31-أغسطس-2022
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (الصورة: Getty)

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (الصورة: Getty)

يظلّ ملف التاريخ والذاكرة يعيق تقدم العلاقات الثنائية الجزائرية الفرنسية، رغم المخرجات التي عرفتها زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة للجزائر والتي استغرقت ثلاثة أيام.

الأكاديمي عبد الكريم بامون: ماكرون حاول القفز على بعض الملفّات التي تربط البلدين من مخلّفات الماضي الاستعماري

إلا أن متابعين لهذه العلاقات يرون أن تقديم تقييم هادئ للزيارة وجب أن يمرّ عبر تحليل مخرجات اللقاءات الثنائية بين رئيسا البلدين فضلًا عما تمخّضت عنه  الزيارة من تفاهمات جانبية حول الملف التاريخي، إذ يعتبر أكبر سبب في اختلاف واضح في الطرح حول هذا الملف بين النظرة الجزائرية والفرنسية.

إضافة إلى الملفات التي عالجتها الزيارة والتي تعدّ ذات أهمية قصوى، وجب التذكير أن الوثيقة الثنائية التي وُسِمت بـ"إعلان الجزائر لشراكة متجدّدة " التي وقعت في ختام زيارة ماكرون تناولت ملف التاريخ والذاكرة، إذ احتوت على تأكيد كل من الجزائر وفرنسا أنهما تعتبران أن "الوقت قد حان لقراءة موضوعية وصادقة لجزء من تاريخهم المشترك،مع مراعاة جميع مراحلها"، وفقًا "لديناميكية تقدم لا رجعة فيه".

وتعهد الطرفان "بضمان تعامل ذكي وشجاع مع المشاكل المتعلقة بالذاكرة"،وتم الاتفاق على "إنشاء لجنة مشتركة من المؤرّخين الفرنسيين والجزائريين، مكلفين بالعمل على الأرشيف الخاص بالفترة الاستعمارية وحرب الاستقلال، ويهدف هذا العمل العلمي إلى معالجة جميع القضايا، بما في ذلك تلك المتعلقة بفتح وإعادة الأرشيف والممتلكات و بقايا جثث المقاومين الجزائريين، والتجارب النووية والمفقودين"، على أن يخضع عمل هذه اللجنة " لتقييمات منتظمة كل ستة أشهر".

التاريخ والذاكرة الجريحة هو أهمّ ملف يحدد مآلات العلاقة بين الجزائر وباريس في المستقبل، رغم أن العلاقات بين الدول " تبنى على أساس المصالح والتفاهمات وأيضًا. التفاهمات حيال القضايا الراهنة"، إلا أن أستاذ العلاقات الدولية عبد الكريم بامون من جامعة سيدي بلعباس غرب العاصمة الجزائرية، قرأ تعبير ماكرون حول هذا الملف بأنه "تحجيم واضح للماضي أو بالأحرى محاولة من الرئيس الفرنسي القفز على بعض الملفّات التي تربط البلدين من حيث مخلّفات الماضي الاستعماري".

وأضاف بامون في حديث إلى "الترا جزائر"، أن وضع أجندة علمية أو أكاديمية لمعالجة تلك الملفات التاريخية تحت عمل لجنة تشرف على تقييم العمل كل فترة زمنية محددة بستة أشهر، لا يكفي لتغيير تفكير الشعب الجزائري أن هناك حقوق وجب تدقيق التعامل معها خاصّة فيما تعلّق بـ"الاعتراف والاعتذار"، ناهيك عن استتباعات من الضروري تناولها، لافتًا إلى أن "هناك رهان فرنسي واضح على المجايلة وعلى أن الشباب يغيروا موقفه ورؤيته للتاريخ ويتجاوز المطالب التاريخية تحت مبرر النظر والتطلّع إلى المستقبل".

