17-مارس-2020

لجأ بعض وكلاء اللاعبين إلى فتح مكاتبٍ خاصّة (تصوير: محمد مصطفى/Getty)

عملُهم عادة يكون في الخفاء؛ فهم لا يحبّون الظُهور كثيرًا أمام عدسات الكاميرا، هدفهم تصيّد العصافير النادرة وتسويقها وإبرام الصفقات، يتحدّثون بلغة الأرقام، ويُفترض أنهم يبحثون عن مصلحة اللاعب التي تعدّ جزءًا من مصلحتهم.

هيئة خير الدين زطشي متّهمة بإغراق مجال وكلاء اللاعبين في الفوضى و"البزنسة" المتبادلة

يُطلق عليهم "المَناجرة"، أو وُكلاء اللاعبين، أو "السماسرة" أو أعوان اللاعب، تختلف تسمياتهم ولكن وظيفتهم واحدة. في الجزائر عمّت الفوضى على سوق تحويلات اللاعبين داخل أو خارج المستطيل الأخضر، بسبب غياب القوانين المنظّمة، وسيطرة اللوبيات المالية.

اقرأ/ي أيضًا: يوسفي بلايلي.. مجرّد مدمن على كرة القدم

 سماسرة..

وصف وكيل اللاعبين والمدربين من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم، عبد العالي عاشوري، الموجودين في الساحة الكروية من وكلاء اللاعبين بـ "السماسرة"، مشيرًا إلى أن "المناجرة المتواجدين بالجزائر لا يعرفون ولا يفقهون في القانون المعمول به في عالم كرة القدم".

وتسائل في السياق، عبد العالي عاشوري، عن كيفية دفاع المناجرة الحاليين عن حقّ اللاعب وحمايته من النصب والاحتيال، وتبعات فشل تجربته في فريق مُعين.

كما يرى المتحدث في مكالمة مع "الترا جزائر"، بأن "مهنة المناجير أصبح يمارسها من هبّ ودب في الوسط الكروي بالبلاد".

ومن جهته، وصف المناجير الدولي المعتمد من "الفيفا"، نور الدين بريهوم، عمل وكلاء اللاعبين بـ"اللوبي" الذي يجهل العمل في المجال، ويشبّك علاقاته بحثًا عن المال في ظلّ غياب الفراغ القانوني وثغراته الكثيرة، على حدّ تعبيره.

 المال أولاً..

قبل بداية كل موسم كرويّ، وخصوصًا خلال فترات "الميركاتو"، يسعى وكلاء اللاعبين لاصطياد العصافير النادرة وتسويقها في الداخل أو الخارج، هناك من الوُكلاء من يغري العناصر الشابة بالمقابل المالي والأجر المرتفع، الذي سيتلقاه خلال وجهته الجديدة، لكن نجاح موكّله لن يدوم طويلًا، خصوصًا وأن الإغراءات المالية قد تغير من طبع اللاعب ومن سلوكاته وما من شأنه أن يؤثّر على مستقبله.

في الصدد ذاته، يرى عبد العالي عاشوري، أنه "يفضّل أن يختار للاعب فريقًا يليق بإمكانياته، حتىّ وإن كان الشق المالي ليس في مستوى اللاعب"، مردفًا: "مع مرور الوقت سيفجّر اللاعب كامل طاقته، وبالتالي سيفاوض من موقع قوّة مع كبار الأندية الراغبة في الاستفادة من خدماته".

وأردف وكيل اللاعبين والمدرّب السابق لأمل شلغوم العيد (قسنطينة)، أن لاعبًا شابًا وواعدًا، مثل إسحاق بوصوف، لاعب وفاق سطيف يفضّل أن يختار المشروع الرياضي على المال لأنه لا يزال في مقتبل العمر.

فتيل النار..

من جهتهم، اتهم مناجرة ناشطون في الساحة الكرويّة، الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، بفتحِ المجال أمام الوكلاء "الدخلاء"، من خلال دعوة المدرجين في قوائم "الفاف"، إلى إصدار إعلانهم السنوي وتسليمه إليهم، وإرفاق نُسخٍ من الإقرارات الضريبية الداخلية، التي تم إدخالها خلال عام 2019.

ووصفت الهيئة الكرويّة لخير الدين زطشي، وسطاء اللاعبين، غير المُدرجين على قائمتها المُعلنة، بـ "غير المعترف بهم"، من قبل هيئات كرة القدم الدوليّة والقاريّة، عل ىحدّ قول

هنا، يعتبر عبد العالي عاشوري، مناجير معتمد من طرف "الفيفا"، بأن ما أقدمت عليه الهيئة الكرويّة الأولى في البلاد، "خطوة تُشرعِنُ لما يصطلح عليه بالسمسار في كرة القدم"، مضيفًا أن قرارات الهيئة الكروية، تمضي بمجال "المناجرة" إلى الهاوية، وراح إلى أبعد من ذلك حين قال: "الفاف تسببت في فوضى بطريقة كانت تعرف تبعاتها"، محملًا إياها مسؤولية تردي الوضع وتعفّنه.

