20-يوليو-2022

(الصورة: أخبار الجزائر)

لجأت الحكومات الجزائرية المتعاقبة منذ سنة 2014 مع انهيار أسعار النفط، إلى اتباع سياسة تجارية تتعلق بتقليص فاتورة الواردات والحد من نزيف العملة الصعبة، وهذا من خلال الاعتماد على نظام رخص الاستيراد، ولم يكن حينها خيارًا بقدر ما كان حلًا وقتيًا أملته الوضعية الاقتصادية الصعبة للبلاد، بعد أزمة انخفاض أسعار البترول، وشمل هذا الإجراء استيراد السيارات في الجزائر.

عضو جمعية المتعاملين الاقتصاديين: قرارات وزارة التجارة غير محسوبة وتؤثّر على كثير من الشركات

وبعد قرابة ثماني سنوات من بداية اللجوء لنظام رخص الاستيراد، والذي أملته الحالة الصعبة التي كان يمر بها الاقتصاد الوطني، بسبب شحّ الموارد المالية حينها، ورغم تحلحل الأزمة في الوقت الراهن وعودة أسعار النفط إلى مستويات قياسية قاربت الـ130 دولار للبرميل، مازالت الحكومة الحالية حريصة على التشديد على استيراد كثير من المواد حتى الأولية منها، وهو ما أثار جدلًا كبيرًا وسط المتعاملين الاقتصاديين.

رخص الاستيراد "ترهن" حاجيات السوق الوطنية

ومنذ أن أعلنت وزارة التجارة وترقية الصادرات، عن إلزام المتعاملين الاقتصاديين الناشطين في مجال استيراد المواد الأولية والمنتجات والبضائع الموجهة لإعادة البيع على الحالة، باستكمال إجراءات التوطين البنكي قبل الشروع في أيّة عملية استيراد، وقبلها إجبارهم على المرور على المنصة الرقمية التابعة للوكالة الجزائرية لترقية التجارة الخارجية "ألجاكس"، يجد كثير من المتعاملين الاقتصاديين صعوبة في ممارسة نشاطهم، وهو ما يؤكّده رئيس الجمعية الوطنية للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، إسماعيل نعمان في حديثه مع "الترا جزائر"، الذي يعتبر هذه الإجراءات بمثابة قيود تعيق بشكل كبير تغطية حاجيات السوق الوطنية، وهو موضوع اللقاء الذي جمعهم بمسؤولي الوزارة الوصية على رأسهم الأمين العام بعد عدة وقفات احتجاجية ضد هذه الإجراءات.

حاويات بملايين الدولارات "مرهونة" بالموانيء

ومع إلزام الناشطين في مجال الاستيراد بالتوطين البنكي بصفة قبلية، يتساءل متعاملون اقتصاديون عن مصير البضائع والسلع المركونة على مستوى الموانيء منذ مدة والتي سمح لها سابقا بالدخول، خاصة وأن السلع الوحيدة المرخص لها حاليًا هي محدودة جدا بالنظر إلى حاجيات السوق الوطنية، ويكشف رئيس الجمعية الوطنية للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، إسماعيل نعمان في حديثه لـ"الترا جزائر" عن تجاوز قيمة الحاويات المركونة بموانيء الجزائر، أكثر من مليون دولار، دون احتساب مصاريف التأخير التي تدفع لشركات أجنبية بالعملة الصعبة.

ويقول جمال بوعكاز، عضو الجمعية الوطنية للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، في تصريح لـ"الترا جزائر"، إن قرارات وزارة التجارة غير محسوبة خاصة أنها لها تأثيرًا كبيرًا على كثير من الشركات المختصة في مجال التجارة الخارجية، ما سيؤدي -حسبه- إلى تسريح عديد من العمال.

الأدوات المدرسية ورخصة الاستيراد

وفي ظلّ تأخر الإجراءات التسهيلية لاستيراد كثير من المواد والأدوات، على رأسها الأدوات المدرسية التي تشكّل وارداتها من الصين أكثر من 90 بالمائة من حاجيات السوق الجزائرية، يتوقع متعاملون اقتصاديون أن ترتفع أسعار هذه الأدوات خلال الدخول المدرسي القادم بأكثر من 150 بالمائة، وهو ما سيؤثر على القدرة الشرائية للمواطن.

هنا، يقول رئيس الجمعية الوطنية للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، إسماعيل نعمان، في حديثه لـ"الترا جزائر"، "إن صعوبة توريد شحنات الطلبيات من الصين التي تمثل أكثر من 90 بالمائة من حاجيات السوق الجزائرية، ومع تأخر وصولها بأكثر من شهرين من المنتظر أن تصل أسعار الأدوات إلى أسعار خيالية سيكون لها الأثر البالغ على القدرة الشرائية للجزائري البسيط مع الدخول الاجتماعي المقبل".

