مهرجان ربيع قسنطينة.. موسِم قِطاف الورد

على مدار 15 يوماً تحتفي مدينة قسنطينة شرق الجزائر، بمهرجان تقطير الورد، وهو تقليد متوارث تتزين به مدينة الصخر العتيق خلال فصل الربيع. 

تتحوّل قسنطينة إلى لوحة عطرية حيّة، حيث تنشغل الأسر بجمع الأزهار والورود

ويمتدُّ المهرجان لأسبوعين، أي من الفاتح أيار/ مايو إلى غاية 15 من الشهر نفسه، إذ يضُمّ مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية والحِرفية ذات الطابع التراثي والاقتصادي المتنوع.

وشهدت بداية المهرجان استعراضًا ثقافيًا انطلق من ملعب بن عبد المالك رمضان وجاب وسط المدينة، وصولًا إلى قصر الثقافة احتفالًا بعيد المدينة. 

ويُمثّل هذا المهرجان فُرصة مهمة للترويج لتراث المدينة الثقافي الغني، وتعزيز السياحة الثقافية

قسنطينة.. حيث يقطر الربيع عطرًا

مع إطلالة الربيع، تنطلق في مدينة "سِيرتا" فعاليات قِطاف وتقطير الأزهار، من مارس وحتى نهاية ماي، باستعمال أداة "القطّار" التقليدية، لتفوح بعبقها أزقة المدينة العتيقة وتُنعش الذاكرة الجمعية لعائلات ما زالت تحفظ طقوسًا ضاربة في القدم.

في هذه الفترة، تتحوّل قسنطينة إلى لوحة عطرية حيّة، حيث تنشغل الأسر بجمع أزهار الزهر والورد، وغليها في أوعية نحاسية قديمة، لاستخلاص ماء الزهر، الذي يُستخدم لاحقًا في إعداد الحلويات التقليدية، والعلاجات المنزلية، وحتى مستحضرات التجميل.

في مدينة قسنطينة، لا يعدّ تقطير الزهر مجرد نشاط موسمي، بل هو تقليد عائلي تُنقَل أسراره عبر الأجيال، ويُجسّد علاقة القسنطينيين العميقة بالطبيعة والهوية، إذ يُعدّ ماء الزهر رمزًا للنقاء، والضيافة، والبركة في الثقافة المحلية.

وتُعد هذه الفترة أيضًا موسمًا لعودة "القطّار"، الجهاز التقليدي المصنوع من النحاس، إلى الواجهة، حيث يُستخرج به ماء الزهر في جلسات أسرية دافئة، تغلب عليها الروائح العطرة والحنين.

موروث ثقافي  

تحرص الأسر على تقطير ما يكفي من ماء الزهر لتغطية حاجاتها السنوية، كما يُباع جزء منه في الأسواق، ما يجعل من هذا النشاط الحرفي موردًا اقتصاديًا موسميًا، يشهد اهتمامًا متزايدًا من الشباب والنساء الحرفيات.

وقد أضحى هذا الموروث محل احتفاء ثقافي في مهرجانات محلية، أبرزها مهرجان "تقطير الزهر والورد"، الذي يحتفل بالتراث الطبيعي والحرفي للمدينة، جامعًا بين الفن، الفلكلور، والحرفة.

كما تحولت عادة تقطير الزهر من موروث شعبي أصيل إلى حرفة تُوظف اليوم في صناعات مختلفة مثل الحلويات ومواد التجميل، ما منحها بعدًا اقتصاديًا متناميًا.