08-مايو-2023
دراجون جزائريون في الطريق السيار (فيسبوك/الترا جزائر)

دراجون جزائريون في الطريق السيار (فيسبوك/الترا جزائر)

رحّب كثيرون بقرار منع سير الدراجات النارية ليلًا بالعاصمة حيث دخل حيز تنفيذ هذا الإجراء بها بعد عيد الفطر مباشرة، وتبعه قرارٌ مماثل بولاية البليدة، وسط عدم استبعاد أن يعمم الإجراء على ولايات أخرى، وذلك دون النظر إن كان هذا الإجراء سيتسبب في أضرار لمواطنين آخرين، حيث أصبحت الدراجات النارية ضرورية في حياتهم سواءً لكسب رزقهم أو للتنقل أو لتلبية حاجاتهم اليومية من  خلال شركات البيع بالتوصيل.

صاحب مطعم قال  لـ "الترا جزائر" إن قرار منع سير الدراجات النارية بالعاصمة وقع كالصاعقة على مؤسّسته التي تقدم خدمات البيع بالتوصيل ليلًا

وإن كان هذا القرار مطلب سابق طال تنفيذه، إلا أن عدم التحضير له كما يجب وتوضيح تفاصيله للمعنيين به، جعله يتسبّب في حرمان البعض من وظائفهم ويقف حجر عثرة في تطوير خدمات التوصيل التي بدأت تنتعش في الجزائر بعد جائحة كورونا.

قرار بالمنع

في 19 نيسان/أفريل الماضي، أصدر والي الجزائر العاصمة عبد النور رابحي قرارين ولائيين، يتضمنان منع سير الدراجات النارية والسيارات التي "تسبب إزعاجا للمارة والساكنة في فترة الليل"؛ ويتضمن القرار الولائي الأول “منع سير الدراجات النارية التي يفوق حجم محركها 125 سم مكعب، من الساعة العاشرة 22:00 ليلًا إلى غاية السادسة 06:00 صباحًا”.

ونصّ القرار الثاني على "منع سير السيارات التي تسبّب أصواتها العالية إزعاجًا للمارّة والساكنة، والناتجة عن إدخال تعديلات عليها".

وأعلمت مصالح الدرك، أن كل مخالف للقرارين توضع مركبته في المحشر لمدّة ما بين 8 و15 يومًا، مع تحملّه تكاليف المحشر.

وفي اليوم الـ23 من الشهر الماضي، أعلن رئيس مكتب التنسيق المروري بالقيادة العامة للدرك الوطني الرائد سمير بوشحيط أنّ الدراجات النارية ذات المحركات ما فوق 125 سنتيمترًا مكعبًا، إضافة إلى المركبات التي تصدر أصواتًا عالية، ستكون ممنوعة من السير بين العاشرة ليلًا بدءًا من هذا التاريخ.

بعد هذا القرار، التحقت ولاية البليدة بالعاصمة، وقرّرت منع سير السيارات والدراجات النارية المعدلة التي تصدر منها "أصوات عالية مزعجة في الفترة الليلة".

وقالت مصالح الدرك الوطني في منشور لها على صفحة "طريقي"، إنه "تبعًا للقرار الولائي الصادر عن والي ولاية البليدة فإنه سيتم منع سير السيارات والدراجات النارية التي تسبّب أصواتها العالية إزعاجًا للمارة والساكنة الناتجة عبر إدخال تعديلات عليها، ابتداءً من الساعة 22:00 ليلًا إلى غاية الساعة 06:00 صباحًا".

إلى هنا، قال المنسق الوطني للمنظمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه فادي تميم لـ"الترا جزائر" إن جمعيته ترحب بهذا القرار، بالنظر إلى أن مطلب رفعه عديد المواطنين القاطنين بالمدن الكبرى، كون بعض الدراجات النارية والمركبات ذات الأصوات القوية تسبب ضوضاء تزعج المستهلكين، وبالخصوص في الفترة الليلية.

متضررون من القرار

غير أن هذا الترحيب الذي عبر عنه كثير من المواطنين في العاصمة والبليدة، لم يكن صادرًا من الجميع، فبعض الفئات تضررت من قرارات واليي العاصمة والبليدة، وفي مقدّمتها الشركات التي تقدم خدمات التوصيل، وفي أغلبها مؤسّسات شبابية ناشئة نشط عملها بالجزائر في جائحة كورونا التي ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في إنعاش هذا النشاط الذي كان محدودا في الجزائر سابقا.

