مهرجاناتٌ بلا سينما في الجزائر .. بين بهرجة الافتتاح والواقع المأزوم
28 سبتمبر 2025
مع حلول موسم المهرجانات السّينمائية الرّسمية في الجزائر، وعلى تغيّر مواعيدها وتأجيلاتها الكثيرة، تصدح القاعات المخصّصة لها بالاحتفالات والبهرجة، وتُفرش السّجادات الحمراء لاستقبال "نجومٍ" بمستويات فنية متفاوتة، إضافةً إلى استضافة صنّاع المحتوى بمختلف اختصاصاتهم، مع "قلّة" من صنّاع الأفلام، لتُغطّي وسائل الإعلام هذا المشهد وكأنّه احتفاء حقيقيّ بازدهار السّينما في الجزائر.
يطرحُ هذا التّناقض الصّارخ بين الاستعراض والمضمون تساؤلاتٍ جدية حول وظيفة المهرجانات في الجزائر؛ فهل أصبحت مجرّد أدواتٍ رمزية للزّينة الثّقافية؟ وهل يُمكن أن يُختزل الفنّ السّابع في لحظة احتفالية عابرة
خلال ذلك، تُعرض الأفلام المبرمجة، قديمة وجديدة، تُقام النّدوات، تُوزّع الجوائز والتّكريمات، ويُقدَّم كلّ شيء بواجهة احتفالية توحي بأنّ السّينما الوطنية في أوج عطائها، غير أنّ هذه الصّورة البرّاقة لا تصمد كثيرًا أمام أوّل نظرة مسلّطة على الواقع؛ لأنّ الإنتاج السّينمائيّ المحليّ يُعاني من نُدرة قاتلة، كما أنّ قاعاتِ العرض في انقراض، أمّا المخرجون والممثّلون والتّقنيون فيعيشون - في معظمهم- أوضاعًا هشّة، ويتخبّطون أمام قوانين ومراسيم غامضة وقراراتٍ اعتباطية تُكبّل الإبداع وتحاصر الكلمة والصّورة.
يطرحُ هذا التّناقض الصّارخ بين الاستعراض والمضمون تساؤلاتٍ جدية حول وظيفة المهرجانات في الجزائر؛ فهل أصبحت مجرّد أدواتٍ رمزية للزّينة الثّقافية؟ وهل يُمكن أن يُختزل الفنّ السّابع في لحظة احتفالية عابرة بينما تنهار بُناهُ التّحتية يوما بعد يوم، كما ينقطع الدّعم غير المنتظم في مُجمله، وتنعدم الرّؤى الاستراتيجية؟ هل يكفي الاحتفاء الظّاهريّ في غياب السّياسات العميقة الّتي تضمن للفنّانين والفنّيين حقّهم في إنتاج أعمالهم، عرضها، توزيعها والوصول بها إلى الجمهور؟
هنا، نحاول سبر أغوار هذه الإشكالية المركّبة، عبر قراءة نقدية للمهرجانات السّينمائية الجزائرية، بين ما تعلنه من أهداف، وما تعكسه من واقع، وبين إمكانات التّحوّل، وحدود الخداع البصريّ.
مشاهد برّاقة وكواليس مُظلمة
يُرافق هذا المشهدُ الاحتفاليّ المهرجانات السّينمائية في الجزائر في كلّ مرّة، ليُوحي بوجود حركة فنّية نشطة وبيئة إبداعية مزدهرة، لكنّه في الحقيقة لا يعكس الواقع الّذي يعيشه الفنّانون والعاملون في القطاع السّينمائي، لأنّ البساط الأحمر وحفلات الافتتاح ليست سوى قشرة يحاول المنظّمون تلميعها لتغطّي فراغًا بُنيويًا، وضعفًا مؤسّساتيًا في دعم الإنتاج،إضافة إلى غيابٍ تامّ لإرادة سياسية تجعل من السينما أولوية ثقافية رغم ما نظّم من جلسات سينمائية مع رئيس الدّولة عبد المجيد تبّون ولقاءات متقطّعة نظّمت هنا وهناك من طرف الجهات الوصية.
