17-مايو-2019

عادت محكمة سيدي امحمد للاشتغال مرى أخرى مع دفعة جديدة من قضايا الفساد (رويترز)

تسارعت وتيرة المحكمة الجزائرية في فتح عدة ملفات متعلقة بتهم فساد في عهد فترات حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة. وعليه تم استدعاء يوم أمس الخميس، عددًا من كبار المسؤولين ورجال الأعمال، للاستماع إلى أقوالهم في تحقيقات تمس قضايا فساد كبيرة، على رأسهم رئيسا الحكومة السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال وعدد من الوزراء السابقين.

استدعت العدالة يوم أمس الخميس، عددًا من كبار المسؤولين في تحقيقات تتعلق بتهم فساد وكسب غير مشروع، بينهم رئيسا وزراء سابقين

حبل طويل

اعتبر الجزائريون استدعاء المسؤولين تباعًا  للمحكمة حدثًا مشهودًا في تاريخ العدالة والقضاء الجزائري، إذ لحد الآن، تم الاستماع لبعضهم كشهود في تحقيقات حول " قضايا فساد وسوء تسيير والحصول على منح وامتيازات بطريقة غير مشروعة و إساءة استغلال الوظائف".

اقرأ/ي أيضًا: بعد استدعاء أويحيى.. صيف ساخن جدًا للقضاء الجزائري مع ملفات الفساد

وبحسب مصادر إعلامية، يواجه رئيس الحكومة السابق أحمد أويحي، الذي أقيل من منصبه في 11 آذار/مارس الماضي، تهم "الاستفادة من امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية والاستفادة من تأثير أعوان عموميين والاستفادة من امتيازات عقارية دون وجه حق، والتمويل الخفي للأحزاب السياسية".

أحمد أويحيى
هذا هو الاستدعاء الثاني لأويحيى في قضايا فساد بعد استقالة بوتفليقة

 فيما يواجه رئيس الحكومة الأسبق عبد المالك سلال، تهمًا بـ"الاستفادة بمنح امتيازات غير مبررة، وإساءة استغلال الوظيفة، واستعمال أموال عمومية على نحو غير شرعي". 

يُذكر أن عبدالمالك سلال كان مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة في انتخابات العهدة الخامسة، قبل أن يقال بعد تسريبات لتسجيلا هاتفية يطالب فيها أحد أعضاء مديرية الأمن بقمع المحتجين ضد بوتفليقة، وذلك قبل أن تلغى الانتخابات تمامًا، ويستقيل بوتفليقة.

أما الوزراء الذين تم استدعاؤهم، فهم: وزير المالية الأسبق كريم جودي، ووزير الموارد المائية السابق حسين نسيب، ووزيرا النقل السابقين عمار تو وعبد الغني زعلان ، ووزير التجارة السابق ورئيس الحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس. وهؤلاء يواجهون تهمًا مختلفة، أبرزها "الاستفادة بمنح وامتيازات غير مبررة، وإساءة استغلال الوظيفة، واستعمال أموال عمومية على نحو غير شرعي".

قانونيًا، يوضح المحامي سعيد بنورة، أن القانون الجزائري يمنح لرؤساء الحكومات والوزراء، حق المقاضاة مباشرة أمام المحكمة العليا بعد توجيه التهم إليهم من قبل محاكم أقل درجة، مضيفًا لـ"الترا جزائر" أن قضايا الفساد التي طالت كبار المسؤولين في عهد بوتفليقة، "ستعرف تعقيدات إجرائية في الأيام المقبلة، بالنظر إلى خصوصية المناصب التي شغلوها أولًا وعدد الأشخاص المتورطين في القضايا وارتباطها بمفاصل الدولة الجزائرية ثانيًا". 