وقال زكريا سعادة صاحب  مطعم "ماك دلاس" الذي يملك فرعين لعلامته بالعاصمة بكل من دالي براهيم وباب الزوار  لـ"الترا جزائر"، إن قرار منع سير الدراجات النارية بالعاصمة وقع كالصاعقة على مؤسّسته التي تقدم خدمات البيع بالتوصيل، وبالخصوص للفنادق في الفترة الليلية بالنظر إلى وجودها في مكان كحي باب الزوار الذي يحوي عدّة مؤسسات فندقية يقصدها الزوار والسياح.

وأوضح زكريا أنه من غير المعقول أن يصدر قرار بمنع السير على الساعة العاشرة مساءً في فصل الصيف، ونحن على أبواب  موسم الاصطياف الذي يعد أحسن فترة للعمل بالتوصيل، بالنظر إلى أن الناس يسهرون إلى فترات متأخّرة من الليل.

وبين زكريا أن قرار الولاية كان مبهمًا ولا يحمل توضيحات وتفصيلات كافية، الأمر الذي جعل مطعمه الذي كان يشغل خمس سائقين للدراجات النارية يلجأ إلى تخفيضها إلى دراجتين فقط، كما أن هاتين الدراجتين أصبحتا من الصعب استغلالهما ليلًا بالنظر إلى عزوف السائقين عن العمل مخافة التعرّض للعقوبات التي صدرت في القرارين الولائيين.

وحسب زكريا، فإنه كان من المفروض على الولاية أن تضع حالات استثنائية تخص الشركات العاملة ليلا والتي تستعمل الدراجات النارية، خاصة وأنه من الصعب تعديل هذه الدراجات مقارنة بالسيارات، مضيفًا أن مطعمه أصبح يضطر لاستعمال السيارات، لكنها ليست وسيلة فعالة في خدمات البيع بالتوصيل، بالنظر إلى أن تكلفتها أكبر وتحتاج إلى وقت أكبر.

وبدورهم، عبر بعض العمال الذين يداومون ليلًا عن امتعاضهم من هذا القرار، كون  الدراجات النارية هي وسيلة تنقلهم في الساعات المتأخرة من اليوم، بالنظر إلى عدم توفّر النقل ليلًا بالعاصمة، وعجز السلطات الولائية منذ سنوات عدة في تحويل عاصمة البلاد إلى مدينة لا تنام كغيرها من عواصم العالم.

مراجعة

لا ينكر المنسق الوطني للمنظمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه فادي تميم  في حديثه إلى "الترا جزائر"، أن قرار منع سير الدراجات النارية ليلًا راعى مصالح طرف معين من المستهلكين على حساب آخر، معيبًا في هذا الإطار على السلطات الولائية عدم استشارة جميع الأطراف قبل إصدار قرار كهذا، خاصة وأن فترة إصداره جاءت في وقت لم ينتبه له كثيرون كونه جاء في رمضان وعشية عيد الفطر، وهو وقت لا يكون فيه المواطنون منشغلين بالقضايا التي تخرج عن إطار هذه المناسبة الدينية.

وحسب فادي تميم، فإن البيع بالتوصيل خدمة تعبر عن جانب من رفاهية المستهلك، وهو نشاط يجب على الجميع العمل على تطويره، لا عرقلته، مضيفا أنه كان من المستحسن إصدار رخص استثنائية لمن يقومون بهذه الخدمة ليلا.

ويعتقد ممثل منظمة المستهلك أنه من الأحسن مراجعة هذا القرار، لكي يراعي مطالب هذه الفئة مع الحفاظ على الغاية التي سن من أجلها وهي القضاء على الضوضاء التي تحدثها الأصوات المزعجة لبعض الدراجات النارية، مشيرًا في هذا الإطار أن منظمته تلقت عدة استفسارات من مواطنين لم يفهموا تفاصيل هذا القرار، وبالخصوص الذين أثر على قضاء مشاغلهم، كالأشخاص العاملين في الفترات الليلية.

مكلفة بالإعلام في مندوبية أمن الطرقات: الدراجات النارية لم تعد في الجزائر مصدر إزعاج بصوتها فقط، إنما أيضًا أصبحت تشكّل مصدر خطر

من المؤكّد أن الدراجات النارية لم تعد في الجزائر مصدر إزعاج بصوتها فقط، إنما أيضًا مصدر خطر إذ تسببت - حسب المكلفة بالإعلام في المندوبية الوطنية للأمن عبر الطرقات فاطمة خلاف - في 20.67 % من حوادث المرور المسجلة خلال الأشهر السبعة الأولى من 2022، إلا أن معالجة هذا المشكل لا يعني اتخاذ قرارات تحقق مصالح فئات على حساب حقوق فئات أخرى.