من الحِبر إلى الصورة.. أين وصلت القنوات التلفزيونية الخاصة في الجزائر؟
3 يونيو 2025
يصِف البعض القنوات التلفزيونية الخاصة في الجزائر بأنها تعمل في "منطقة رمادية"، إذ لا تتمتع بعد باستقرار قانوني واضح ولا بتطور مهني ملموس.
رغم مرور أكثر من عقد من الزمن، لم تتمكّن معظم القنوات الخاصة في الجزائر من بناء هوية إعلامية واضحة
ما الذي يُعيق نُضج هذا القطاع الحيوي؟ هل تكفي القوانين وحدها لتحقيق هذا النضج، أم أن التطبيق العملي والتجربة الميدانية لهما الدور الأكبر في تحقيق التطور المطلوب؟
انطلاقة التلفزيونات الخاصة
شهد ربيع 2012 انطلاقة أولى القنوات التلفزيونية الخاصة في الجزائر، حين ظهرت تباعًا كل من "النهار تي في" و"الشروق تي في"، في نسختهما الأولى كقناتين عامّتين.
ومع مرور الوقت، أعادت كل منهما تموضعها كمحطتين إخباريتين، في سياق مشحون بالتحولات السياسية والاجتماعية التي أعقبت حراك كانون الثاني/ يناير 2011.
ومع هذا التحوّل، اشتعلت المنافسة بين القناتين في سباق محمُوم نحو كسب الجمهور وفرض الحضور في مشهد إعلامي كان لا يزال في طور التشكّل.
بعد مرور 13 سنة على فتح قطاع السمعي البصري أمام الاستثمار الخاص، لا يزال المشهد الإعلامي في الجزائر يواجه نكسات متتالية، وسط وضع غير مستقر لقنوات تلفزيونية خاصة لم تتجاوز بعد مرحلة التأسيس الفعلي.
بين ترسانة قانونية لم تكتمل ملامحها، ومشاكل مزمنة لم تجد طريقها إلى الحل، تواصل هذه القنوات عملها في ظل حالة من "الانتظار" المفتوح، تعكس الغموض الذي لا يزال يلف مستقبل الإعلام السمعي البصري في البلاد.
فعلى الرغم من بلوغ عدد القنوات الخاصة إلى 54 قناة وإغلاق بعضها وظهور أخرى إلى جانب عشرات المواقع الإلكترونية، إلا أنّ هذا القطاع لم يشهد التحول المنشود.
ويؤكد كثير من مهنيي القطاع اتساع الفجوة بين الكم والنوع، في ظلّ تراجع واضح في حرية التعبير، وتزايد التضييق على المنابر الإعلامية، ما يعكس مفارقة صارخة بين الانفتاح التشريعي والواقع الميداني.
القنوات التلفزيونية.. من الورق إلى الشّاشة
انطلقت القنوات التلفزيونية الخاصة في الجزائر كامتداد طبيعي للصحافة الورقية، حيث اعتُبر هذا التحول بمثابة "ولادة جديدة" لهذه المؤسسات الإعلامية.
ويمكن وصف هذا التحوّل بالقول إنّ لكلّ صحيفة قناتها الخاصة، إذ توجه ملاك الصحف الخاصة لإنشاء قنوات تلفزيونية خاصة بهم.
لكن هذا المنطق لم يكن متكافئًا، إذ إن مؤسسة صحافية بنيت على الصحافة المكتوبة لا تمتلك نفس موازين القوى أو الأدوات اللازمة لإطلاق قناة تلفزيونية، لا من حيث الكادر الإعلامي ولا من حيث الاستراتيجية الإعلامية، وهو ما يتطلب استشراف النتائج بعناية.
وبالفعل، تحولت هذه القنوات إلى ما يمكن تسميته بـ"صحافة ورقية مرئية"، حيث تُعاد تدوير المواد المكتوبة في التقارير التلفزيونية بشكل مباشر.
ولعلّ الطُّرفة هنا أنّ بعض القنوات بدأت عملها من مكتب صغير، تنتظر تجهيز استوديوهات ومكاتب ضخمة تتطلب استثمارات بالمليارات.
وهكذا، من رحم الصحافة الورقية، خرجت القنوات التلفزيونية الخاصة حاملةً معها تحديات الانطلاق في فضاء جديد، حيث تداخلت التجارب القديمة وصحافة وسمت بالمستقلة ليصبح المصطلح المتداول " صحافة خاصة"، تسعى لتحقيق طموحات المستقبل.
تحديات.. التشريع شبه مُكتمل
وسط محاولات مستمرة لفهم التحديات التي تعترض القنوات التلفزيونية الخاصة، يبرز واقع هذه الوسائل الإعلامية كمرآة تعكس تعقيدات القطاع الخاص في الجزائر.
فمنذ صدور قانون الإعلام في 2014، ظلت العديد من البنود الأساسية لتنظيم قطاع السمعي البصري بحاجة إلى إعادة نظر، لا سيما دفتر الشروط التنظيمي الخاص بهذه القنوات.
وعند الحوار مع مهنيي الإعلام أو من خلال الممارسة الميدانية، تتضح معاناة القطاع عن قرب، وسط غموض قانوني مستمر. فهذه القنوات، رغم ارتباط إنتاجها بالمجتمع الجزائري، تعمل رسمياً كقنوات أجنبية، وهو وضع يضاعف من تعقيدات وضعها القانوني.
ووفقاً لما تم رصده من خلال تجربة الميدان واستقصاءات موسعة مع مهنيي القطاع على مدار أكثر من عقد من الزمن، يتضح أن هذه التحديات ليست نظرية فقط، بل هي واقع يومي يعيشه الإعلام الجزائري الخاص.
وخلال السنوات الخمس الماضية، شددت السلطات على ضرورة استكمال الإطار التشريعي، إلا أن ذلك بقي حبرًا على ورق حتى صدور القانون العضوي الجديد للإعلام في منتصف 2023.
هذا القانون، الذي يضم 56 مادة، وضع مبادئ أساسية لتنظيم النشاط الإعلامي، مؤكداً على "حرية التعبير ضمن إطار يحترم الدستور والقيم الوطنية".
كما حدد معايير تمويل الوسائل الإعلامية، واشتراطات توظيف الصحفيين، وفرض رقابة على التمويل الأجنبي، إلى جانب إنشاء هيئتين مستقلتين للضبط والإشراف.
مع ذلك، يظل التحدي الأكبر في التطبيق، حيث تتأخر إجراءات اعتماد القنوات رسمياً، ولا تزال العديد منها تبث من الخارج رغم أن محتواها محلي بامتياز، مما يسلط الضوء على الفجوة بين النصوص القانونية والواقع الميداني.
