12-مايو-2021

تُظهِر التطوّرات السياسية الأخيرة في الجزائر أن المسافة تتباعد أكثر فأكثر بين السلطة والحراك الشعبي المستمرّ والمصرّ على التظاهر، وبينما تتوعّد وزارة الداخلية بالتعامل مع المظاهرات على أساس عدم شرعيتها، وإمكانية استخدام القوة لفضّها، تصرّ مكوّنات الحراك على تجاهل تهديدات السلطة ومواصلة التظاهر وعدم طلب أي ترخيص من السّلطات.

عملت السلطة خلال الفترة الماضية على التمهيد لمنع مظاهرات الجمعة بشنّ حملة إعلامية ودعائية ضدّ الحراك

اللافت أن السلطة التي نجحت خلال الأسبوعين الماضيين في إجهاض مظاهرات الحراك الطلابي الذي كان ينتظم كل يوم ثلاثاء، ولكنّ في مقابل ذلك استعصى عليها حراك الجمعة، بسبب حجم الحشود المشاركة فيه، مع وجود مخاوف من انزلاقات قد تحدث، رغم أنها عملت خلال الفترة الماضية على التمهيد لمنع مظاهرات الجمعة بشن حملة إعلامية ودعائية ضدّ الحراك، واتهام تنظيمات معينة باختراقه وتحويل وجهته ومطالبه السياسية على غرار حركة "رشاد" و حركة "الماك" الانفصالية، وكذا محاولة إثبات وجود مخاطر أمنية تترتّب عن مزاعم بوجود خطط لتنفيذ تفجيرات تستهدِف المظاهرات من قِبل المجموعات الإرهابية.

اقرأ/ي أيضًا: منع مسيرة الطلبة وتوقيف صحفيين لساعات

نحو المنع

وفي علاقة ببيان وزارة الداخلية، تسير السلطات نحو "منع كامل المسيرات في الشارع"، إذ ستكون الجمعة المقبلة أي الجمعة 117 المؤشّر الأوّلي لمدى اذعان الحراكيين لقرارات الداخلية، رغم أنّها ستكون يوم عطلة العيد.

في قراءة أخرى للبيان، فإن السلطات الجزائرية وجّهت تحذيرات شديدة اللهجة، لمختلف مكونات الحراك الشعبي، أهمّها: ضرورة إيداع تصريح لدى السلطة المختصة إقليميًا للمسيرات والكشف عن أسماء المسؤولين عن تنظيمها وشعاراتها قبل تنظيمها"، وهو ما يفسّر على أنه دون هذه الخطوة من طرف المشاركين في الحراك سيكون "غير شرعي وسيتم التعامل معه بالقانون والردع". 

وبالعودة للبيان نفسه، أكدت الداخلية الجزائرية أن "المسيرات الأسبوعية أصبحت تعرف انزلاقات وانحرافات خطــيرة ولا تُبالي بما يعانيه المواطن من انزعاج وتهويل ومساس بحرّيتهم"، مشيرًا الى أن "تغيير اتجاه المسيرات في كلّ وقت، بدعوى الحرّية في السير في أيّ اتجاه وعبر أي شارع، يتنافى مع النظام العام وقوانين الجمهورية". 

الملفِت أن المظاهرات استمرت على أكثر من 116 أسبوع، وازدادت زخمًا رغم ما قدّمته السّلطة من ضمانات تحفيز الغاضبين للنضال في أطر شرعية مؤسّساتية عبر البرلمان المقبل، واعترافها بـ "الحراك الشعبي المبارك"، غير أن المسيرات ظلّت "تفاجئ السلطة وقوات الأمن على حدٍّ سواء"، حسب تصريح الناشط الحقوقي عبد الوهاب دريري لـ "الترا جزائر"، مشيرًا إلى أنه في الجمعة الأخيرة المتظاهرون غيّروا مساراتهم في العاصمة الجزائرية تفاديًا لتلاقي رجال أمن، وتلافي التصادم معهم. 

