06-أغسطس-2017

توصى الأنثى في الجزائر بحماية جسدها قبل الاهتمام بعقلها أو قلبها (صافين حامد/أ.ف.ب)

مثل فضاءات عربية وأفريقية كثيرة، توصَى الأنثى في الجزائر بحماية جسدها، أكثر ممّا توصى برعاية عقلها أو قلبها. فأن تطلع جاهلة أو قاسية أهون بكثير، عند كثير من الناس، من أن تفقد عذريتها في غير ليلة زفافها، حتى وإن كان ذلك على يد خطيبها نفسه. أما إذا حدث ذلك على يد شخص غيره، فإن أسرتها تعيش أقسى تجربة في حياتها.

لا يتسامح العريس الجزائري مع عروسه غير العذراء، فيعمد إلى فضحها بعد ضربها وتعاد إلى عائلتها وتلاقي نظرة قاسية من المجتمع

اقرأ/ي أيضًا: جدل وثيقة "إثبات العذرية" من جديد في الجزائر

لا يتسامح العريس الجزائري مع عروسه غير العذراء، فيعمد إلى فضحها فورًا، بعد ضربها في بعض المناطق، وإعادتها إلى أهلها الذين يكونون موجودين ليلة الزفاف، فتشعر النساء بحرج العمر مع النساء، خاصّة أمها، والرجال مع الرجال، خاصّة والدها وإخوتها. وقد حفل تاريخ العرس الجزائري، في المناطق الأربع، بجرائم كثيرة عرفت بجرائم الشرف.

يقول الحاج مسعود مسيلي لـ"الترا صوت" إن المجتمع، خاصّة في البوادي والأرياف، حصر كل قيمة من القيم، مثل الكرم والوفاء والرجولة في مظاهر معينة، وحصر الشرف في الأرض والفرس والبندقية والمرأة، "فكان الرجل الجزائري مستعدًّا لأن يفقد حياته إذا مُسّت أرضه أو فرسه أو بندقيته أو امرأة تابعة له". يواصل: "وكانت العروس تعلم مسبقًا أنها ستموت على يد أهلها إذا فقدت عذريتها".

يبقى أهل العروس الأقربون عابسين ومتخوفين، ومعهم رجال القبيلة إذا كان الزواج في قبيلة أخرى، ليلة الزفاف، حتى يعطي العريس إشارة على أنه وجد عروسه عذراء، فترتفع أصوات الزغاريد والبارود ويوزّع "الفال" على الحاضرين، وهو أطباق من الحلوى والمكسّرات، وتنتعش السّهرة من جديد، بين رجال الطرفين، فكأنهم يتعارفون من جديد، إذ يسترجعون أنفاسهم ورغبتهم في الأكل والشرب والحديث. والحديث قياس على النساء في الجناح الخاص بهن.

في الأثناء، يقيم العريس طقسًا مع أصدقائه المقربين، يستظهر فيه منديلًا مخضّبًا بدم العذرية، راميًا إياه في الهواء عدّة مرات، قبل أن يتعرّض إلى وابل من الرصاص فيصير قطعًا صغيرة. تجدر الإشارة هنا، إلى أنه من السّائد أيضًا أن يتنافس العرسان على من يمكث أقل مدّة مع عروسه، قبل أن يخرج بالمنديل، إذ من المخلّ بالرجولة أن يتجاوز الأمر أكثر من نصف ساعة، وقد حدثت بسبب ذلك أحداث مؤسفة، تعلّقت بالنزيف الحادّ الناتج عن السّرعة والعنف والإغماء والضرب بسبب تمنّع العروس.

يقول الباحث سعيد جاب الخير لـ"الترا صوت" إن هذه المظاهر تحصل في المجتمعات التي يرتبط فيها مفهوم الشرف بالشكليات لا بالقيم، "فقد أثبتت الوقائع والأفلام الجنسية أن بقاء الأنثى محافظة على غشاء البكارة لا يعني كونها عذراء، بالمفهوم النبيل للعذرية. إذ بإمكانها أن تمارس عشرات التمارين الجنسية من غير أن تفقده". في المقابل، يضيف الباحث الجزائري المعروف بطرح أسئلة جريئة تتعلق بالموروثات، "يمكن لفتاة أن تنزلق على سلّم البيت، فتفقد غشاءها من غير أن يلمسها رجل في حياتها، فهل من العدل أن تُعامل بصفتها عاهرة؟".

