منوعات

ميلة القديمة تبحث عن زائرين.. ماذا بقي من "باب البْلَدْ"؟

22 مارس 2025
ميلة القديمة شرق الجزائر
ميلة القديمة شرق الجزائر (تركيب: الترا جزائر)
فتيحة زماموش
فتيحة زماموش إعلامية وباحثة من الجزائر

قبل سنوات طويلة تزيد عن ثلاثة عقود كانت "ميلة القديمة" تنبِض بالحياة، بأصوات أهلها وذكرياتهم التي تملأ أزقتها. لكن بيوتها تتلاشى ومعالمها التاريخية تتشبث بالبقاء.. هل ستعود إليها الحياة؟ وهل يمكن أن تصبح وِجهة سياحية تستحق الزيارة؟"

 

الداخل إلى المدينة العتيقة مولود من جديد؛ السُكون يُخيِّم على أزقتها بعدما كانت تنض بالحياة 

"كُنت أعيش بين أزقة المدينة العتيقة، تلك الزوايا التي تحمِل في طياتها حكايات لا تُنسى، كنت أسمع صوت خطوات الكبار  وهم يسيرون في شوارعها، أشمّ رائحة الخبز على نار الحطب، فمن ينسى "عِينْ البْلَدْ" والنساء يغسلن صوف العرائس في احتفالية كبرى تقام حولها، أو جامع "سيدي غانم" أو "باب البْلَدْ (المدينة)"  وحوانيتها الصغيرة ورائحة القهوة المعطرة بماء الورد المنبعثة من المقهى الصغير في أحد زوايا آخر زقاق جنوب المدينة وموسيقى المالوف المنبعثة منه؟.

الداخل إلى المدينة العتيقة مولود من جديد؛ سُكون يُخيِّم على أزقتها بعدما كانت تنبُض بالحياة، خاصة إن كان قد قضى طُفولته بين أزقتها الضيقة ولديه ذكريات مرحلة من حياته لا تُنسى، فما يجده اليوم سوى بقايا أمكنة وآثار تكاد تنقضّ، رغم عمليات الترميم التي طالت عدة معالمِها، 

 

مدينة ميلة القديمة شرق الجزائر

مصير "ميلاف" 

الزمن والإهمال جعلها اليوم في أذهان البعض مجرّد ذكرى رغم محاولات إعادة الترميم والاهتمام بالمجال الثقافي والسياحي التاريخي في البلاد.. فهل يمكن أن تكون ميلة القديمة وجهة سياحية؟ 

وُلد عمار بن مسيعود في قلب المدينة العتيقة، يعود به العزمن وهو قد بلغ من العمر الـ 73 عاماً، إلى ذكريات الطفولة في الأزقة الضيقة، يتذكر :" كل شارع صغير أو الزقاق يؤدي بك إلى "بابْ البْلَدْ" كما يُسمّى المدحل الجنوبي للمدينة العتيقة، فهو قوس مبني بحجارة رومانية تُميّزه عن بقية المعالم التاريخية. 

 

باب البلد بالمدينة العتيقة

يروي بن مسيعود لـ" الترا جزائر" كيف كان يركُض في أزقة " ميلافّ عندما كان طفلاً صغيرا ثم وهو في ريعان الشباب ثم تزورج وهو الآن أب لأربعة أبناء، يزور مسقد رأسه من حين لآخر، بل يفضّل تأدية صلاة الجمعة في مسجد "حنْصَالة" الذي تمّ تجديده وصار قبلة لسكان المدينة لخصوصيته المعمارية واستعادة الذكريات أيضاً. 

المدينة ليست مجرّد بيوت وأسوار، بل هي روح حيّة، رغم تهدُّم بعض البيوت ورحيل سكانها لكن يبقى الحنين يُعيدهم إليها

يتذكّر بن مسيعود حكايات جدّته عن المدينة العتيقة، كانت تعرف الكثير عن أبطال الثورة التحريرية ومن بينهم " لخضر بن طوبال وعبد الحفيظ بو الصوف ورشيد شعبوب ولخضر زماموش والهادي بن عبد الرحمن والسعيد إيدري وغيرهم كثيرون.

