منوعات

نادي طالب عبد الرحمن يتحول إلى مطعم.. جزء من ذاكرة الثورة الجزائرية بالعاصمة إلى زوال

16 يونيو 2025
نادي طالب عبد الرحمن
نادي طالب عبد الرحمان (صورة: فيسبوك)
عمار لشموت
عمار لشموتكاتب من الجزائر

على مستوى 02 شارع ديدوش مراد وسط العاصمة، بجانب المدخل السلفي للجامعة المركزية، يلفت انتباهك لوحة رخامية تذكارية جاء فيها (بالتصرف) "الإطار الزمني 26 جانفي/ كانون الثاني 1957 على الساعة 17 سا 30 د. الموقع ديدوش مراد.. (شارع مشيلي سابقا) وضعت عبوة ناسفة بمقهى كافتيريا.. العملية خلفت عدة إصابات في صفوف الأوروبيين.. العملية من تنفيذ الفدائية فضيلة عطية".

المجاهد علي هارون: تحول مكان يحمل اسم طالب عبد الرحمن إلى اسم "الطبق العاصمي " هو بمثابة الموت الثاني للشهيد طالب عبد الرحمن

وبجانب تلك اللوحة، لوحة رخام جدارية كُتب عليها "في 29 محرم عام 1473 هجري الموافق ل 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ميلاد يتشرف والي ولاية الجزائر السيد عبد القادر زوخ بإعادة فتح نادي "الشهيد طالب عبد الرحمان المولود بالجزائر الوسطى، ولد للشهيد يوم 05 مارس/آذار 1930 واستشهد في يوم 24 أبريل/نيسان 1958".

وأمام هاتين اللوحتين لا يوجد أي أثر للنادي الذي يَحملُ اسم طالب عبد الرحمن، بل ثمة بالمكان مطعم يحمل علامة "الطبق العاصمي". ولا عجب في ذلك، فقد تحول النادي الثقافي الذي كان بمثابة حلقة تجمع الطلبة والاساتذة إلى محل يقدم خدمة تقديم الاطعام، وتم تنازل عليه لصالح أحد الخواص ليحوله إلى تجارة الغطعام السريع.

اللوحة الرخامية لنادي طالب الرحمان

محو الأثر التاريخي 

بينما تحث السلطات على ضرورة المحافظة على الذاكرة التاريخية والجماعية، وتمجيد الثورة التحريرية في الخطاب الرسمي، ويعتزم البرلمان طرح مشروع تجريم الاستعمار، تُمحى في الوقت ذاته واحدة من الآثار التاريخية التي عرفتها الثورة الجزائرية، والتي كانت شاهدة على منعطف تاريخي في مسار الثورة.

 وهنا، يجدر التذكير بأن استخدام المتفجرات في الفضاء العام الأوروبي (الاحياء الأوروبية) كان خيارا ثوريا وردة فعل مقاوماتية، عقب استهداف نخبة قوات الاستعمار الفرنسي والمتمثلة في "منظمة الجيش السري الفرنسية" الأحياء "المسلمة والعربية"، عبر زرع القنابل والمتفجرات وسط السكان، على غرار ما حدث في حي القصبة، فضلا عن عمليات القتل الجماعي والعشوائي على يد عناصر الشرطة الفرنسية.

وفي هذا الصدد، يؤكد المؤرخون أن استخدام القنابل في الفضاء العام لم يكن خيار مسلحا اعتباطيا، بل استراتيجية تبنتها قيادة الجبهة، والتي رفضت استهداف الأوروبيين المسالمين عند بداية الثورة سنة 1954. لكن بعد سلسلة من العمليات الفرنسي الوحشية ضد المدنيين، كان على الثوار اعتماد سياسة "نقل الخوف والرعب في وسط المجتمع الأوروبي"، قصد تحسيس الرأي العام في صفوف المستوطنين بما تقترفه "منظمة الجيش السري الفرنسية" في حق الجزائريين، ولقد تَرتب على نهج استخدام المتفجرات وسط المستوطنين، اعلان عن القطيعة النهائية بين المواطن الأصلي والمستوطن.