أما سياسيًا، فتنتظر العدالة الجزائرية من مجلس الأمة الجزائري رفع الحصانة البرلمانية عن ثلاثة وزراء للبدء في مسائلتهم، وهم: وزير الأشغال العمومية السابق ورئيس حزب تجمع أمل الجزائر عمار غول، ووزيرا التضامن السابقين السعيد بركات وجمال ولد عباس، والأخير هو نفسه أمين عام سابق لحزب جبهة التحرير الوطني.

كما تمّ الاستماع لوالي العاصمة الجزائرية السابق عبد القادر زوخ، الذي أقيل من منصبه قبل أسبوعين عقب انهيار عمارة سكنية بمنطقة القصبة العتيقة، فضلًا عن الاستماع لمحافظ ولاية البيض، جعفر جمال، في تهم "إساءة استغلال الوظيفة واستعمال أموال عمومية على نحو غير شرعي".

كما مثل أمام قاضي التحقيق محافظيت سابقين لولاية تيبازة، هما موسى غلاي ومصطفى لعياضي، وذلك أيضًا في اتهامات بالفساد والحصول على امتيازات غير مشروعة.

ومنذ استقالة عبدالعزيز بوتفليقة، تحركت العدالة الجزائرية في إيقاف سياسيين ورجال أعمال في تهم فساد. وهو التحرك الذي يرى كثيرون أنه يستتبع دعوات المؤسسة العسكرية إلى محاكمة "وجوه الفساد"، الأمر الذي دفع البعض إلى حث العدالة على التعامل بشفافية مع هذه الملفات و"بمعزل عن الأوامر التي رهنت القضاء 20 عامًا فترة حكم بوتفليقة"، كما طالب النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية خضر بن خلاف.

ملفات ثقيلة ومعقدة

تزامنت عملية استدعاء المسئولين من طرف محكمة سيدي امحمد بالعصمة الجزائرية، مع قرار رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح بتعيين نائب عام جديد لمجلس قضاء الجزائر، وهو بلقاسم زغماتي، خلفًا للنائب العام السابق بن كثير بن عيسى.

وطرح هذا التعيين الذي جاء في يوم حافل بأسماء ثقيلة توجهت للمحكمة؛ تساؤلات عدة أهمها: لماذا هذا الرجل بالذات وفي مثل هذه الفترة بالذات؟ من جانبه يعتقد الخبير القانوني محمد خرشي، أن تعيين زغماتي هو "أمرٌ مدروس بالنظر لحجم ومسؤولية المهمة الموكلة إليه في هذا الظرف الحساس في الجزائر".

وأوضح خرشي أن لزغماتي خبرة في إدارة ملفات قضايا الفساد الكبرى، وهو الذي أقيل في 2015 من نفس المنصب بعد أن بدأ في التعامل مع قضايا فساد كبرى، مثل قضية الشركة الجزائرية للمحروقات (سونطراك)، والمعروفة بقضية سونطراك1 ثم سونطراك2، وكذا قضية الفساد في ملف إنجاز الطريق السيار شرق غرب.

وبحسب ما يتردد، فإن سبب إقالة بوتفليقة لزغماتي قبل أربع سنوات، مرتبط بإعلان الأخير عن شبكة فساد كبرى في محيط الرئيس، تورط فيها وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل ونجليه وزوجته، وفريد بجاوي نجل شقيق وزير الخارجية الجزائري الأسبق محمد بجاوي.

يبدو أن حبل قضايا الفساد طويل، ولن تكتمل تفاصيلها قريبًا، خاصة في الملفات التي سُكت عنها لمدة تفوق 15 عامًا

ويبدو أن حبل قضايا الفساد طويل، ولن تكتمل تفاصيلها قريبًا، خاصة في الملفات التي سُكت عنها لمدة تفوق 15 عامًا، ما يؤكد على أن صيف القضاء هذا العام ساخن جدًا، لا يقل سخونة عن صيف الشارع المستمر في حراكه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القبض على زعماء "العصابة" وخطاب صالح بلا ضمانات

اعتقال أغنى رجل في الجزائر.. عدالة انتقالية أم انتقائية؟