27-أغسطس-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

يذهب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى استفتاء شعبي على دستور جديد يكون خطًا فاصلًا زمنيًا وسياسيًا بين مرحلتين في تاريخ الجزائر، أو يؤرّخ على الأقلّ لمرحلة حكمه، والتأسيس لعهد سياسي جديد بمضمون دستوري جديد أيضًا.

 الرئيس تبون وعد بأن يكون الدستور الجديد توافقيًا ويأخذ بعين الاعتبار مقترحات كل القوى السياسية

الاستئناس بالذاكرة

في قراءة أولية للقرار الرسمي الذي أعلنت عنه الرئاسة الجزائرية، فإن تحديد تاريخ الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل من طرف الرئيس تبون، لعرض مسودة الدستور الجزائري على الاستفتاء، يحمِل دلالات كبرى، خاصّة ما تعلّق منها بتاريخ الثورة التحريرية حيث ستحتفل الجزائر بالذكرى الـ 66 للثورة التحريرية، والقفز نحو بناء "جمهورية جديدة"، مثلما يشدّد على توصيفها تبون في العديد من تصريحاته أو خطاباته الأخيرة، وتماشيًا مع وعوده منذ اعتلاءه سدّة الحكم في كانون الأوّل/ديسمبر الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: مسودّة تعديل الدستور.. المجلس الدستوري يرفع ملاحظاته لرئيس الجمهورية

على الجانب الآخر، اعتبر العديد من المتابعون للشأن السياسي في الجزائر، أن الخيار الذي ذهب إليه تبون يمكن أن يفهم أيضًا على أنه "مسعىً لترميم شرعية انتخابية "منقوصة"، وذلك نتيجة الظروف والملابسات التي جرى فيها انتخابه في 12 كانون الأوّل/ديسمبر2019، بسبب تدنّي نسبة التصويت ونسبة المقاطعة الكبيرة بسبب رفض جزء من مكوّنات الحراك الشعبي للانتخابات، وكذا اعتباره مرشح الجيش .

الصيغة النهائية للمشروع

لعلّ من المناسب اليوم، أن يتمّ نشر مختلف التعديلات التي اتّفقت عليها الفعاليات السياسية، يقول الباحث في العلوم السياسية محمد بن دهينة لـ "الترا جزائر"، معتبرًا أن (الوثيقة/المسودة النهائية) التي ستعرض على الجزائريين، من شأنها أن تفتح الباب أمام استقطاب جماهيري من عدمه، موضحًا لا يمكن أن نتحدث اليوم عن استفتاء دون الإطلاع على هذه الوثيقة والإفصاح عنها للرأي العام الجزائري، على حدّ قوله.

يتّفق البعض أن تحديد التاريخ لعرض الدستور على الاستفتاء الشعبي، سيُواجه انتقاداتٍ، لدى عامة الناس، يقول الباحث بن دهينة، مفسّرًا أن الفترة المُقبلة هي فترة جسّ النبض في الشارع لتحسيس المواطنين للذهاب للاستفتاء، خصوصًا في ظلّ الظرف الراهن الذي يتّسم بالغموض السياسي والتحدّيات الاجتماعية التي ترتّبت عن تداعيات الأزمة الصحية بسبب فيروس "كورونا"، ودخول الآلاف إلى خانة البطالة منذ نهاية مارس الماضي، على خلفية تدابير الحجر الصحّي، وتأثيره على المدخول اليومي والشهري للآلاف من العمال.

أمّا بخصوص المحتوى أو مضامين النصوص القانونية للدستور المقبل، فهي موضع جدلٍ كبير، خصوصًا وأن الإشكال الذي يطرحه المختصّون في القانون الدستوري يتعلق أساسًا في طبيعة النظام السياسي وصلاحيات الرئيس التي بقيت نفسها في الدستور الأخير 2016، فضلًا عن استمرار التداخل بين السلطات ( التنفيذية والقضائية)، كما أشارت المختّصة في القانون البروفيسور صبيحة حمداني لـ "الترا جزائر"، مشدّدة على أن التعديلات من شأنها أن تحدث نقلة حقيقية في ترتيب بيت السلطات السياسية وإعطاء مساحة كبرى للقوانين وضمان الحقوق".