استثناءات "متفرّدة" 

وبعد أن أعلنت وزارة التجارة وترقية الصادرات، عن ضرورة مرور المتعاملين الاقتصاديين على المنصة الرقمية للوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية، "ألجاكس"، ومع تذبذب سوق كثير من المواد الضرورية على رأسها الأدوية والمواد الفلاحية وكثير من المعدات، تفردت مصالح بعض الوزارات على رأسها وزارة الصناعة الصيدلانية والفلاحة، بإعفاءات تخص متعامليها بخصوص تقديم وثيقة "ألجاكس" ضمن ملف التوطين البنكي لعمليات الاستيراد، وهو دليل عن عدم الدراسة المسبقة لقرار رخص الاستيراد من طرف وزارة التجارة، حسب ما يؤكّده أعضاء من الجمعية الوطنية للمتعاملين الاقتصاديين في حديثهم لـ"الترا جزائر".

أعفي المتعاملون المستوردون للمواد المستخدمة في الإنتاج الفلاحي الموجهة لإعادة البيع على الحالة، من تقديم الوثيقة الصادرة عن الوكالة الوطنية لترقية الصادرات "ألجاكس"، حسبما بيان لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية.

وجاء في البيان نفسه: 'تعلم وزارة الفلاحة والتنمية الريفية كافة المتعاملين المستوردين للمواد الفلاحية ذات الأصل النباتي والحيواني (بذور، شتائل، مواد الصحة النباتية الخاصة بالاستعمال الفلاحي، عتاد الري وكذا الحيوانات الحية، إضافة لأغذية الأنعام، الأدوية ومواد الصحة الحيوانية) الموجهة لإعادة البيع على الحالة، بأن وزارة التجارة وترقية الصادرات، نظرا لأهمية تلك المواد الأولية المذكورة سالفًا، قررت إعفاءها من تقديم الوثيقة الصادرة عن الوكالة الوطنية لترقية الصادرات ضمن الملف الموجه للتوطين البنكي".

ويندرج قرار الإعفاء هذا، في إطار "الاستراتيجية الرامية لتطوير وتنويع الاقتصاد الوطني، من خلال ضمان توفير تلك المواد الأولية الأساسية، في الوقت المناسب للفلاحين والتي تشكل عناصرًا أساسية للنهوض بالقطاع الفلاحي"، يضيف نفس المصدر.

من جهتها، وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الصناعة الصيدلانية، عن إعفاء المتعاملين الصيدلانيين من تقديم الوثيقة الصادرة عن الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية "ألجاكس" ضمن ملفات التوطين البنكي لعمليات الاستيراد.

وجاء في بيان لمصالح وزارة الصناعة الصيدلانية، "نبلغ جميع المتعاملين الصيدلانيين، أنّ وزارة التجارة وترقية الصادرات تعفي المواد الصيدلانية والمستلزمات الطبية من الالتزام بتقديم الوثيقة الصادرة عن الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية ضمن ملفات التوطين البنكي لعمليات الاستيراد، وذلك بالنظر الى خصوصيتها".

وأوضحت الوزارة أنّ هذا الاجراء هو جزء من "التماسك الحكومي والتشاور بين القطاعات", لضمان وفرة المواد الصيدلانية والمستلزمات الطبية، وكذلك "حماية وتعزيز الانتاج المحلي".

وأكدت الوزارة أنّ "ضبط السوق الصيدلانية الوطنية يتم من قبل وزارة الصناعة الصيدلانية، وفقا لصلاحياتها، والتي تصدر حصريا البرامج المؤقتة للاستيراد وشهادات الضبط للمواد الأساسية ذات القيمة العلاجية العالية، غير المصنعة محليا، أو التي لا تغطي كمياتها المنتجة الاحتياجات الوطنية"، وذلك بعد دراسة وفحص "دقيقين" لقدرات الإنتاج ومستويات المخزون والاحتياجات الوطنية.

تجدر الإشارة إلى أن وزارة التجارة دعت شهر أيار/ماي الفارط الناشطين في مجال الاستيراد، لتقديم طلبات تسمح بالتحقق من عدم توفر المواد والمنتجات التي يبرمج استيرادها في السوق الوطنية.

رخصة استيراد كل سنة

تضمن العدد رقم 37 من الجريدة الرسمية مرسومًا تنفيديًا يحدد شـروط وكيفيات تطبيق أنظمة رخص الاستيراد أو التصدير للمنتوجات والبضائع.

ووفقًا لذات المرسوم رقم 22-201، تسّلـم الرخصة التلقائـية للاستيراد لكل عملية استيراد، وتكون صالحة لمدة سنة واحدة، كما يتعين على القطاعات الوزارية المعنية بمنح الرخص، طلب الرأي المسبق للوزير المكّلف بالتجارة قبل تسليم الرخصة.

وأضاف ذات المرسوم أنه بإمكان الوزير المكلف بالتجارة إعطاء رأيه طبقًا لأحكام المادة 6 مكرر 6 من الأمر رقم 03-04، المؤرّخ في 19 جمادى الأولى عام 1424 الموافق 19 جويلية سنة 2003، المعدل والمتمم والمذكور أعلاه، في أجل أقصاه 10 أيام.