العنصر النسائي يدخل ميدان حرب المدن

وعلى ضوء ذلك، يمكن طرح السؤال عما تمثله العملية الفدائية التي نفذتها المجاهدة فضيلة عطية كقيمة تاريخية؟

 يجب أن نستحضر هنا، أن العاصمة شهدت خلال تلك سنة 1957 مجموعة من الأعمال الفدائية، في ثلاثة مقاه وسط العاصمة في يوم واحد، نَفذت العمليات شابات جزائريات يافعات، زهرة ظريف تتجه نحو مقهى "ميلك بار " بجانب تمثال الأمير عبد القادر حاليا شارع ديزلي سابقا، فيما توجهت فضيلة عطية نحو كافيتريا واقعة بشارع ديدوش مراش شارع ميشلي سابقا.

يَعتبر المؤرخون أن ادراج العنصر النسائي في الثورة كان تحولا في التاريخ الوطني التحرري، حيث شكل توظيف المرأة إضافة كمية ونوعية ورسالة إلى الرأي العام العالمي على أنها ثورة شعبية وليس فئوية، كان يهدف تنشيط العنصر النسائي إلى اختراق صفوف العدو الفرنسي، ورفع الحصار الذي كان مفروض على المناضلين والمجاهدين والمقاومين، خصوصا بعد الحصار والطوق الأمني والعسكري الذي فرض على أحياء القصبة.

كانت ملامح تلك الشابات أمثال حسيبة بن بوعلي، زهرة ظريف، جميلة بوحيرد وجميلة بوعزة وغيرهن ذوات ملامح أوروبية وعصرية، حيث كنّ يمتلكن مستوى تعليمي جامعي، وهنّ غير خاضعات إلى المراقبة من طرف الشرطة الفرنسية، لكنهن اخترن وقررن مشاركة برفقة الرجل من أجل الحرية والاستقلال.

وبناء عليه، فالمحافظة على كافيتريا ديدوش مراد يسمح بمدارسة التاريخ وصانعيه من أبناء وبنات الجزائر.

الاغتيال الثاني لطالب عبد الرحمن

لذلك، فإن هذه الأمكنة والأزمنة، وفق الباحثين في التاريخ، لها رصيد قوي في صقل الذاكرة الجماعية، وتنشيط المرجعيات التاريخية في أذهان الجيل ما بعد الاستقلال، وهي تعطي صورة واقعية عن فترة الاحتلال الفرنسي.

وقد كان بإمكان تحويل نادي طالب عبد الرحمان إلى نادي ثقافي وتأريخي أو ملتقى أو مكتبة تجمع المؤرخين والطلبة والزوار كفضاء يشهد فترة تاريخية حاسمة في الثورة التحريرية بناء على قيمته التاريخية، كان لابد من جعل المكان متحف تاريخي تعرض فيه الصور المجاهدات والشهداء.

أما أن يتحول مكان يحمل اسم طالب عبد الرحمن إلى اسم "الطبق العاصمي "، فذلك بمثابة الموت الثاني للشهيد طالب عبد الرحمن، وهو ما كتبه المجاهد علي هارون على صفحات جريدة الوطن الناطقة باللغة الفرنسية.

وفي حديثه، اعتبر القيادي في فيديرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني، أن تحول مقر يحمل اسم طالب عبد الرحمن إلى "الطبق العاصمي" يمكن وصفه بأنه استئصال الذاكرة التاريخية ومعالمها.

ونوّه إلى أن حياة ومسار طالب عبد الرحمن كانت استثنائية ومتميزة، فالرجل الذي ترك مقاعد الدراسة في الجامعة والتحق بالمنطقة المستقلة للعاصمة، والذي أشرف على فتح عديد من ورشات صناعة القنابل اليدوية والمتفجرات، كما أشرف على تكوين الكثير من الجنود في تقنيات التحكم في المتفجرات والقنابل.

وأضاف أن ما قدمه طالب عبد الرحمن لوحده للثورة استدعى استعانة السلطات الفرنسية بفيلق من نخبة القوات المظلية بقيادة الجنرال "ماسو" قصد تفكيك خلية طالب عبد الرحمن. داعيا في هذا الصدد تدخل السلطات ومجلس الأعلى للشباب إلى إعادة الاعتبار لهذا المكان والرمز التاريخي.