التزامات استعمارية

هذه الرؤية تستهدف تهرّب فرنسا من التزاماتها واستحقاقاتها الضرورية مع ماضيها الاستعماري، إذ "ليس بالضرورة أن تنجح هذه الرّؤية الفرنسية لأن الواقع يكشف عن صورة مغايرة تتوضح مع مرور السنوات، حيث أن الاجيال الجديدة تبدي أكثر استعداء لفرنسا الاستعمارية وتمسّكًا بالحقوق التاريخية وهذا كان واضحًا في الحراك الشعبي وما بعده بخلاف ما تأمل فرنسا لأنه مع مرور الوقت، سقف المطالب الجزائرية حول ملف الذّاكرة والتاريخ يرتفع وتتزايد المطالب مع دخول قضايا لم تكن واضحة وجارحة أيضًا مثلًا قبل سنوات، وذلك ما هرته وسائل الإعلام وتقليب التاريخ وإعادة رسم مشاهد الجرائم التي اقترفتها فرنسا في حقّ الجزائريين طيلة 132 سنة.

على خلاف ما كان متوقعًا، فإن الوجبة السياسية التي حملها ماكرون للجزائر لم تكن على قدر انتظارات الطرف الجزائري، على الأقلّ الانتظارات الشعبية، إذ تعدّ الملفات المتفق عليها ستضع الطرفان على محاذير الالتزام الدبلوماسي، غير أن الجرائم الفظيعة التي انتهكتها الآلة الفرنسية في الجزائر لا يمكن أن تذيبها قرارات أو خطوات في زيارة أو حتى مواقف، فلا يمكن غضّ الطرف على الحديث المعلن في نهاية الزيارة حول الملفّ الحارق والشائك، الذي يتعلق بكتابة التاريخ على سبيل المثال لا الحصر.

رغم ما كان واضحًا من التّصريحات وحتّى الوثيقة الرسمية النهائية، إلا أن الكاتب السياسي مهدي براشد يرى أن الطّرف الفرنسي لا يمتلك جديدًا بخصوص ملفّ الذاكرة، إذ تحدّثنا هنا عن اللّجنة المشتركة التي من شأنها أن تعيد فتح بعض الملفات، خاصة وأنه كثر الحديث سابقًا عن هذه اللّجنة، مشددًا في إفادته أن "الكتابة المشتركة للتاريخ الاستعماري كذِب وبهتان ودليل على أن فرنسا الرسمية لا تريد إدانة هذا التاريخ، بل هي تبحث عن تبييضه".

كتابة التاريخ وأطرافه

من غير المعقول الاتّفاق على حقائق التاريخ، أو بالأحرى كتابة موحّدة للتّاريخ وشراكة في توصيف الوثائق التاريخية وحقائق الماضي وخاصة فيما تعلّق بالجرائم الإنسانية، وكيفية وصفها وتفسيرها، ففي هذا المضمار يرى أستاذ التاريخ سعد زراوي من جامعة المدية وسط الجزائر أن مخرجات الزيارة لا يمكن أن تقوم مقياسًا لما ستسفر عن التفاهمات بين الأطراف المعنية بمباحثة الملف التاريخي؛ فالنظرة الفرنسية لازالت متمسّكة –حسبه- بضرورة تجاوز هذه الحقبة أو "القفز على صفحات كبرى من الدمّ وهذا غير منطقي وغير مقبول، وحقّ من حقوق الإنسان".

حتى وإن افترضنا واقعية زمن المصالح المشتركة، يضيف المتحدّث، إلاّ أنّ صفحات التاريخ لا تعني إلغاء الماضي أو التحرّر منه دون محاسبة ومساءلة واعتذار.

يرى كثيرون أن طيّ ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا يكون عن طريق اعتذار الطرف الفرنسي عن جرائم الاستعمار

لا تنسجم الأطروحات السياسية أمام الحقيقة الإنسانية، إذ يرى البعض أن ملف الذاكرة التاريخية بين الجزائر وفرنسا يستوجب الاعتذار من الطرف الفرنسي، لكنه في الآن نفسه يتطلب الكثير من الإجراءات التي تكلف باريس الكثير ودفعها للثمن سيكون غاليًا، خصوصًا وأن أي ملفّ تلمسه اللجنة المشتركة يعني إيقاظ البركان النائم وفتح جرح لا يمكن أن يشفى بمجرد النظر للمستقبل.