لا ينعكس هذا الزّخم الظّاهري على الجمهور المحليّ، إذ تظلّ قاعات السّينما مغلقة في معظمها بلا ترميم، كما أنّ العروض محدودة، والتّواصل مع المتفرّج منعدم،
مع تعاقب هذه الاحتفاليات داخليا وعلى السّاحل، لا شيء يتغيّر، فخلف الكواليس، يُعاني المخرجون من تعقيدات بيروقراطية في الحصول على تراخيص التّصوير، أو في تمرير سيناريوهاتهم أمام لجان قراءة خاضعة لمعايير غامضة، أو خجولة في التّعامل مع المواضيع الحسّاسة، أمّا المُنتجون، فيصطدمون بندرة صناديق الدّعم أو عدم انتظامها، ما يضطرّ الكثيرين منهم إلى اللّجوء إلى التّمويل الأجنبيّ الّذي قد يضعهم في قوائم سوداء، أو التّوقّف عن مشاريعهم بالأصل.
في حين يشتكي الممثّلون والتّقنيون من نُدرة فرص العمل، هشاشة عقود التّشغيل والوضعيات المبهمة، فضلاً عن عدم وجود نقابات تحميهم أمام مراسيم تنفيذية تصدر بين الفينة والأخرى لتثبت تدخل العديد من الجهات الرسمية في اتخاذ قرارات تخصص الفنّان في المقام الأول ولكنها لا تُشركه فيه.
من جهة أخرى، لا ينعكس هذا الزّخم الظّاهري على الجمهور المحليّ، إذ تظلّ قاعات السّينما مغلقة في معظمها بلا ترميم، كما أنّ العروض محدودة، والتّواصل مع المتفرّج منعدم، وهنا يُطرح السّؤال: ما الجدوى من عرض أفلام دولية لعدد من الضّيوف والصّحفيين، بينما يجد الجمهور الجزائري صعوبة بالغة في مشاهدة فيلم جزائريّ في مدينته أو قريته؟
وظيفة المهرجان في موضع تساؤل
يضع هذا التّناقض الحادّ بين البهرجة الخارجية والواقع المهنيّ المأزوم وظيفة المهرجانات السّينمائية في الجزائر تحت المجهر، ففي حين يُفترض أن تكون هذه التّظاهرات الثّقافية منصّاتٍ لدعم الصّناعة السّينمائية، تحفيز الإنتاج، وتوفير فضاء للتّفاعل بين الفنّانين، تتحوّل في كثيرٍ من الأحيان إلى مُناسبات احتفالية جوفاء، لتنفصل تمامًا عن الحاجات الحقيقية لأهل القطاع.
مثلاً، مهرجان دوليّ في مدينة لا تحتوي على قاعة سينما واحدة تشتغل بانتظام، فكيف لمهرجان أن يحتفي بالسينما الجزائرية في ظلّ غياب إنتاج فعليّ مستمر، ووسط ظروف خنقت مبادرات العديد من السّينمائيين الشباب؟
مهرجان دوليّ في مدينة لا تحتوي على قاعة سينما واحدة تشتغل بانتظام، فكيف لمهرجان أن يحتفي بالسينما الجزائرية في ظلّ غياب إنتاج فعليّ مستمر، ووسط ظروف خنقت مبادرات العديد من السّينمائيين الشباب؟
هنا، تنتج الفجوة بين الاستعراض السّياسي والإعلاميّ للمهرجانات، وبين غياب سياسة ثقافية حقيقية للسّينما، وضعًا عبثيًا يجعل من هذه التّظاهرات واجهات ديكورية لا أكثر، حتّى أنّ بعض المهرجانات باتت في نظر عدد من الفاعلين في القطاع، وسيلة للتّرقية الإدارية أو الاستغلال السّياسي، بدل أن تكون فضاءات للنّقاش الفني والتّجريب الإبداعيّ، في غياب معايير شفّافة لاختيار الأفلام أو توزيع الدّعم، لتصبح المهرجانات أداة للإقصاء بدل أن تكون منصّة للانفتاح.