يُضيف:" هذه المدينة ليست أسوار وبيوت وجُدران، إنها روح لازالت موجودة كثيرون هي البيوت التي تهدمت بفعل الزمن وغيرها مغلق وسكانها رحلوا ولكن الحنين يعيدهم كلما استيقظت فيهم تلك الأحاسيس الجاذبة للمكان". 

في نهاية الزقاق المؤدِّي لـ"باب البْلَدْ"، كان هناك مقهى صغير يجتمع فيه كبار السنّ، حيث أنّ الداخل إلى المدينة يكون مكشوفاً للعامة فأهلها يعرفون بعضهم البعض.

 

ميلة القديمة شرق الجزائر

الكثيرون ودّعوا هذه المدينة بعدما تعرّضت بيوتهم للانهيار والسقوط، منهم من أسسوا بيوتاً جديدة، وتفرقّت عائلاتهم كحال مختلف المدن العتيقة في الجزائر.

كما تمّ ترحيل عشرات العائلات إلى سكنات في أحياء بنيت حديثاً، تقول سعاد بوجريو لـ الترا جزائر": "في ميلة القديمة كنّا نعيش يومياتنا كأنها احتفال"، تتذكّر طفولتها بأنّ أفراح وأحزان الناس هناك كانت لا تفرق بين أحد، فالتضامن فيما بين السكان كان لافتاً. 

 

المدينة القديمة

تتذكّر  السيدة بوجريو، وجه صاحب الفُرن جيدا قائلة:" كنّا صغاراً وكان لنا نصيبٌ يومي من "خُبز الكوشة أو ما يسمى بـ" الفوقاس"، رائحته لا تزال لحدّ اللحظة تسكُن المدينة رغم أنّه مُغلق. 

وتُضيف أنّ نافذة بيت جدتها، كانت تطلّ على جبال ميلة المحيطة، وكانت تعيش لحظات من المرح والبهجة معًا في الساحة الكبرى للمدينة. 

أمّا بخصوص شهر رمضان، تقول عنه: " كان له طعم ورائحة تختلف تمامًا عن أيامنا الحالية، كنا نتبادل الأطباق، وفي كل مساء كانت الزيارة تذهب إلى بيت أحد الجيران. كان رمضان وقتًا لجمع العائلات وتبادل الأوقات الجميلة."

 

رئيس جمعية أصدقاء ميلة القديمة عبد العزيز السقني

 

أسماء لمكان واحد 

تداولت على المنطقة التي تبعد عن ولاية قسنطينة بـ 35 كيلومتراً شرق الجزائر، عدة أسماء بسبب تعاقب الحضارات عليها خلال عدة قرون من الزمن. 

وحسب بعض الوثائق التاريخية؛ سّميت هذه المدينة بـ" أمْلُو" وتعني بالأمازيغية الظّلال، كما أطلق عليها البيزنطيون اسم "مِيلْيُوسْ"، ثم اسم "مِلُوفِيثَانَا" بالنّسبة للوندال، وتعني "مدينة الجمال"، و"مِيديوس" وتعني المنطقة الوسطى، و هي مشتقة من موقعها الجغرافي، حيث تتوسط أهم المدن القديمة (سيرتا، روسيكادا، أجيجيلي، ستيفيس).

كما وُسِمت باسم روماني:"مِيلاَفْ" أو " مِيلْ أُفْ" ويعني " ألف منبع ومنبع" إذ ارتبط وجود الرومان واستقرارهم في أي مكان باكتشاف مصادر الماء ومنابعه الغزيرة وهو ما جرى في "ميلة" انطلاقا من اكتشاف منابع الماء في "جبل مارشو" على تُخُوم شمال المدينة وانحداراً نحو المدينة العتيقة.

اللاّفت أنّ هذه الأسماء لها علاقة بالماء والريّ والزراعة والحياة، بينما فضّل الفاتحون فترة الفتوحات الإسلامية تسميتها بـ"مِلَاحْ" لجمالها الطبيعي وجبالها وهواءها النقّي، ثمّ استقرّت تسميتها على "مِيلَا" أو "مِيلَة" ليومنا هذا.

قبل سنوات التأم شمْل عشرات سكان المدينة العتيقة وشكلوا ما أطلق عليه بـجمعية "أصدقاء ميلة القديمة"، يرأسها البروفيسور عبد العزيز السقني الذي ولد وعاش طُفولته في المدينة العتيقة، وتضمُّ العديد من العائلات وأبناءهم.