مضمُون القنوات.. أي رسالة؟
رغم مرور أكثر من عقد على انطلاق القنوات الخاصة في الجزائر، لم تستطع معظمها بناء هوية إعلامية واضحة، وهو أمر يعترف به العديد من الصحافيين، فيما يسميه الإعلامي رياض هويلي بـ"المُصارحة".
وفي تصريح خاص لـ"الترا جزائر"، أوضح هويلي أنّ العديد من القنوات الخاصة ركزت في سنواتها الأولى على "إثبات الوجود" أكثر من تطوير مضامين تضيف قيمة حقيقية وتخلق تنافساً حقيقياً داخل الساحة الإعلامية، سواء المحلية أو الأجنبية.
وأضاف هويلي أن هناك فجوة واضحة بين النظرية الإعلامية والممارسة الفعلية لهذه القنوات، خاصة عند تقييم تجربة تجاوزت العقد من الزمن، إلى جانب التجربة الأوسع للقطاع الإعلامي الخاص في الجزائر الذي يمتد لأكثر من 34 سنة.
الإعلامي رياض هويلي: خلال هذه السنوات من نشاط القنوات الخاصة لم تستطع معظمها بناء هوية إعلامية واضحة
وفيما يتعلّق بجزئية إثبات الوجود، يشير هويلي إلى أن بعض القنوات، "حتى لا نكون عدميين" – كما قال – لم تتمكن من وضع جودة المحتوى في مقدمة أولوياتها، وهو ما يفسر إلى حد ما تكرار المواد المنشورة في الصحافة بشكل عام.
وفي عام 2025، يبدو أنّ أغلب القنوات تتبع نهج "استنساخ" عدة برامج، سواء كانت اجتماعية أو رياضية أو فنية، ما يبرز تشابهاً كبيراً في المحتويات والأساليب، ويعكس محدودية التنوع والابتكار في المشهد الإعلامي الخاص.
التنوع الإعلامي غائب؟
تشهد الساحة الإعلامية لا سيما في القنوات التلفزيونية تراجعًا ملحوظًا في تنوع المحتوى، التي باتت تعتمد على نمط "البرامج المستنسخة".
وأصبح من المعتاد أن نجد شبه تطابق من البرامج الاجتماعية والفنية والرياضية، تُعرض على شاشات مختلفة دون تقديم طرح جديد أو تجربة مبتكرة.
هذا التشابه في الصيغة والمضمون ساهم في خلق حالة من الركود الإعلامي، إذ يعود هذا التوجه في جزء كبير منه إلى عدة عوامل، أبرزها سعي المؤسسات الإعلامية الاستثمار في البرامج الجماهيرية ذات التكلفة الأقل على حساب المغامرة بتقديم محتوى جديد قد لا يلقى نفس الرواج التجاري.
كذلك، لعبت المنافسة الرقمية دورًا في تسريع وتيرة الإنتاج وتقليص مدة التخطيط والتطوير، ما أدى إلى تغليب الكمية على الجودة.
أما فيما يخص التغطية السياسية، فالمشهد قاتم، فقد غابت النقاشات الجادة والتحليلات المعمقة عن معظم الشاشات، لصالح نشرات إخبارية سريعة وتقارير سطحية تفتقر إلى السياق والتفسير.
ويرجع الباحث في قسم الإعلام في سلك الدكتوراه بجامعة الجزائر أمين دمبري "هذا التراجع إلى عدة أسباب، منها القيود المتزايدة المفروضة على التناول السياسي في وسائل الإعلام، وتقليص هامش الحريات الصحفية، ما جعل المؤسسات تتفادى التطرق إلى القضايا الحساسة أو المثيرة للجدل".
الكفاءات ودفتر الشروط المهني
في المُقابل، كشفت استبيان بحثي عن ورود عامل آخر يتمثل في في غياب الكفاءات التحليلية، سواء من الصحفيين أو الضيوف المتخصصين، في إضعاف جودة المحتوى السياسي.
أستاذة الإعلام حسينة بوالشيخ لـ" الترا جزائر": عدم تفعيل الإطار القانوني المحدد لنشاط القنوات فضلا عن دفتر شروط تلتزم به، يفسح المجال لممارسات بعيدة عن الموضوعية والمهنية
ترى أستاذة الإعلام والاتصال بجامعة عنابة (شرق) حسينة بو الشيخ أنّ مع عدم تفعيل الإطار القانوني المحدد لنشاطها، فضلا عن دفتر شروط تلتزم به هذه القنوات، يتضمن متطلبات واضحة لعملها، من شأنه فسح المجال لممارسات بعيدة عن الموضوعية والمهنية.
وأكدت لـ" الترا جزائر " على ضرورة تفعيل الدور الرقابي على هذه القنوات الذي يساعد على ردم تلك الهوة بين العمل المهني والرسالة الإعلامية، موضحة أنّ هذه القنوات تشهد حالة من الفوضى وتراكم لتجارب يمكن أن تؤثر على الفضاء الإعلامي عموما.
القنوات الخاصة في مفترق طُرق.. القانون وحده لا يكفي
تُواجه القنوات التلفزيونية الخاصة في الجزائر تحديات جسيمة تعيق نضوجها، معظمها مرتبط بغموض الإطار القانوني، وضعف الإمكانيات، ونقص الخبرة، إضافة إلى ظواهر شعبوية تؤثر سلبًا على جودة المحتوى.
ومع صدور القانون الجديد للإعلام وظهور هيئات ضبط مستقلة وتفعيل عملها ميدانيا، تبرز أمام هذه القنوات فرصة حقيقية لتحقيق نقلة إعلامية واضحة، لكن بشرط الالتزام بمعايير المهنية والاستقلالية، والعمل الجاد على تطوير محتواها وطاقمها الإعلامي.
الإعلام.. من الأخطاء السابقة إلى أفق جديد
بالعودة إلى الوراء، مرّ قطاع السمعي البصري في الجزائر بعدة محطات وتجارب، تعتبر في نظر المهنيين تكرارًا لأخطاء الصحافة الورقية الخاصة التي نشأت عقب سنّ دستور جديد عام 1989، لكن في ظلّ غياب تنظيم واضح خلال مراحل التحول الإعلامي، أصبحت قنوات عرجاء تقوم بالترميم على ما تبثه أو تنشره عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
لذلك تقف القنوات الخاصة اليوم على مفترق طرق: فالقانون الجديد يشكل خطوة مهمة، لكنه لن يفي بالغرض إذا لم يصاحبه تطبيق فعلي وإصلاحات جوهرية في طريقة العمل.
الكلمات المفتاحية