هكذا، تتحول الدّبلوماسية الثّقافية الّتي يُفترض أن تُبنى على التّبادل والاعتراف، إلى مجرّد تمثيل رمزيّ سطحيّ يزيّن واقعا لا يجرؤ كثيرون على مسّه؛ الإنتاج المعطّل، الهياكل المعطوبة والعقول المبدعة المُحبطة.
قطاع سينمائي في أزمة مُستمرة
لا تبدو أزمة القطاع السّينمائي في الجزائر طارئة ولا سطحية، لأنها في الواقع بنيوية وعميقة، حيث تمتد جذورها إلى سياسات ثقافية متذبذبة ساءت مع الوقت ومع تعاقب المسؤولين، وغياب رؤية استراتيجية طويلة المدى، وقد تحوّل هذا القطاع مع مرور الزّمن من فضاء إنتاج فكريّ وفنيّ إلى حقلٍ مخيف مليء بالألغام البيروقراطية والقيود، ما جعل من العمل السّينمائي تحديًا وجوديًا يوميًا.
إنّ تقلُّص عدد قاعات السّينما من حوالي 400 قاعة خلال فترة الثّمانينات إلى عدد لا يكاد يُذكر اليوم، هو انعكاسٌ لانهيار بنية تحتية كانت تشكّل صمّام الأمان للتّرويج السّينمائي المحلي، واليوم، نجد قاعات مغلقة أو مهملة، تجهيزات متهالكة، وغياب شبه كلي لخُطّة وطنية لإعادة بعث ثقافة الفرجة الجماعية.
من جهة أخرى، يعاني الإنتاج السّينمائي بدوره من شحّ كبير، من حيث الكمّ وغياب الاستمرارية والاستثمار الحقيقيّ، حيث تظلّ المشاريع رهينة دعم الدّولة الذي يُوزّع غالبًا دون معايير شفّافة، ويخضع في كثير من الحالات لمقاييس سياسية أو محسوبية، بعيدًا عن الجدارة الفنية أو قيمة المشروع.
تقلُّص عدد قاعات السّينما من حوالي 400 قاعة خلال فترة الثّمانينات إلى عدد لا يكاد يُذكر اليوم، هو انعكاسٌ لانهيار بنية تحتية كانت تشكّل صمّام الأمان للتّرويج السّينمائي المحلي
من جهتها، تلعب الرّقابة كذلك دورًا خانقًا، فالثيمات الّتي تتناول قضايا الهوية، الدّين، الفساد، أو الذّاكرة الوطنية بحسّ نقديّ، تُواجَه أحيانًا بالمنع أو التّضييق، ما يُفرغ السّينما من بعدها الجريء والجدليّ، ويحوّلها إلى أداة تجميلية بدلاً من جعلها مرآة للواقع أو أداة للمُساءلة.
مهرجاناتٌ بلا صناعة سينمائية
تكشف لنا هذه المُفارقة عن خلل جوهريّ في فلسفة التّعامل مع السّينما في الجزائر، فبدل أن تكون المهرجانات امتدادًا لحيوية إنتاج محلّي وطنيّ، أصبحت بمثابة مظاهر استعراضية معزولة، تُستهلك إعلاميًا ولا تُثمر شيئا في الواقع.
إنّنا أمام مهرجاناتٍ تُقام بأموال عمومية باهظة، تُغطّيها الصّحافة بإفراط، وتُزيَّن بحضور أسماء "دولية" بشكل نسبيّ، لكنّها لا تُغذّي الصّناعة السّينمائية ولا مشاريع إنتاج مُشترك، كما أنها لا تخلق حوارًا حقيقيًا مع جمهورها، ولا تُمكّن الفنانين المحلّيين من فرص عادلة للعرض أو النّقاش.