في سياق متصل، لفت بيان الداخلية إلى تكريس حقّ المسيرات كحق دستوري تضمنه الدستور الجديد في 2020، الذي وضع حق التظاهر مشروع للجميع بشرك إبلاغ الهيئات المعنية بذلك، إذ جاء في البيان "من الضروري طلب الترخيص للمسيرات الأسبوعية ، وبضرورة التصريح المسبق لدى المصالح المختصة من طرف المنظمين بأسماء المسؤولين عن تنظيم المسيرة وساعة بداية المسيرة ونهايتها، وكذا المسار والشعارات المرفوعة وفق ما يتطلبه القانون" مشيرا الى أن "عدم الالتزام بهذه الإجراءات يعتبر مخالفة للقانون والدستور، مما ينفي صفة الشرعية عن المسيرة ويوجب التعامل معها على هذا الأساس". 

وفيما تعلق بالفقرة الأخيرة من البيان، يشرح الباحث في العلوم القانونية عبد الكريم خلاصي لـ "الترا جزائر" أن عدم التزام المتظاهرين بما جاء من التدابير الجديدة، يعني أن المسيرات غير شرعية وغير مسموح لها بالاستيلاء على الفضاء العام، موضحًا أن هذه التدابير تعطي للجهاز المكلف بحفظ الأمن بالتعاطي معها بحزم". 

وذهب الباحث نحو الحديث أن البيان واضح من حيث إجرائيته في الميدان، قائلا أن "منع المتظاهرين من السير في مسيرات الجمعة لعدم التصريح بها سيعطي شرعنة لاستعمال القوة". 

ضغط تعدّدي

سياسيًا، تأتي هذه التحذيرات التي تضمنها بيان الداخلية إضافة للاحتقان الاجتماعي في الشارع الجزائري، فعدّة قطاعات تعيش على فوهة بركان أهمها قطاع التربية، ناهيك عن ضعف الظروف المعيشية للجزائريين بسبب أزمة وباء كورونا وارتداداتها على القدرة الشرائية. 

هذه المعطيات بحسب المتابعين للشأن العام في الجزائر، ستُلقي بظلالها على الظرف السياسي التي تعيشه الجزائر منذ بدء الحراك الشعبي في 22 شباط/فيفري 2019، خاصّة وأنه من المرتقب انطلاق الحملة الانتخابية في الـ 17 ماي/أيار الجاري، تحسبًا للانتخابات البرلمانية في الـ 12 حزيران/جوان المقبل، حيث تتصاعد المخاوف السياسية في الجزائر من حدوث صدام في الشّارع يوم الجمعة المُقبِل بين السّلطة والحراك الشعبي، عقب نشر وزارة الداخلية الجزائرية.

انقلاب على الحراك

إضافة الى الرفض السياسي والمدني في الداخل الجزائري لقرار منع المظاهرات، حذّرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الداخلية الجزائرية من تنفيذ تهديداتها بمنع التظاهر، ودانت الرابطة "قرار فرض تصريح أولى، يخفي بشكل سيء رغبة السلطة في وضع حدّ للحراك، وهي بذلك تتخطى خطوة جديدة في طريق الانزلاق".

واستغربت المنظمة الحقوقية في بيان لها  هذه الخطوة، وبيان الداخلية متسائلة: "كيف لسلطة باركت بحراك شعب خرج في شباط/ فبراير 2019 دون أي وصاية، لا ترخيص ولا تصريح، بعد أن قامت بدسترته تنقلب عليه لتفرض كل أشكال القيود لإسكاته و انهائه بالقوة و المناورات"، فان  والتفاعل مع قرار منع المظاهرات غير تجاوز البعد المحلي، حيث عبرت  المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الانسان عن قلقها وطالبت سلطات الجزائرية بالكف عن استخدام العنف لتفريق المظاهرات السلمية ، والحدّ من الاعتقالات التعسفية واحتجاز الأفراد، بسبب ممارستهم حقوقهم في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، فيما حذّرت الرابطة الجزائرية لحقوق الانسان الحكومة من الانزلاق نحو تبني خيار الحل الأمني.

تتوجّه الأنظار إلى مظاهرات الجمعة المقبل للنظر ما إذا كانت السلطات ستنفذ قرار منع التظاهر

وعلى أية حال، فبعد منع السلطات الجزائرية للأسبوع الثالث على التوالي مسيرات الطلبة واعتقال الناشطين، تتوجّه الأنظار إلى مظاهرات الجمعة المقبل، للنظر ما إذا كانت السلطات ستنفذ قرار منع التظاهر وكذا كيفية التعاطي معه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أمنستي" تدعو للامتناع عن استخدام القوة ضد متظاهري الحراك

الحراك الشعبي.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في منطقة القبائل