أصدرت الجزائر منذ أيام مذكرة توقيف دولية ضد رئيس حركة استقلال منطقة القبائل الانفصالية "ماك" المصنفة منظمة إرهابية فرحات مهني، على أمل أن تستطيع إقناع الطرف الفرنسي بتسليم المطلوب الأول من قبل العدالة الجزائرية، وتسليمه لمحاكمته ببلده الأصلي، كما تم مع مطلوبين آخرين مؤخرًا، منهم الرئيس المدير العام السابق لمجمع سوناطراك عبد المومن ولد قدور والدركي الفار محمد عبد الله.
المحامي سيد احمد تواتي: بعض المجرمين يحظون بدعم من دول أجنبية والاحتفاظ بهم على أراضيها يخدم أجندات معينة
وواجهت الجزائر على الدوام صعوبة في تسلم مواطنيها المطلوبين من قبل العدالة الفارين إلى الخارج لاعتبارات مختلفة، سواءً بتقاعس من السلطة نفسها أو بسبب تعنّت وعدم تجاوب سلطات الدول التي تأوي هؤلاء المطلوبين.
مذكرة دولية
في الـ 26 من شهر آب/أوت المنصرم، أعلنت الجزائر على لسان النائب العام بمجلس قضاء الجزائر العاصمة سيد أحمد مراد، إصدار مذكرات توقيف دولية بحق مدبري جريمة قتل الشاب جمال بن سماعين بالأربعاء ناثي إيراثن تيزي وزو، وفي مقدّمتهم رئيس حركة "ماك" فرحات مهني.
وقال مراد "سيتم نشر أوامر دولية بالقبض على مدبّرين للعملية في حالة فرار بالخارج، وعلى رأسهم فرحات مهني".
وتأمل الجزائر أن تستجيب السلطات الفرنسية وتسلم فرحات مهني، كما فعلت عدة دول، منها جارتها إسبانيا التي رحلت الدركي الفار محمد عبد الله، الذي كان مطلوبًا من القضاء الجزائري.
وبعد حراك 22 شباط/فيفري، أصدر القضاء الجزائري عدّة مذكرات دولية ضد العديد من المطلوبين المتابعين بتهم مختلفة تتعلق بالتآمر على الدولة أو الانتماء لمنظمات إرهابية أو تحويل أموال إلى الخارج ونهب أموال عمومية.
في هذا السياق، تسلمت الجزائر في الفترة الأخيرة ثلاثة مطلوبين؛ هم المدير العام السابق لمجمع سوناطراك عبد المومن ولد قدور من الإمارات العربية المتحدة، والدركي الفار محمد عبد الله من إسبانيا، وعضو حركة الماك سليمان بوحفص من تونس.
لكنها لم تستطع حتى اليوم تسلم كل من الضابط السابق هشام عبود، والدبلوماسي السابق العربي زيتوت، وأمير بوخرص المعروف باسم "أمير دي زاد".
لا يوجد طلب
أوضح النائب العام لمجلس قضاء العاصمة أن تسليم فرحات مهني سيكون بـ "التعاون مع منظمة الشرطة الدولية (إنتربول)"، غير أنه لحد كتابة هذه الأسطر لا تزال القائمة الاسمية للمطلوبين من قبل الجزائر على مستوى موقع الشرطة الدولية صفرية.
وعند القيام ببحث في الموقع الإلكتروني للانتربول حول من أصدرت الجزائر مذكرة دولية بحقّهم، لا نتحصل على أي نتيجة، ما يعني إما أن الشرطة الدولية لم تقبل الطلب الجزائري أو أن الجزائر لم تراسل حتى الآن المنظمة الدولية بشأن هؤلاء المطلوبين، وهو ما قد يفتح باب الشك لإمكانية عرقلة جهات في السلطة لقرارات العدالة كما حدث خلال حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي أوقف نظامه مذكّرة التوقيف الدولية التي صدرت في حق وزيره السابق للطاقة والمناجم شكيب خليل لاتهامه بالتورط في شبهات فساد في قضية سوناطراك.
وحتى عند البحث عن اسم فرحات مهني، إن كان ضمن قائمة المطلوبين لدى الإنتربول، فموقع هذه الأخيرة لا يعطي أي نتائج بشأن ذلك.