من ناحية ما، قد تعرض هذه المهرجانات أفلامًا أجنبية لا تعكس السّياق الثّقافي أو الاجتماعيّ المحليّ، وتُقدَّم لجمهور محدود في فضاءات مغلقة -لكنّها في المُقابل- تُهمَّش الأفلام المحلية، خاصّة تلك الّتي قد تلامس قضايا حرجة كالحرّيات الفردية، أو التّاريخ الرّسمي، أو نقد الفساد السّياسي والإداري، حيث تُصاغ البرامج غالبًا بطريقة "آمنة"، تُراعي الخطوط الحمراء بدل أن تختبرها، وتُقصي الأعمال الجريئة لصالح أخرى "متوافقة" مع خطاب السّلطة أو المُنظّمين.
في غياب صناعة سينمائية قوية ومؤسّسات إنتاج مُستقرّة، يصبح المهرجان مجرّد واجهة تجميلية، تُخفي واقعًا يعاني من الشّلل، وبدل أن تُكرّس هذه التّظاهرات كمنصات لدعم الفيلم الجزائريّ، وتحفيز السّوق المحلية، وبناء جمهور سينمائيّ فعلي يملؤ القاعات الّتي نراها غالبا فارغة خلال المهرجان، تتحوّل إلى لحظات احتفالية قصيرة الأمد، لا تترك أثرًا على البنية التحتية أو الإبداع الفني، فهل نريد مهرجانات لتلميع الصّورة، أم أنّنا نبتغي سينما حقيقية تعبّر عنّا، تواجهنا، وتبني وعينا؟
قوانين خانقة ومضامين مُؤطّرة
لَم تَعُد الرّقابة في السّياق الجزائريّ الحاليّ مُجرّد تدخّل مُباشر في النّصوص أو في الصّور، فقد تحوّلت إلى قوّة قانونية وثقافية متكاملة تقيّد حرية التّعبير من جذورها، حيث صار المبدع مُحاطًا بمنظومة من الموادّ القانونية الّتي تُجرّم الغموض والتّأويل، وتُحاسب النية قبل الفعل، ويكفي أن يُساء فهم مشهد أو جملة أو تلميح ليجد المخرج أو الكاتب نفسه في مواجهة المساءلة أو المنع أو حتّى التهديد.
هنا، يتمّ اللّجوء إلى استخدام مفاهيم فضفاضة مثل "المساس بالثّوابت" أو "تشويه صورة الجزائر" أو "الإساءة إلى الذّاكرة الوطنية" كسلاح يفرض رقابة مُسبقة على عقل الفنّان قبل أن يكتب أو يصوّر، ليتمّ تفريغ الفنّ من قدرته على السؤال، على إرباك السّائد، وعلى تحفيز النّقد الجماعيّ، لتتحوّل السّينما من مرآة مُتحرّكة تعكس التّحولات والتّناقضات، إلى صورة جامدة ووظيفية لا تُزعج أحدًا.
يتمّ اللّجوء إلى استخدام مفاهيم فضفاضة مثل "المساس بالثّوابت" أو "تشويه صورة الجزائر" أو "الإساءة إلى الذّاكرة الوطنية" كسلاح يفرض رقابة مُسبقة على عقل الفنّان قبل أن يكتب أو يصوّر
في هذا السّياق، لا يغتال هذا الوضع جرأة المبدع فقط، بل يفرض عليه نوعًا من الرّقابة الذّاتية الخانقة، حيث يتعلّم تقييد نفسه قبل الوصول إلى قيود الرّقيب، فيتجنّب المواضيع "الحسّاسة"، ويتفادى النّقد المباشر، ليعيد إنتاج اللّغة الرسمية خوفًا من الإقصاء أو العقاب أو التّهميش.
بهذا، تخسر السّينما الجزائرية دورها التّاريخي كمجال للمقاومة الجمالية والفكرية، وتتحوّل مع الوقت إلى فضاء مأمون وخاضع، لا يُقلق الدّولة ولا يوقظ الجمهور.