 

ميلة القديمة

تحرِص الجمعية على جمع الوثائق التاريخية الخاصة بمعالم المدينة وتاريخها وتشجع الباحثين في الجامعات على القيام بدراسات تاريخية وإحصاء المواقع الأثرية بالولاية، فضلا عن بحوث عمرانية واجتماعية تخصّ هذه المدنية. 

كشف البروفيسور السقني أنّ من أهم المعالم الأثرية في المدينة السور البيزنطي الذي بني (539-540م) في عهد الإمبراطور جستينيانوس، يبلغ طوله 1200 متر وتجاوز عرضه 2.5 م أما ارتفاعه فقد بلغ في أقصاه 7 أمتار.

 

ميلة القديمة شرق الجزارئ (عين البلد)

وتمّ دعم السور بـ 14 برجاً للمراقبة، اثنان عند المدخل الرئيسي والبقية بنيت كنبرات (فتحة) وسط الجدران، كما احتوى السور على أربعة أبواب "باب الريوس" في الجهة الشرقية، "باب الحديد" في الجهة الجنوبية و"باب البْلد" في الجهة الشمالية وهو المدخل الرئيس للمدينة وفي الجهة الغربية "باب الجامع".

 

عمليات ترميم جامع سيدي غانم بميلة

من أهم المعالم أيضا: مسجد سيدي غانم: يقع المسجد في الجهة الشرقية لمدينة ميلة القديمة، ويُعرف هذا المكان اليوم بالثكنة بعد أن حوله الجيش الفرنسي إلى ثكنة عسكرية. 

وتمّ تأسيس المسجد من قِبَل القائد أبو المهاجر دينار أثناء إقامته بمدينة ميلة (59هـ، 679م).

كما تضمُّ المدينة العتيقة ثلاث زوايا وهي: الزاوية الرحمانية التي تأسّست الزاوية سنة 1806م من قِبَل الحاج محمد بن قادة وسُمِّيت بهذا الاسم نسبة إلى مؤسس الطريقة الرحمانية محمد بن عبد الرحمان الأزهري.  

والزاوية الحنصالية التي تقع في الجهة الشمالية الشرقية لمدينة ميلة، وزاوية سيدي عزوز تم بناؤها سنة 1591م وتضم حاليا ضريحا يحمل اسمها.

ميلة القديمة شرق الجزائر

 عيون  المدن  

حسب إحصاء عن المدينة في عام 1985، فقد سكن المدينة العتيقة سكنها أكثر من 9 آلاف شخص.

تضمّ ميلة القديمة عيون مياه جارية تزيد عن ألف منبع بقي منها القليل جدا منها: "عِينْ البْلَدْ" التي تتوسط قلب المدينة العتيقة وتمّ تسجيلها بموجب قرار ولائي في عام 2012، ضمن قائمة الجرد الإضافي للممتلكات الثقافية المحمية لولاية "ميلة".

من ينسى "عين البلد" واحتفالات غسل صوف العرائس،  والدكاكين الصغيرة ورائحة القهوة وموسيقى المالوف؟

بالإضافة إلى ذلك هناك عين أخرى تشبه عين البلد يطلق عليها اسم "عِينْ كَشْكِينْ"، وأخرى تسمى بـ"عِينْ الصِّيَاحْ" وهي عيون لازالت ليومنا هذا تصبّ بمياهها العذبة. 

كما باشرت وزارة الثقافة في عملية ترميم "جامع سيدي غانم" أول مسجد في الجزائر وجمع مختلف الأعمال والكتابات المتعلقة بالمدينة القديمة من أرشيف داخل الوطن وخارجه. 

سد بني هارون بولاية ميلة شرق الجزائر

 

عاصمة الماء

توسعت المدينة إلى قديمة وجديدة، إذ باتت اليوم تعرف بـ" عاصمة الماء" في الجزائر، حيث تضمّ أكبر سد في أفريقيا " سدّ بني هارون" الذي يربط بين ولايتي ميلة وجيجل في الجهة الجنوبية، كما يُموّن خمس ولايات بشرق البلاد وهي: جيجل، قسنطينة، باتنة، أم البواقي وخنشلة.