كما أن الجزائريين الـ 16 المدرجين ضمن قائمة الانتربول مطلوبون من دول أخرى، وليس من الجزائر البلد الذي ولدوا به، والذين من بينهم أمير التنظيم الإرهابي "الموقعون بالدماء"، مختار بلمختار الذي ترددت سابقا أنباء بقتله في غارة فرنسية بمالي، والذي لا يزال ضمن قائمة المبحوث عنهم من طرف الإنتربول بطلب تقدمت به كندا لاتهامه بخطف رعية كندي في 2008 بالنيجر.
مفاوضات معقدة
ليست المرة الأولى التي تصدر المحاكم الجزائرية مذكرات توقيف دولية ضد بعض رعاياها المدانين من قبل العدالة، فلعل أشهر ملف في هذا الشأن يبقى استلام صاحب إمبراطورية الخليفة الوهمية عبد المومن خليفة من بريطانيا، والذي يقبع اليوم في السكن بعد الحكم عليه بـ 18 سنة سجنًا نافذًا، والذي لم يرحل إلا بعد مفاوضات قضائية ودبلوماسية طويلة.
واستلمت الجزائر عبد المومن خليفة من بريطانيا، بعدما امتنعت فرنسا عن تسليمه تحت مبررات مختلفة قبل أن يغادرها نحو لندن، وهو ما قد يتكرر اليوم مع فرحات مهني المقيم بفرنسا هو وهشام عبود ووزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب.
وخلال ندوته الصحفية، دعا النائب العام لمجلس قضاء العاصمة صراحة " "الدول التي يوجد بها المتورطون في الواقعة، إلى التعاون وتوقيف المعنيين وتسليمهم للسلطات الجزائرية"، وذلك دون أن يذكر هذه الدول بالاسم.
وفي آذار/مارس الماضي، اعتمدت فرنسا رسميًا الاتفاقية القضائية الموقعة مع الجزائر الخاصة بتسليم المطلوبين للعدالة بين البلدين، بعد صدورها في الجريدة الرسمية الفرنسية.
وكانت الجزائر قد وقعت في 27 كانون الثاني/جانفي 2019 مع فرنسا على اتفاقية تعاون جديدة تتعلق بتسليم المطلوبين بين البلدين.
لكن اعتماد هذه الاتفاقية، لا يعد كافيًا برأي متابعين، فتسليم المطلوبين يخضع لعدة عوامل، فقد أوضح المحامي سيد احمد تواتي لـصحيفة المساء الحكومية أن "الأحكام القضائية الصادرة ضد المطلوبين من القضاء الجزائري وحدها لا تكفي لاسترداد هؤلاء".
وأوضح تواتي أن الدبلوماسية تلعب دورًا كبيرًا في تحقيق عملية استرجاعهم عمليًا، لأن نجاح عملية التسليم مرهون بمدى إرادة الدولة المعنية بتسليمه، "لاسيما وأن بعض المجرمين يحظون بدعم من دول أجنبية والاحتفاظ بهم على أراضيها يخدم أجندات معينة".
ويؤكد تواتي أن "الاتفاقيات الثنائية بين الجزائر وفرنسا تنصّ على تبادل المجرمين والإرهابيين بين البلدين، إذن فمن الناحية القانونية، مسألة تسليم زعيم حركة "الماك" وغيره، تبدو مسألة محسومة، خاصة وأن التحقيقات الأمنية أدانت بشكل مباشر المعني لثبوت تورّطه في أعمال تستهدف زعزعة استقرار البلاد"، لكن الحقوقي ذاته يربط تنفيذ عملية تسليم فرحات مهني للجزائر بعدم تسييس قضيته من طرف السلطات الفرنسية التي يقيم فيها بصفته لاجئًا سياسيًا، إضافة إلى حيازته الجنسية الفرنسية التي قد تحول دون تسليمه للجزائر.
يبدو أن السلطة ماضية في جلب كل من تصنفه في خانة من يقوم بـ "أعمال عدائية ضد الجزائر"
وبالنظر إلى ما تضمنه مخطط عمل الحكومة بشأن تفعيل عمل الدبلوماسية الجزائرية، وتحركات وزير الخارجية رمطان لعمامرة، فإنه يبدو أن السلطة ماضية في جلب كل من تصنفه في خانة من يقوم بـ"أعمال عدائية ضد الجزائر".
اقرأ/ي أيضًا:
قضية جمال.. القبض على 36 مشتبهًا فيه واعترافات بارتكاب الجريمة
مثقفون يرفضون استعمال جريمة قتل جمال لنشر الكراهية