بصيص أمل أو خداعٌ بصريّ؟
في قلب هذا الواقع الثّقيل، تطفو إلى السّطح محاولاتٌ فردية تحمل نَفَسًا مقاوِمًا، حيث نرى سينمائيّين شباب يغامرون بأفكار جريئة، يصوّرون بكاميرات بسيطة، ويعتمدون على الدّعم الجماعيّ، أو يبحثون عن فرص إنتاج وتمويل في الخارج، لتُظهر هذه المبادرات، رغم تواضعها، تعطّشًا حقيقيًا للتّعبير، ورفضًا للاستسلام أمام واقع بيروقراطيّ خانق.
إلى جانب ذلك، بدأت نجد مهرجانات محلّية تطوّعية، لا تملك بريق السّجاد الأحمر، لكنّها تملك جرأة طرح الأسئلة، ورغبة صادقة في بناء جمهور حقيقيّ.
تسعى هذه الفعاليات البديلة إلى إعادة تعريف معنى "السينما" و"المهرجان"، لا كاحتفال استهلاكيّ، بل كمجال للنّقاش، والتّجريب وكسر التابوهات.
لكن رغم كلّ هذا، تظلّ هذه المحاولات معزولة، وغير محمية بنظام ثقافيّ واضح المعالم، حيث تغير التّمويلات والبنية التحتية، مع قاعات قليلة وغير مناسبة ولا تستوعب الجمهور، غياب الدّعم التّقني، كما أنّ التّشريعات السّائدة لا تُشجّع على المخاطرة الفنية، بل تكرّس الهيمنة الإدارية والرّقابية على الإنتاج والمحتوى. وحتى عندما تنجح بعض التّجارب، غالبًا ما تبقى خارج دوائر التّوزيع والعرض، أو يُحتفى بها خارج البلاد أكثر مما تُحتضن في الداخل.
كيف نصنع المهرجان السّينمائيّ؟
قد تتجاوزُ المهرجانات السّينمائية في الجزائر طابعها الشّكلي وتتحوّل إلى أدوات فعالة في بناء المشهد السّينمائي، من خلال إعادة النّظر بشكل جذريّ في وظيفتها ودورها، لأنّ المهرجان في جوهره، ليس مجرّد تظاهرة عابرة تستعرض أفلامًا على مدى أيّام معدودة وتنتهي بحفل توزيع جوائز، بل إنّه فضاء استراتيجيّ، ينبغي أن يعمل على خلق ديناميكية ثقافية وإبداعية متواصلة.
في البداية، وجب أن يتحوّل المهرجان إلى منصّة حقيقية لدعم الإنتاج الوطنيّ، عبر توفير صناديق تمويل شفّافة، وورشات كتابة وتطوير المشاريع، وفرص للتّلاقي بين صنّاع الأفلام والمموّلين والموزّعين، فلا يمكن أن يكون المهرجان فاعلاً إذا لم يُسهم في خلق أفلام جديدة، وتطوير لغة سينمائية محلية تعبّر عن الواقع الجزائريّ بتعقيداته وتنوّعه.
من جهة أخرى، على المهرجان أن يمنح الأولوية للسّينما الجزائرية عبر عرضها، نقدها، مناقشتها، الاحتفاء بها وتوجيهها نحو آفاق تطوير حقيقية، وهذا ما يتطلّب إشراك النّقاد، الجامعيّين، وطلبة السّينما في النّقاش، بغية تحويل المهرجان إلى ورشة تفكير جماعية.
وجب أن يتحوّل المهرجان إلى منصّة حقيقية لدعم الإنتاج الوطنيّ، عبر توفير صناديق تمويل شفّافة، وورشات كتابة وتطوير المشاريع، وفرص للتّلاقي بين صنّاع الأفلام والمموّلين والموزّعين
خلال ذلك، ينبغي أن يتحرّر المهرجان من الضّغط الرّسمي والبروتوكوليّ، وألّا يُوجّه أساسًا إلى المسؤولين أو "الضّيوف المهمّين"، بل إلى الجمهور، فلا توجد سينما من دون جمهور، ولا حوار سينمائيّ إن لم يُخلق فضاء ديمقراطيّ مفتوح يحتضن التّنوع، ويتيح للفنّانين التّعبير بحرية دون خوف من الرّقابة أو التّهميش.