كما تنشأ على مستوى وزارة التجارة منصة رقمية مخصّصة لتسيير رخص الاستيراد الـتلقائية. وتكون موصولة بالقطاعات الوزارية المعنية وكذا إدارة الجمارك.

ويجب على المتعاملين الحائزين الرخص الممنوحة لهم من القطـاعـات المعنية الامتثال لأحكام هذا المرسوم في أجل أقصاه ستة أشهر، ابتداءً من الفاتح حزيران/جوان الماضي.

4 آلاف رخصة استيراد.. غير كافية !

وبعد مد وجزر بين المتعاملين الاقتصاديين، ومصالح وزارة التجارة، اتجه ملف الاستيراد نحو الانفراج النسبي، خاصة بعد ان كشفت الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية "ألجاكس"، عن توزيع أكثر من أربعة آلاف رخصة على المتعاملين في مختلف المجالات، وأوضحت أن توزيع أول رخصة كان بتاريخ 05 أيار/ماي الماضي، أي بعد أيام قليلة من تكليف الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية بالتدقيق في عملية الاستيراد من طرف وزارة التجارة، بهدف ضبط الأسواق وتشجيع المنتجات الوطنية.

وكتبت جريدة الشروق اليومي نقلًا عن تصريح لمدير الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية، الذي كشف أن أن عملية دراسة ملفات الاستيراد تسير بطريقة مدروسة وعميقة لمعرفة الاحتياجات الحقيقية للأسواق في مختلف المواد الاستهلاكية، وانتقد من جهته بعض الأطراف التي تروج لفكرة حصار عملية الاستيراد والتضييق على المتعاملين والتباطؤ في توزيع الرخص، مؤكدا وجود فريق من التقنيين والخبراء يشرفون على عملية استقبال ودراسة الملفات بكل شفافية وموضوعية مع اعتماد السرعة والدقة، خاصّة في ظلّ الطلبات الكبيرة للاستيراد للمتعاملين في مختلف المجالات.

ندرة وركود تجاري

ورغم وعود وكالة ترقية التجارة الخارجية بالعمل على تسوية ملف الاستيراد، ومنحها آلاف الرخص، إلا أن فيدرالية التجار والمستثمرين، انتقدت حالة الركود التجاري الذي تشهده السوق، لغياب عديد المنتجات، ودعت وزارة التجارة إلى مراجعة إجراءات منح رخص الاستيراد بما فيها عملية التوطين البنكي المسبقة للاستيراد، وهو ما أدى حسب الفيدرالية إلى تضرر التجار والمتعاملين الاقتصاديين في جميع القطاعات.

وبخصوص المواد التي تشهد ندرة في الأسواق، حسب ما كشفت عنه الفيدرالية، ولم يتحصل متعاملوها بعد على رخص الاستيراد، فهي تتعلق بقطع الغيار والأجهزة الكهرومنزلية والعجلات المطاطية والتجهيزات المستعملة في الإعلام الآلي وأشغال الكهرباء والترصيص وأدوات النظافة، بالإضافة إلى المعدات المستعملة في قطاع البناء والأشغال العمومية والصيد البحري، وأدوات الحلاقة والتجميل والخياطة والملابس والخردوات والعقاقير.

مجلس أعلى لضبط الاستيراد

وفي آخر إجراء بخصوص ملف الاستيراد، أمر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خلال ترأسه في الـ3 تموز/ جويلية الجاري لمجلس الوزراء بالتحضير لمشروع قانون يؤسس لإنشاء مجلس أعلى لضبط الاستيراد.

وجاء في بيان لمجلس الوزراء أن الرئيس تبون أمر، فيما يتعلق بحماية ومراقبة وتتبع مسار التجارة الدولية والمحلية "بالتحضير لمشروع قانون يؤسس لإنشاء مجلس أعلى لضبط الاستيراد تحت وصاية الوزير الأول، تسند له مهام تحديد المواد والسلع والمنتوجات الموجهة للسوق الوطنية، تكون آلية عمله بطريقة تفاعلية تراعي زيادة أو نقصان المنتوج الوطني".

وأكد الرئيس تبون، في نفس السياق، أن "حماية الثروة والمنتوجات الحيوانية، والنباتية البرية المهددة بالانقراض، تكون ضمن رؤية وطنية شاملة"، حسب البيان.

مختصون اقتصاديون اعتبروا أن تأسيس سلطة ضبط الاستيراد يساهم في عقلنة واردات الجزائر

واعتبر مختصون اقتصاديون، في حديثهم لـ"الترا جزائر"، أن إجراء تأسيس سلطة لضبط الاستيراد، سياسة حمائية بدرجة أولى من شأنها أن تساهم في عقلنة واردات الجزائر والحد من تآكل احتياطي الصرف.