كما أنّها بالإضافة إلى أنّها مدينة فلاحية بامتياز لاحتوائها على البساتين وخصوصيتها في الزراعة الغذائية كالقمح والشعير والعنب والتفاح والزيتون.

لماذا عاصمة الماء؟ الملاحظ في عديد المدن والبلديات المحيطة بعاصمة ولاية ميلة أنها تحتفظ بعيون جارية ليومنا هذا ومنها: "عين التّين"، " عين سيدي خلفية"، عين وادي النجاء"، و"عين جبل مارشو" و"عين الكبيرة"، فمياهها طبيعية وعذبة. 

 

الكلمات المفتاحية

الجزائر العاصمة

ذاكرة المدينة على الواجهة البحرية.. رؤية معمارية مستلهمة من الجزائر القديمة

في خضم التطور المتسارع والتحولات العمرانية، يصبح الحفاظ على هوية المدن ضرورة ملحة لضمان تميزها وأصالتها.


مدينة وهران الجزائرية

"ربيع وهران".. احتفاء بالتراث والابتكار ومعارض متنوعة للصناعات التقليدية


كاميليا جوردانا

كاميليا جوردانا.. ممثلة من أصول جزائرية تتعرض لهجوم كاسح في فرنسا بسبب دعمها لغزة

تواجه الممثلة والمغنية الفرنكو-جزائرية كاميليا جوردانا حملة هجوم شرسة في وسائل الإعلام الفرنسية، بسبب تصريحاتها العلنية الداعمة لغزة ومقاطعتها للعلامات التجارية التي تربطها علاقات بدولة الاحتلال الإسرائيلي.


 انتفاضة العامري 1876 بولاية بسكرة  (الترا جزائر)

انتفاضة العامري 1876.. واحة الدم بين التهجير والنّفي

ليست مجرّد ذكرى عابرة، بل هي شهادة حية على إبادة وتهجير، إذ تقف انتفاضة واحة العامري التي وقعت أحداثها ببلدية "الغروس" بولاية بسكرة (شرق) شامخة في سجّلات التاريخ كدليل قاطع على الممارسات الوحشية للاستعمار الفرنسي في الجزائر.

الحماية المدنية_2.jpg
أخبار

بينهم 6 أطفال.. حادث مرور خطير يُخلّف 7 جرحى بالبويرة

أُصيب 7 أشخاص من بينهم 6 أطفال، إثر اصطدام بين سيارتين بولاية البويرة.

أمطار
أخبار

طقس الجزائر.. أمطار رعدية مرتقبة على بعض الولايات

ستكون الأجواء من غائمة إلى مغشاة محليًا على غرب البلاد بداية من أواخر الظهيرة


بوعكاز وراء الرئيس_0.jpg
أخبار

إدانة محمد بوعكاز مدير تشريفات الرئيس تبون السابق بـ5 سنوات سجنًا نافذًا

أدانت محكمة بئر مراد رايس بالعاصمة، اليوم، المستشار السابق لرئيس الجمهورية المكلّف بالمديرية العامة للتشريفات، محمد بوعكاز، بعقوبة خمس سنوات حبسا نافذا، مع تغريمه بمبلغ مالي قدره 200 ألف دينار جزائري.

عمر ربراب
أخبار

بعد أخبار استجوابه ومنعه من السفر.. عمر ربراب يخرج عن صمته

نفى عمر ربراب، عضو مجلس إدارة مجموعة سيفيتال، ما تم تداوله في وسائل إعلامية بشأن استدعائه من قبل المديرية العامة للأمن الداخلي أو منعه من مغادرة البلاد عبر أحد المطارات.

الأكثر قراءة

1
أخبار

في مبادرة ترويجية.. كيليان مبابي يمنح 20 طفلًا فرصة زيارة الجزائر


2
أخبار

عبر 8 مطارات.. فتح الرحلات لموسم حج 2025


3
مجتمع

إصلاحات في الخدمات الجامعية.. تطويق للتجاوزات وتحسين في مستوى التعليم


4
أخبار

حجز 14 قنطار و 58 كيلوغرام من التفاح الموجّه للمضاربة


5
أخبار

الحكومة تدعو إلى نبذ التعصب الكروي ونبذ خطاب الكراهية في الإعلام الرياضي