لا مهرجانات ناجحة دون عدالة ثقافية
بالنّتيحة، لا يمكن للمهرجانات السّينمائية في الجزائر أن تُخفي عمق الأزمة الّتي تعيشها الصّناعة السّينمائية الوطنية، لأنّ الأضواء والاحتفالات والبساط الأحمر، لا تستطيع أن تعوّض غياب بنية تحتية قوية، ولا أن تُسكت الأسئلة الكبرى الّتي لا يكفّ الفنّانون والجمهور عن طرحها يوميًا؛أين نصوّر؟ كيف نموّل؟ من يقرّر؟ ولماذا يُقصى هذا الصّوت أو يُهمّش ذاك الفيلم؟
لا تعني العدالة الثقافية توزيعًا عادلًا للفرص أو التمويل وحسب، بل تتطلّب قبل كلّ شيء الاعتراف بحقّ الفنّانين في الوجود، في التّعبير الحرّ، في الخطأ والتّجريب، وفي رسم ملامح المجتمع من زوايا مُختلفة، بما في ذلك الزّوايا الّتي لا تَرُوق للسّلطة أو للذّوق العام السّائد.
تكمن العدالة الثّقافية أيضًا في كون الثّقافة، والسّينما على وجه الخصوص، جزءًا من السّياسات العمومية، وليس هامشًا يُدعم فقط لأغراض شكلية أو سياسية، حيث يكون المهرجان ناجحًا بحقّ، إذا ما جاء نتيجةً لمسار طويل من العمل المؤسّساتي والتّشريعي والفنّي، فلا معنى لمهرجان في بلد لا يُنتج أفلامه بحرية، ولا يُشاهدها جمهوره في قاعات مُحترمة وحقيقية لا ترقيعية، أفلام لا يناقشها نقّاد مستقلون، كما أنّه لا معنى لمهرجان يُكرّم أسماء فنية في القاعات بينما يُقصيها في الواقع.
لا يمكن للمهرجانات السّينمائية في الجزائر أن تُخفي عمق الأزمة الّتي تعيشها الصّناعة السّينمائية الوطنية، لأنّ الأضواء والاحتفالات والبساط الأحمر، لا تستطيع أن تعوّض غياب بنية تحتية قوية، ولا أن تُسكت الأسئلة الكبرى الّتي لا يكفّ الفنّانون والجمهور عن طرحها يوميًا
بالنّهاية، يبدأ أيّ إصلاح حقيقي من الجذور، عبر سنّ قوانين ومراسيم جديدة تحمي حرية التّعبير ولا تقيّدها، مع آليات شفافة لدعم السّينما، إعادة تأهيل القاعات، إدماج السّينما في التّعليم، وخلق فضاءات للنّقاش والتّكوين، وهذا ما قد يُمكّننا من تحويل المهرجان السّينمائي في الجزائر من عرض موسميّ إلى نبض حيّ لسينما وطنية متفتحة على الآخر، تعبّر عن شعبها دونما وجل، تنتمي إليه، وتُضيء له جزءًا من طريقه المجهول.
الكلمات المفتاحية

لماذا يَخشى الجزائريّون إعلانَ الحُبّ؟.. قراءةٌ في جُرحِ الوُجدان الجَمعيّ
حينما تجرّأ شابٌّ جزائريٌّ من ولاية تيزي وزّو شرق عاصمة الجزائر، على طلب يد حبيبته خِلال مباراةٍ لكرة القدم في الدّوري المحلّي، وسط مُدرّجاتٍ ملعب الرّاحل حسين آيت أحمد، وأمام مئات المُناصرين المهلّلين له، انقسم المُتفاعلون مع مقطع الفيديو المُتداول لهما بين مصفّقٍ يرى في الفعل شجاعةً جميلةً وتعبيرًا صادقًا عن الحبّ، في حين قُوبِلَ أيضًا بتيّارٍ غاضبٍ اعتَبر ذلك المشهد الجميل تعدّيًا على الذّوق…

جدلُ مهرجان الشريط المرسوم في الجزائر .. ثقافةٌ شابّة تقاوم شيطنةً عتيقة
يُعيد مهرجانُ الجزائر الدّولي للشّريط المرسومِ "فيبدا" - مثل كلّ عام - إحياءَ سلسلةٍ من ردود الأفعال والانتقادات الّتي تتجاوزُ بشكلٍ كبير إطار نقد هذا النّمط من مُلتقيات الثّقافة البصرية، ليتحوّل ما يُفترض أن يكون احتفالًا بالإبداع والتنوّع الفنّي وحرية التّعبير إلى ساحة للأحكام المُتسرّعة والسُّخرية العلنية، ومنبرًا للخطابات المَذعورة المُتسلّطة.

