث، أن الرجل يكتب في السياسة، وهي أصلاً شُبهة في بلد يعيش ديمقراطية فتية، يكتب بالفرنسية، وهي خُلعة يصعب على صاحبها التجرّد منها، على حدّ تعبيره، معلقًا بالقول أن "كمال داود يقوم بذلك بحصافة من الصعب إنكارها، ويكتب في زمن تنحسر فيه فرصة إيجاد الوسط الذهبي بين الأشياء".

 وتساءل الكاتب، عن إمكانية الدفاع الآن مثلًا عن العلمانية، دون أن نكون من أصحاب "البوب العلماني". أولئك الذين يتحرّكون من ردّات فعل وذِهانات نفسية واجتماعية؟ هل يُمكن أن ندافع عن إيقاف المسار الانتخابي سنة 1992، دون أن تحوم حولنا شبهة الإرهاب أو الإسلام السياسي؟

ويضيف محمد الصالح قارف، أنّه ما دام السياق عن "فشل الثورة في الجزائر" كما ذكر كمال داود، فهل يمكن لشخص أن يجرؤ على ذكر إنجازٍ واحدٍ للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة؟ هل يُمكن كل هذا وأكثر، دون أن نسلم من الإهانة والسخرية والتخوين؟

في السياق ذاته، يقول المتحدّث إن كمال داود قد دافع عن حاضر الجزائر، ورأى أن ثورتها فشلت، وله مطلق الحق في ذلك حسبه، وتساءل كيف أن هذا البلد -بعد أزيد من نصف قرن على استقلاله- يرفض أن يُنظَر إلى حاضره سوى بعينيْ ماضيه الحربي ضدّ محتل عتيد؟ كيف لنا أن نتجاهل ونتغافل معنى وجودنا اليوم في العالم، في جوارٍ مضطرب وعاصف، ونفرض عوضًا عنه أسئلة وتأليهات حول ملحمتنا الحربية؟

لكن ما يُستخلص من هذا المقال حسب المتحدّث، هو أن كمال داود كان يدافع عن الفرنسية، وتاليًا عن فرنسا، وذلك لأنّه أصلاً من "أولاد فرنسا".

خيبة أمل داود

من جهته عبّر الصحافي في جريدة لوماتان يوغرطة حناشي، في صفحته الفيسبوكية، عن تفاجئه بما أسماه بسطحية المقال الخاص بكمال داود، رغم إعجابه السابق بما يكتبه، وقدم ثلاثة ملاحظات حول مقاله الأخير، أوّلها، أنه لا يجب إغفال أن كمال داود يكتب للفرنسيين، فهو يستعمل رموزًا ومرجعيات يفهمها القارئ الفرنسي على وجه الخصوص حسبه. 

وأضاف الصحافي، أن ثاني ملاحظة وهي أن المقال لا يبدو تحليلًا موضوعيًا أو متجرّدًا لواقع الحراك، واعتبره تعبيرًا عن خيبة أمل وغيض، على حدّ وصفه.

أما الملاحظة الثالثة حسبه، فهي أن المقال لا يقترح أي حلولٍ، ويعتبر أن الأمر قد حُسِم بفشل الحراك وانتصار النظام. 

في سياق متصل، استعرض حناشي بعضًا من النقاط التي جاءت في مقال كمال داود، حيث قال إن الكاتب اعتبر النظام منتصرًا، ودليله على ذلك "المسيرة المليونية" في جنازة قايد صالح. 

وأضاف المتحدّث، أن داود هنا استشهد كثيرًا بما رآه على التلفزيونات الرسمية والخاصّة التي يسيّرها النظام حسبه. 

تساءل الصحافي، إذا ما كان كمال داود، يظنّ أن الجزائر الحقيقية هي ما تعرضه بلاطوهات هذه القنوات، أم هي التي تخرج للشارع أيام الثلاثاء والجمعة؟ 

ودعم يوغرطة حناشي، قول كمال داو،د بأن النظام استغل التلفزيونات ومنصات التواصل الاجتماعي  لإحياء "حرب تحريرية تخيّلية مع  فرنسا". لكنه اعتبر أن الكاتب داود، أطنب كثيرًا في هذا الموضوع لأنّه يكتب للفرنسيين، وهو أمرٌ طبيعي حسب المتحدث، الذي اعتبر كمال داود ضحية بروباغندا رسمية، ويظن أن ما يراه في التلفزيون وعلى فايسبوك هو الحقيقة، على حدّ تعبيره.

استقطاب أيديولوجي

يواصل يوغرطة، طرح الكثير من الملاحظات حول مقال كمال داود، وينفي فكرة الاستقطاب الأيديولوجي بين العلمانيين والإسلاميين الذي تحدّث عنه الكاتب، ويعتبره بالغ كثيرًا حين قال "الصحافة العالمية كسولة، ترى النظام من جهة والحراك من جهة أخرىـ ولا ترى الاستقطاب الأيديولوجي الكبير الموجود بين الإسلاميين والعلمانيين".

اختلف الصحافي أيضًا مع رأي كمال داود، في أن الحراك "محاصر في المراكز الحضرية الكبيرة"، ومقطوع عن الريف، وأن "العاصمة تعاني من النرجسية"، حيث تساءل يوغرطة عن ذنب العاصميين في تراجع الحراك في المدن الداخلية؟، وهل يقع اللوم على الذين غادروا الحراك متأثرين بالبروباغاندا الغبيّة للنظام، أو على من بقي في الشارع؟

في سياق آخر، يُشير الصحافي إلى أن انتخاب ممثّلين للحراك لا يحلّ أيّ مشكل عندما يكون النظام ديكتاتوريًا، وأنه كان على كمال داود، أن يحدد مسؤولية النظام المتحكّم في القضاء والشرطة والإعلام، ولا يلقي بالمسؤولية على الحراك، على حدّ تعبيره.

يستطرد يوغرطة، أن كمال داود اتهم الحراكيين بالتطرّف والعنترية حين قال: "هؤلاء المتمردون يحتاجون النظام، لكي يعيشوا ملحمة تمرّد إلى مالا نهاية". وقال الصحافي، إنّه اتهام خطير لشباب يخرجون للشارع منذ عشرة أشهر، ويتعرّضون للضرب والسجن.

وذكر يوغرطة حناشي، أن أخطر ما ورد في مقال كمال داود هو اتهامه الأمازيغ ضمنيًا بالجهوية، حينما كتب أنّ "النظام قام بتجريم الراية الأمازيغية، ثم تلت ذلك ردة فعل قويّة؛ تمثّلت في رفع المزيد من الرايات، وهكذا سقط الناس في فخ النظام"، وقوله أيضًا "تلتها مسيرات من أجل الإفراج عن المعتقلين، وتحويل المطالب إلى مطالب جهوية".

يرى متابعون أن قراءة الكاتب كمال داود للحراك الشعبي بمثابة توجّه معاكسٍ ومربك وصادم أيضًا

قدم كمال داوود في مقاله الأخير، قراءته للمسيرة الشعبية على مدار سنة كاملة تقريبًا منذ انطلاقها، من خلال رؤى شخصية انصبّت كلّها في فشل الحراك من منظوره، وقد اعتبر كثيرون هذه القراءة، بمثابة توجّه معاكسٍ ومربك وصادم أيضًا، إلا أن البعض رأوا بأنّ هذا التحليل، قد يمتلك شواهد عدّة تدعمه، بعيدًا عن التصوّرات النضالية الداعمة للحراك الشعبي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المثقف الجزائري والانتخابات.. أسئلة الحراك المفتوحة

ملامح المثقف الجزائري في زمن مضى