استفتاء للدعم الشعبي

سياسيا، تشبه خطوة تبون الدعوة للاستفتاء الدستوري وتحديد الموعد بعد شهرين ونصف من الآن، و البحث عن دعم شعبي لمشروعه السياسي، نفس الخطوة التي قام بها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عام 1999، حيث ظلّت شرعيته الانتخابية ناقصة، بسبب انسحاب المرشّحين الستة من الانتخابات الرئاسية يوم إجرائها في 12 نيسان/أفريل 1999، نتيجة ما اعتبروه تزويرًا مسبقًا لصالح بوتفليقة، ما دفع الأخير إلى محاولة عملية "ترميم شرعيته"، عبر طرح مشروع قانون الوئام المدني للاستفتاء الشعبي في أيلول/سبتمبر من السنة نفسها، وحصل علي 85 في المائة من الأصوات، وبذلك حصل بوتفليقة على تزكية شعبية لمشروعه السياسي.

عقب إعلان الرئاسة الجزائرية، عن لقاء الرئيس تبون مع رئيس الهيئة المستقّلة للانتخابات محمد شرفي، في بيان رسمي في إطار إعلام مؤسّساتي، مفاده استقبال الرئيس بمسؤول الهيئة، في مقر الرئاسة، بهدف "مناقشة ترتيبات إجراء الاستفتاء"، وجب وضع الأصبع على ملاحظتين أساسيتين، أولاهما تتّصل بعدم إعلان عن مرسوم لاستدعاء الهيئة الناخبة كما جرت العادة على ذلك في إعلانات استحقاقات سابقة، أما الثانية أن تحديد الموعد دون الكشف عن المسودة النهائية للدستور الجديد.

وعود ولكن؟

في انتظار الإفراج عن المسودّة، وجب التأكيد على أن الرئيس تبون قد وعد بأن يكون "الدستور الجديد توافقيًا ويأخذ بعين الاعتبار مقترحات كل القوى السياسية والمدنية والشخصيات المستقلة"، وفي غضون ذلك سبق للهيئة المستقلة للانتخابات، أن كشفت عن تلقيها أكثر من 2500 مقترح لتعديل مسودة الدستور، من قِبل أحزاب سياسية ومنظمات وشخصيات مستقلة وخبراء لتعديل الدستور الحالي، مشدّدة على أنها ستأخذ بعين الاعتبار بالمقترحات وأن تكون ضمن المسودّة النهائية، لتكون بذلك "جامعة لكل الأطياف السياسية، ومكونات المجتمع الجزائري، وتلبية لرغبات أكثر شرائحه".

وللإشارة، طرح الرئيس تبون مسودّة أوّلية  للتعديلات الخاصة بالدستور الجزائري، في التاسع من أيار/ماي الماضي، احتوت على مقترحات سياسية تتعلّق بتعيين نائب لرئيس الجمهورية، وتوزيع الصلاحيات بين الرئيس ورئيس الحكومة، إضافة لذلك تعزبز سلطة البرلمان على الحكومة عبر الآليات الرقابية ولجان التحقيق، وتعزيز استقلالية العدالة من خلال المجلس الأعلى للقضاء، علاوة على دسترة الحراك الشعبي والسماح لقوّات الجيش بالقتال في الخارج بعد موافقة البرلمان.

ولم ترق تلك الأطروحات إلى انتظارات الكثيرين، المتّصلة أولًا بوضع نظام "شبه رئاسي"، يمنح حقّ تشكيل الطاقم الحكومي للحزب الفائز بالانتخابات التشريعية، وصياغة قوانين تعطي للقضاء استقلالية، إذ أحدثت أطروحات المسودّة الأولى لغطًا واسعًا، وطرحت عدة تساؤلات لدى الأوساط السياسية والنخبوية والشخصيات السياسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون: الشعب الجزائري هو من يقرّر تبنّي أو رفض الدستور

مشروع تعديل الدستور ..هل يتنازل الرئيس عن صلاحياته؟