حين يصبح الموت محتوى… عن جريمة التفاعل الأعمى
لم تكن حادثة تصوير ممرضة لجثمان متوفى داخل مستشفى بالعاصمة سوى جرس إنذار جديد يفضح كيف غزت حمى المشاهدات أقدس الفضاءات وأشدها حساسية،فالمستشفى، الذي يُفترض أن يكون مكانًا للرحمة والستر، تحوّل في لحظة إلى خشبة عرض افتراضية، حيث يُبثّ الموت على المباشر وكأنه مادة للتسلية.

ضربُ النّساء والقُصّر في الجزائر .. بين العُنف والمصالحة القسرية وتحقيق العدالة
في قلب النّقاشات المجتمعية الحادّة الّتي تعصف بالمجتمع الجزائريّ في كلّ مرّة، خاصّة عندما تُثار بشكل كثيف عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ، يستمرّ مسلسل العنف على شكل حلقات مكرّرة ذات مشاهد أصبحت -للأسف- اعتيادية، فتغدو قضايا العنف ضدّ النّساء والقُصّر من أكثر الأحداث شيوعًا، ثمّ تتقاطع مع فرضٍ قسري للعادات، استغلال الدّين، وتماطل النّظُم القضائية.

توقيف تيكتوكر شهير في الشلف بشبهة تبييض الأموال وبث محتويات مخلة
أعلنت فرقة مكافحة الجرائم السيبرانية بأمن ولاية الشلف عن توقيف مؤثر معروف بنشاطه عبر منصة "تيك توك" وتقديمه محتويات تثير جدلا بين رواد هذه المنصات.

بيتكوفيتش يشرح سبب غياب بلايلي ويكشف خططه للوجوه الجديدة في المنتخب
كشف الناخب الوطني، فلاديمير بيتكوفيتش، عن تفاصيل قائمة المنتخب الجزائري استعدادًا للمباراتين الوديتين المقررتين هذا الشهر.

لماذا يَخشى الجزائريّون إعلانَ الحُبّ؟.. قراءةٌ في جُرحِ الوُجدان الجَمعيّ
حينما تجرّأ شابٌّ جزائريٌّ من ولاية تيزي وزّو شرق عاصمة الجزائر، على طلب يد حبيبته خِلال مباراةٍ لكرة القدم في الدّوري المحلّي، وسط مُدرّجاتٍ ملعب الرّاحل حسين آيت أحمد، وأمام مئات المُناصرين المهلّلين له، انقسم المُتفاعلون مع مقطع الفيديو المُتداول لهما بين مصفّقٍ يرى في الفعل شجاعةً جميلةً وتعبيرًا صادقًا عن الحبّ، في حين قُوبِلَ أيضًا بتيّارٍ غاضبٍ اعتَبر ذلك المشهد الجميل تعدّيًا على الذّوق…

تتويج الفيلم العراقي "أناشيد آدم" بـ"الوهر الذهبي" في مهرجان وهران للفيلم العربي
اختُتمت سهرة الأربعاء فعاليات الطبعة الثالثة عشرة من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي بتتويج الفيلم العراقي الطويل "أناشيد آدم" للمخرج عدي رشيد بجائزة "الوهر الذهبي"، في حفل حضرته وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة وعدد من الفنانين العرب والجزائريين.