وسار على نحو عاشوري، الرئيس السابق لاتحاد الجزائر، سعيد عليق، حين أكّد بأنّ "على مسؤولي الكرة في الجزائر، ضبط معايير اختيار وكلاء اللاعبين"، ليردف: "حاليًا بعشرة آلاف دينار يُمكنك أن تصبح وكيلًا للاعبين".

في هذا السياق، قال عليق في تصريحاتٍ إعلامية سابقة، إنّه على "الفاف" انتقاء أشخاص مؤهّلين لذلك، على الأقل يُمكنهم تسيير مشوار أي لاعبٍ، "ففي حالة عدم نجاح صفقة انتقال لاعب من فريق إلى آخر، وأغلقت سوق الانتقالات، من سيعوّض اللاعب عن مستحقاته المالية"، يضيف عليق.

ودعا المدير الرياضي السابق لشباب بلوزداد، اتحاد الجزائر للعبة، إلى ضرورة "إعادة النظر في العديد من الأمور المتعلّقة بالوكلاء".

مكتب المناجير

لجأ بعض المناجرة في الآونة الأخيرة، إلى فتح مكاتبٍ خاصّةٍ بهم من أجل تنظيم عملهم، وتسهيل تواصلهم مع اللاعبين لترتيب الانتقالات ودخول سباق "الميركاتو".

هنا، يرى الوكيل المعتمد من "الفيفا"، عبد العالي عاشوري في حديثه لـ "الترا جزائر"، أن "فكرة المكاتب لا توجد أصلًا على أرض الواقع، لأنّ كل مناجير معتمد لديه ملفات اللاعبين، ويختار لهم الوجهة التي يراها الطرفان مناسبة".

وربط المناجير عاشوري، فكرة تنظيم المكاتب بـضرورة المرور على "الفاف"، مستطردًا: "أي فريق يريد شراء ورقة تسريح أيّ لاعب، يجب عليه المرور أولاً على الهيئة المُجبرة على تحديد قيمة الشرط الجزائي، من أجل تسهيل انتقال أي لاعب إلى فريق آخر، وبطريقة شفافة ومنظمة دون اتباع طرق ملتوية".

وعلى النقيض، دافع الإعلامي الرياضي رفيق وحيد، على فكرة مكاتب المناجرة، مؤكّدًا أن "طريقة اعتماد مكاتب قارة للوكيل، تنمُّ على احترافيته وعمله بالمعايير الدولية في مجال الوكالة والدفاع عن مستقبل اللاعبين والمدربين".

وراح إلى الجزم بأن: "مكتب مناجير هو مكتب مشابه لمكتب المحاماة لأنه من غير المعقول أن الوكيل يمتلك العشرات من ملفات موكِليه، ما يجبره على العمل في أريحية بمكتبه".

وأوضح صحفي جريدة "الخبر": "وجود مكتب معتمد للوكيل الرياضي يعطي المجال أكثر تنظيم عكس السماسرة، الذين يشترطون أخذ أجرة شهرية مع اللاعب أو المدرب، ناهيك عن شروط مالية أكثر منها رياضية للطرفين."

ترتيب المباريات

في الجزائر يتحاشى بعض رؤساء الفرق العمل مع المناجرة المعتمدين، من قبل "الفيفا"، وذلك بسبب الشروط والبنود، التي يضعها وكيل اللاعب، ما يراه رؤساء الأندية "تعجيزية لهم"، لذلك يفضّلون العمل مع السماسرة أو الوسطاء، نظير حصولهم على عُمولات مقابل ذلك.

كل هذا، يمكّن رئيس الفريق من وضع شروطٍ أو بنودٍ تتوافق ومصالحه ودون اعتراض الوسيط، وهنا يوجّه وكلاء اللاعبين اتهاماتٍ لهم بـ "بيع وشراء المباريات وترتيب نتائجها"، خصوصا في الأقسام الهاوية.

كما لم يسلم عددٌ من الوكلاء من الوقوف وراء ذلك، بحكم علاقتهم الوطيدة مع المدربين والحكام وحتى اللاعبين وهو ما لطّخ صورة المناجير، وفتح الباب على مصراعيه، أمام الانتقادات اللاذعة والتشكيك في احترافيتهم وصلاحياتهم، التي قد تتعدّى تحويل اللاعب من وإلى أي نادٍ كروي.

السعيد عليق: في بعض الأحيان يتّصل بي أكثر من شخصين يمثلون لاعبًا واحدًا

وفي الشقّ ذاته، أبدى السعيد عليق، المدير العام لشباب بلوزداد، امتعاضه من كثرة وكلاء اللاعبين وتزايد عددهم بنسبة كبيرة، وقال "هاتفي لا يتوقف على الرنين.."، ليكمل: "بين الحين والآخر يحدّثني العشرات من الأشخاص على أساس أنهم وكلاء لاعبين". وتابع، عليق، "في بعض الأحيان يتّصل بي أكثر من شخصين يمثلون لاعبًا واحدًا، فكيف لنا التعامل معهم في هذا الوضع؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

السياسة وكرة القدم.. صور "كاريكاتورية" للرياضة في الجزائر

خير الدين زطشي يفكّر في التخلّص من أتباع علي حداد