يُعد مشروع إنجاز سكنات بصيغة البيع بالإيجار "عدل 3" أحد أبرز المبادرات السكنية التي ينتظرها المواطنون بفارغ الصبر، في ظلّ التزام السلطات العليا في الجزائر، بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بتلبية الطلب المتزايد على السكن، حيث تمّ الإعلان عنه وتسجيل المكتتبين فيه بداية من 5 جويلية/تموز الماضي.
هذه المشاريع لا تقتصر على تلبية حاجات السكن فقط بل تعد محركًا اقتصاديًا مهمًا يعزّز النموّ ويوفر آلاف فرص العمل
ورغم تخصيص الميزانيات اللازمة لهذا المشروع، فإنه يواجه تحديات كبيرة، أبرزها ندرة الأوعية العقارية في بعض المناطق. وقد دفعت هذه الصعوبات الجهات المعنية إلى اعتماد حلول مبتكرة، مثل زيادة عدد الطوابق وتحسين التصاميم المعمارية، وذلك لضمان راحة السكان.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الدولة لتسريع وتيرة الإنجاز استنادًا إلى النجاحات التي تحققت في برامج "عدل" السابقة، يشير الخبراء إلى أن هذه المشاريع لا تقتصر على تلبية حاجات السكن فقط، بل تعد أيضًا محركًا اقتصاديًا مهمًا يعزّز النموّ ويوفر آلاف فرص العمل، إذ يُعتبر قطاع البناء من الركائز الأساسية التي تدفع عجلة الاقتصاد وتحقق الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية. ومع ذلك، يبقى السؤال المطروح: "ما هي الخطوة المقبلة في مشروع "عدل 3" ومتى سيستلم الجزائريون سكناتهم؟"
الأوعية العقارية.. التحدي الأكبر
أوضح المهندس والخبير في التعمير، رفيق محمد شريفي، أنّ الدولة الجزائرية خصّصت الميزانيات اللازمة لتلبية جميع الطلبات المتعلقة ببرامج السكن التي تستوفي الشروط القانونية. لكن، يكمن التحدي الرئيسي في مشروع سكنات "عدل 3" في توفير الأوعية العقارية اللازمة لتنفيذ هذه المشاريع.
وأشار شريفي في تصريح لـ"الترا جزائر"، إلى أنّ الجهات المعنية قامت بتقديم حلول مبتكرة لمواجهة هذا التحدي، مثل زيادة عدد الوحدات السكنية في الطابق الواحد، وفق مخططات معمارية تضمن توزيعًا مريحًا للفضاء، بالإضافة إلى رفع عدد الطوابق وارتفاعات المباني مع الالتزام الصارم بقوانين التعمير.
كما شدّد على ضرورة احترام المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير (PDAU) ومخطط شغل الأراضي (POS) لضمان إصدار رخص البناء والتجزئة بشكل قانوني.
وأضاف الخبير أنّ هذا التحدي يصبح أكثر وضوحًا في المناطق التي تعاني من ندرة الأراضي والعقارات، خاصة في ظل حجم المشاريع الضخمة التي تسعى الجزائر لتنفيذها خلال الخماسي الحالي. وأكد أن معايير الجودة أصبحت شرطًا أساسيًا، حيث فرضت نفسها على جميع المتعاملين في قطاع السكن والعمران.
واعتبر شريفي أنّ الجزائر حققت إنجازات كبيرة في هذا المجال، مثل جامع الجزائر، مما رسخ مفهوم الجودة كعلامة مميزة في المشاريع الكبرى. وفي نفس السياق، أوضح شريفي أن برامج سكنات "عدل" في مرحلتها الثانية تم تنفيذها عبر مسابقات معمارية شارك فيها مهندسون معماريون مسجلون في المجلس الوطني لهيئة المهندسين، حيث يتم اعتماد تصاميم جديدة وفق معايير دقيقة.
الجيل الثالث من سكنات عدل
أكد الخبير رفيق محمد شريفي أنّ الجيل الثالث من سكنات "عدل 3" يعد جزءًا من عملية التطوير المستمر في نوعية السكن في الجزائر، مشيرًا إلى أن المواطنين ينتظرون هذه المشاريع لتلبية احتياجاتهم السكنية الأساسية.
وأشار شريفي إلى أن المتابع لعمل وكالة عدل يلاحظ التطور الكبير في المشاريع التي تم إنجازها خلال أكثر من عقدين، حيث شكل الجيل الثاني من سكنات عدل قفزة نوعية و"ثورة" حقيقية في قطاع السكن.
وأضاف أن عملية تسليم سكنات "عدل 3" ستشهد تسارعًا ملحوظًا بناءً على التجارب السابقة لوكالة عدل في التطوير والتسليم في الوقت المحدد. وأوضح أن بعض هذه المشاريع تحولت إلى مدن متكاملة تضم جميع التجهيزات العمومية الضرورية، مع التركيز على البرامج المركزية الخاصة بالسكنات المدمجة التي تدمج جميع المرافق العمومية بما يتناسب مع احتياجات السكان.
محرّك اقتصادي
أوضح الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي أنّ قطاع السكن بالجزائر، عرف تقدما بارزًا في العام الحالي، حيث تم إطلاق برنامج "عدل 3" كأحد أبرز المشاريع السكنية التي تهدف إلى تلبية الطلب المتزايد على السكن. كما تم استكمال تسليم ما تبقى من حصة سكنات "عدل 2"، مما يعكس التزام السلطات بتسريع وتيرة الإنجاز واستمرار تنفيذ هذه المشاريع.
وأكد الحيدوسي أن قطاع السكن يعد من أبرز المحركات للاقتصاد الوطني، إذ تعوّل الحكومة الجزائرية على دوره في تعزيز النمو الاقتصادي ورفع الناتج الإجمالي الخام إلى حوالي 400 مليار دولار في السنوات القادمة، مع الحِفاظ على أو رفع معدلات النمو المحققة.
ولتحقيق هذا الهدف، شدد الحيدوسي على ضرورة تفعيل القطاعات الاقتصادية المحركة، وعلى رأسها قطاع البناء، موضحا بأنّ تنفيذ عدد كبير من المشاريع السكنية يعدّ وسيلة استراتيجية لإنعاش الاقتصاد، خاصة أن معظم مدخلات البناء مثل الإسمنت، الحديد، الطلاء، والخزف الصحي يتم إنتاجها محليًا. هذا الطلب المرتفع يعزز الاقتصاد الوطني، ويُسهم في زيادة معدلات النمو وتوفير آلاف فرص العمل. كما يُساهم قطاع السكن في الجانب الاجتماعي عبر تلبية الحاجة المتزايدة للسكن، الذي يُعتبر ضرورة أساسية للجزائريين.
وفيما يخص ميزانية 2025، أشار الحيدوسي إلى أنّ الحظيرة السكنية في الجزائر قد تجاوزت بالفعل 10.5 مليون وحدة سكنية، مما يوفّر إمكانية تحقيق فائض في العرض السكني.
ومن المتوقّع أن يُسهم هذا الفائض في إعادة توزيع المساكن بشكل عادل وفعال، خاصة في ظل الزيادة السنوية لعقود الزواج، والتي تُعزز الحاجة إلى توفير المزيد من الوحدات السكنية.
ودعا الحيدوسي إلى التركيز على توفير سكنات ذات جودة عالية تلبي تطلعات المواطنين، وتتماشى مع المعايير الحديثة لتحقيق الاستدامة وتحسين نوعية حياة السكان.