وفي الواقع، لدى هذا المكان في الذاكرة التاريخية قيمة معرفية، فهو يؤرخ ويوثق مسيرة الجزائريين نحو الاستقلال، ما يجعله مرجعا للذاكرة الجماعية وذاكرة الأجيال، وبالتالي فإن طمسه يعني محو جزء من الذاكرة الوطنية والتاريخية. 

خلفيات تاريخية

عُرف نادي "طالب عبد الرحمن"، الذي افتُتح في أواخر كانون الأول/ديسمبر 1962 بشارع ديدوش مراد بالعاصمة، بأنه أحد أبرز رموز الذاكرة الطلابية والوطنية بعد الاستقلال. حمل هذا النادي اسم الشهيد طالب عبد الرحمن، الطالب في كلية العلوم (مدرسة الكيمياء) بجامعة الجزائر، الذي أُعدم بالمقصلة في سجن سركاجي يوم 24 نيسان/أفريل 1958، بعد أن شارك في العمل الفدائي في صفوف جبهة التحرير الوطني.

لم يكن اختيار اسم الشهيد عشوائيًا. فقد توجه أعضاء من فرع الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين (UGEMA) إلى قيادة جبهة التحرير بالعاصمة لاستشارتها بشأن إطلاق اسم الشهيد على النادي الجديد، وهو ما حظي بالموافقة، اعترافًا بتضحياته ودوره النضالي.

قبل الاستقلال، كان مقر النادي يُعرف باسم "الأوتوماتيك"، وقد أُنشئ في عام 1930 خلال احتفالات فرنسا الاستعمارية بمرور قرن على احتلال الجزائر. تحول المكان آنذاك إلى مقر لطلبة فرنسيين متطرفين، وكان مركزًا للنشاط السياسي المناصر للاستعمار، خصوصًا في فترة الخمسينيات، حيث استحوذ عليه أتباع بيار لاغايارد، زعيم جمعية طلبة الجزائر (AGEA) وواحد من رموز العنف الاستعماري.

وفي 26 كانون الثاني/جانفي 1957، عشية انطلاق "إضراب الثمانية أيام"، نُفذ هجوم بقنبلة على المقر من طرف المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة، ردًا على مجازر القوات الفرنسية، لا سيما المجزرة التي ارتُكبت في شارع بقلب القصبة في آب/أوت 1956. وقد كان الشهيد طالب عبد الرحمن من بين من خططوا لهذا الهجوم، حيث قام بتصميم القنبلة التي زرعتها مناضلات من جبهة التحرير الوطني داخل المقر الاستعماري الراقي.

ومع فجر الاستقلال، تحوّل المكان من مقر استعماري إلى فضاء طلابي وطني. استلمته شعبة الجزائر التابعة لاتحاد الطلبة المسلمين، وجعلته مركزًا للنشاط الثقافي والنقاش الحر. عُرف عن النادي أنه كان مفتوحًا أمام الطلبة من مختلف التخصصات، وضم في طابقه السفلي قاعة لقراءة الصحف.

غير أن هذا الفضاء الطلابي لم ينجُ من التحولات العنيفة التي عصفت بالجزائر خلال التسعينيات. فقد اندثر تدريجيًا، دون أن يُصدر أي قرار رسمي بإغلاقه، ليغيب عن المشهد الثقافي والطلابي، ويُحرم الطلبة من فضاء كان يمثل أحد معالم النضال الطلابي والثقافة التشاركية في الجزائر المستقلة.

الكلمات المفتاحية

الوجه الآخر لشواطئ الجزائر المعزولة

بيئة مُهدّدة.. الوجه الآخر للشواطئ المعزولة في الجزائر

تعدّ الشواطئ المعزولة التي يصل عددها إلى نحو 400 شاطئ على طول 1600 كيلومتر في الجزائر، ملاذًا مميزًا لمحبي الاستجمام والهدوء، خاصة بعد جائحة كورونا. لكن هذا الاهتمام المتزايد، مدفوعًا بوسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة، أدى إلى اكتظاظ هذه الشواطئ وتعرضها للتلوث والنفايات، ما حولها من جنة طبيعية إلى مواقع بيئية مهددة.