اقرأ/ي أيضًا: "التقاف".. سلاح المغربيات للحفاظ على العذرية

لا يزال منديل العذرية طقسًا حاضرًا في الأعراس الجزائرية رغم ما يمثله من انتهاك للخصوصية وتشهير ممجوج

ويشير جاب الخير إلى أن هناك تفاوتًا بين المناطق والأجيال الجزائرية في ممارسة هذا الطقس، رغم وحدة النظرة إلى الشرف، "من النادر أن نجد جزائريًا يملك الاستعداد لأن يرتبط بفتاة فقدت عذريتها. بل إن هناك شبابًا يرفضون حتى الفتيات اللواتي فقدن عذريتهنّ على أيديهم". يسأل: "لماذا يحاكم المجتمع الفتاة الفاقدة للعذرية، ولا يفعل ذلك مع الفتى الذي يخوض تجارب جنسية قد تتسبّب في مجازر؟".

حضر "الترا صوت" عرسًا في منطقة البيبان، شرقًا، ولاحظ أن الحركة بدأت تخفّ بعد منتصف الليل، في محيط البيت، وهو ما يشكّل تواطؤًا جماعيًا على إفساح الطريق للعريس للالتحاق بعروسه. يقول عبد الفتاح، وهو طالب جامعي يدرس الهندسة المدنية، إن تنسيقًا ينشأ بين صديق له يملك زوجة في الداخل، فيدخل العريس مباشرة بعد أن يتلقى الصديق إشارة من زوجته.

بعد أقلّ من ساعة، خرج العريس مخضّبًا بالعرق والفرح، وهو يقول لأصحابه الذين تداعوا عليه: "فريتها"، أي قمت بالواجب. فبادر أحدهم إلى إطلاق البارود، وبادرت النسوة بإطلاق الزغاريد، وبادر الشباب إلى إطلاق الموسيقى والرقص بالعريس الذي كان يحمل منديلًا مخضّبًا بالدم. سألنا الجامعي عبد الفتاح إن كان يرى هذا الطقس معقولًا، فقال إنه علينا أن نفهم بعض السّلوكات في حدود كونها موروثًا شعبيًا متجذّرًا في الأذهان والوجدان، "وهو لا يشكّل انتهاكًا للخصوصية ما دام يحظى بتواطؤ المنظومة الاجتماعية عليه".

كان ذلك مقدّمة لنشوء نقاش بين جانب من الحضور. قال المسرحي ربيع قشّي إنه رغم كونه يشتغل على الطقوسيات، إلا أنه يرفض هذا الطقس بالذات، لأنّ فيه تشهيرًا ممجوجًا. يشرح فكرته: "لقد بات ممكنًا للعريس أن يحصل على شهادة العذرية من طبيب مختص، وهي تشكل بديلًا معقولًا لهذا المنديل الذي قد يكون مغشوشًا أصلًا، إذ قد يكون الدم الذي عليه ناتجًا عن جرح متعمّد تفاديًا للفضيحة".

وينقل الناشط الجمعوي علي الشيخ لـ"الترا صوت" تجربته في محاربة الظاهرة، على مستوى قريته، بالقول: "شكلتُ نخبة من الجامعيين والناشطين، وطفنا على عرسان الموسم، وأقنعناهم ببشاعة الطقس، واتفقنا معهم على أن يتركوه في أعراسهم، فوجدنا معظمهم كارهين له، وكانوا فقط ينتظرون تشجيعًا لهم على أن يتركوه". يضيف: "كما تمّ الاتفاق على أن يمكث العريس عند عروسه حتى الصّباح، والتخلي عن عادة التفاخر بسرعة الخروج، إذ من التعسّف أن يُحرم العريسان من دفء ليلتهما الأولى باسم ذهنيات آن لها أن ترحل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عودة "كشف العذرية" إلى مصر: الطالبات في المصيدة!

تمرد المصريات.. اعترافات بفض غشاء البكارة