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين
في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض
أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.

بعد التتويج الـ 9 .. اتحاد الجزائر يلحق بشباب بلوزداد في سجّل الأبطال
عَادَل اتحاد العاصمة الرقم القياسي لشباب بلوزداد بتتويجه بكأس الجمهورية للمرة التاسعة، في يوم رمزي يصادف عيد الاستقلال والذكرى الـ 88 لتأسيس النادي، ليُشعل بذلك من جديد فتيل المنافسة التاريخية بين الناديين ويفتح فصلًا جديدًا في سباق الألقاب.

ليسوا أرقامًا... بل قصصًا: 374 ألف راسب في "البيام" بالجزائر
أكثر من 300 ألف تلميذ رسبوا في امتحانات شهادة التعليم المتوسط بالجزائر، رقم ثقيل وذو دلالة، لا يمكن المرور عليه مرور الكرام. لكنه، بحسب أبجديات المهنة الصحفية، لا يُقرأ كرقم مُجرّد فقط، بل كمدخل إلى قصص فردية وجماعية، قد نصل إلى تفاصيل بعض أسبابها، أو نكشِف جانبًا واحدًا منها على الأقلّ في منظُومة تهمّ المجتمع.

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين
في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

وفاة الصحفي علي ذراع بعد صراع مع المرض
توفي مساء أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة الإعلامي علي ذراع عن عمر ناهز 78 سنة بعد صراع مع المرض، حسب ما أفاد به أقاربه.

طقس الجزائر: حرّ شديد ورعد وضباب
توقعت مصالح الأرصاد الجوية، اليوم الأربعاء 16 تموز/جويلية 2025، تسجيل موجة حر وتساقط أمطار رعدية معتبرة محليا على عدة ولايات من الوطن.

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض
أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.