أكلي محند أولحاج

العقيد محند أولحاج.. الرجل الذي رفع علم الجزائر لأول مرة بعد الاستقلال

3 جويلية 1962، السماء كانت زرقاء، لا تشوبها غمامة، لكن القلوب وحدها كانت تمطر دموعاً في سيدي فرج، حيث التحم المكان بالزمان، والتاريخ بالرمز، في ذات النقطة التي دخلت منها فرنسا سنة 1830، وقف رجل هادئ، كث الشارب، متجعد الملامح، لكنه شامخ كجبل أكفادو، اسمه أكلي مقران، وكنيته في الثورة "أمغار"، أي الشيخ، الحكيم، كما يناديه رجال منطقة القبائل.


الإسكرام.. برودة وسط الصحراء الجزائرية (صورة: أرشيف)

"الأسكرام" برودة استثنائية على ارتفاع شاهق وسط صحراء الجزائر

هل تبحث عن وجهة صيفية باردة ومنعشة بعيدًا عن حرارة المدن؟ منطقة "الأسكرام" جنوب الجزائر قد تكون الخيار المثالي، حيث تجذب الزوار وعشاق الطبيعة بروعتها وهدوءها.


شارع طنجة

كتاب وصحفيون وفنانون وحتى رواد فضاء .. مشاهير مروا من هنا وكتبوا رواية "شارع طنجة"

حين تقف في مفترق الطرق بين شوارع "العربي بن مهيدي" و"علي بومنجل" و"باتريس لومومبا" ببلدية الجزائر الوسطى، مفترق تتمفصل فيه المدينة الكلونيالية بالمدينة العتيقة المسماة "القصبة"، وتعطي ظهرك للعمارات يقابلك شارع طويل ضيق في شكل نهر منحدر يتدفق منه خلق كثير يصر على اسمه، منذ قرابة قرنين، "شارع طنجة".

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

تبون ماكرون_0.png
أخبار

المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية: لا نقدم أي مساعدات للجزائر التي ترفض الاقتراض

وضع المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، ريمي ريو، حداً لما وصفه بـ"الجدل المفتعل" حول مزاعم المساعدات الفرنسية السنوية للجزائر، في ظل ترويج اليمين المتطرف المتكرر لهذه الفكرة داخل فرنسا.


بن سعيد
أخبار

مُفجّر قطارات باريس.. من هو بوعلام بن سعيد الذي ستُسلّمه فرنسا للجزائر؟

ينتظر أن تتسلم الجزائر، مطلع شهر آب/أوت المقبل، الإرهابي بوعلام بن سعيد، أحد أبرز عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA)، بعد أن قضى قرابة ثلاثين عاماً في السجون الفرنسية، عقب إدانته بتفجيرات دامية هزت باريس صيف عام 1995.

الاتحاد الأوروبي.jpg
أخبار

تزامنًا مع إدراجها ضمن الدول عالية المخاطر المالية.. الجزائر تطلب تفعيل مجلس الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

طلبت الجزائر رسمياً من الاتحاد الأوروبي تفعيل مجلس الشراكة بين الجانبين، باعتباره الإطار الأنسب لمعالجة الملفات السياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، ولإعادة التوازن إلى اتفاق الشراكة الموقع عام 2005، والذي تعتبره الجزائر منحازاً للطرف الأوروبي.

الأكثر قراءة

1
رياضة

قضية كيليا نمور.. الاتحاد الفرنسي للجمباز يعلّق مهام مدربتها السابقة بعد شهادات صادمة


2
اقتصاد

من بنك "بريكس" إلى "آسيان".. تحالفات جزائرية جديدة تعيد رسم خارطة "البزنس"


3
أخبار

تعداد سكان الجزائر يبلغ 47 مليونًا والزواج في أدنى مستوياته منذ 2014


4
أخبار

خطوةٌ رسمية لإخراج الجزائر من مأزق قائمة الدول عالية المخاطر في تبييض الأموال


5
أخبار

منع عمر ربراب من مزاولة أي نشاط تجاري في الجزائر