30-مايو-2018

تتعامل بعض صحف الجزائر مع الصفحات الثقافية كمنفى عقابي لمستخدميها (Getty)

هناك عدّة أدلةٍ على أننا لا نملك صحافة ثقافية في الجزائر، بالمعايير والمفاهيم المتعارف عليها عالميًا، والتي تمنحها مصداقيتها. ليس بالمقارنة مع المشاهد الغربية، فذاك باب يُثير شجونًا عميقةً إذا فتحناه، بل بالمقارنة مع بعض المشاهد المغاربية اللصيقة. بالموازاة، لا نستطيع أن ننكر أن هناك إعلاميين جزائريين محترفين، عادةً ما تستفيد من كفاءاتهم منابرُ عربية وفرنسية، ومن بقي منهم في الدّاخل فهو يعاني الحصار والغبار.

لماذا قبلت يا بني أن تشرف على القسم الثقافي في يومية وطنية، وأنت لا تعرف واحدًا من أكبر الكتاب الأحياء؟

ولرغبةٍ مني في بثِّ جرعةٍ من المرح في هذا الملف الحسّاس، سأكتفي بسرد لقطات حدثت لي مع ثلة من "الإعلاميين" المشتغلين في الصفحات الثقافية الجزائرية، منها أنني كنت ما بين 2011 و2014 مراسلًا للصّفحة الثقافية لموقع "الجزيرة نت"، وكنتُ أجد مواضيعي منشورة مرة أخرى في صحيفة جزائرية، باسم "صحافية" أخرى، من غير أن تغيّر فيها نقطة واحدة ما عدا أنها تضع اسمها مكان اسمي. ولأن بعض من كنت أكتب عنهم لا يتابعون الموقع الأصلي، فقد كانوا يضعون روابط المواضيع، التي تعنيهم مباشرة من الجريدة الجزائرية.

اقرأ/ي أيضًا: حرية الصحافة في الجزائر.. ضحك على الذقون

أثار هذا الأمر حفيظتي واتصلت بالمعنية، فقالت لي إنها لا تجد حرجًا في ذلك، فالأنترنت، بحسب فهمها العميق، ملك مشاع. اتصلت بمدير النشر، فاكتفى بأن ردّد ما سمعته من صحفيته. وحدث مرّة أن كان أحدَ المتدخلين في ندوة عن الملكية الفكرية كنتُ منشطَها. واجهته بالأمر فغطّ في صمت عميق.

مرة صحوت على "قراءة" في كتابي "عطش الساقية"، الذي ضمّ رحلاتٍ وقصصًا قصيرةً جدًّا ومسرحياتٍ قام بها "صحفي" في يومية جزائرية، فقال عن الكتاب إنه رواية موضوعها الهجرة غير الشرعية، وإن بطلها فتىً يسمى طارق، وراح يسرد حكاية طارق بن زياد، وهو كلام لا يمت بصلة تمامًا، لطبيعة الكتاب ولطبيعة مضامينه. وقد ترقّى هذا العبقري، فبات يشرف على القسم الثقافي للجريدة.

تخرّج حديثًا من كلية علوم الإعلام والاتصال. وكان يأتي أحيانًا إلى فضاء "صدى الأقلام" الذي كنت أشرف عليه في "المسرح الوطني الجزائري". التمسنى مرّة في الدردشة الفيسبوكية، وزفّ لي خبر تعيينه رئيسًا للقسم الثقافي التابع لجريدة وطنية، وطلب مني أن أمدّه بأرقام كتاب جزائريين للتعامل معهم.

أذكر أنني بدأت برقم الأستاذ رشيد بوجدرة، فبادرني بالسؤال: هل هو متخصص في الشعر أم في الرواية؟ قلت: ألا تعرف بوجدرة؟ أطلق جملة من الهاءات: من يكون؟ قلت له: ولماذا قبلت يا بني أن تشرف على القسم الثقافي في يومية وطنية، وأنت لا تعرف واحدًا من أكبر الكتاب الأحياء؟

ودعيتُ قبل سنواتٍ من طرف المركز الثقافي الفرنسي في الجزائر العاصمة، إلى المشاركة في تظاهرة "ربيع الشعر"، مع نخبةٍ من الشعراء المتوسطيين، فحدث أن غطّت إحدى الصحف الوطنية الحدث، ذاكرةً جميع المشاركين ما عداي. سألت الصحفية التي فعلت ذلك، في حديث فيسبوكي، فقالت لي إن رئيس القسم الثقافي قال لهم في اجتماع إنه لن يسمح بذكر بوكبة حتى لو تحصل على جائزة نوبل، سألتها عن المهنية في هذا، فقالت: "أنا خاطيني.. شوف معاه".

أحد أنواع صحافيي الثقافة في الجزائر نوع عوقب في قسم السياسة أو الرياضة أو الاقتصاد، فأحيل على القسم الثقافي

اقرأ/ي أيضًا: فلسطين الوحيدة أمام أبواق الممانعة والتطبيع

لا شكّ في أن واقع الصحافة الثقافية المكتوبة في الجزائر يحتاج إلى بحث متعدّد الزّوايا يرصد السياقات، التي أدّت إلى أن يكون بهذه الهشاشة، غير أنه يجوز لنا القول إن الأقلام العاملة في الأقسام الثقافية تنتمي إلى أحد هذه الأصناف الأربعة. صنف عوقب في قسم السياسة أو الرياضة أو الاقتصاد، فأحيل على القسم الثقافي، وصنف التحق حديثًا بالجريدة، فأرادوا تجريبه في القسم الثقافي، وصنف نصف موهوب في فنّ من الفنون، فهو يستغلّ كونه يملك منبرًا في تهميش المواهب الحقيقية، وتلميع المواهب المغشوشة، وصنف عميق ونزيه، لكنه لا يملك النفوذ، الذي يؤهله لأن ينفع الجيّدين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما الذي يقترحه الخبراء لإنقاذ الصحافة الورقية من الانقراض؟

شرود رمضاني.. عن غزة وطلعت حرب والروح الهاربة