17-يوليو-2022

كثير من المعتقلين السياسيين في فترة التسيعنات مازالوا في السجون (الصورة: ميدل إيست)

بعد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، تنتظر عائلات الأشخاص الذين يقبعون وراء السّجون الإفراج، بعد الحكم عليهم في محاكم خاصة في سنوات التسعينيات، إذ أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن "إعداد قانون خاص، لفائدة سجناء التسعينات المحكوم عليهم نهائيًا"، يستهدف القانون معالجة مخلّفات الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر، وبذلك سيكون للرئيس بصمته السياسية لرأب الشّرخ الذي عمّر طويلًا بسبب ما يعرف إعلاميًا بـ"المأساة الوطنية"، فهل يصدر الرئيس تبون قرارًا سياسيًا يطوي صفحة "المأساة الوطنية"؟

ناشط حقوقي: هل سيكون هناك تعويض لمن تعرّضوا لمظالم السّجن لسنوات طويلة رغم أن التعويض المادي لا يمكن ترميم ضياع أعمارهم في السجون؟

طيّ صفحة الماضي

قرار الرئيس تبون بالعفو الرئاسي الذي سيشمل عن 298 شخصًا من سجناء التسعينات (التيار الإسلامي)، إضافة إلى 44 من معتقلي الرأي والحراك الشعبي، يأتي في خضم محاولات إنهاء ملفّ ظلّ يراوح مكانه لسنوات طويلة، إذ أفاد بيان من رئاسة الجمهورية أنه يتمّ " إعداد قانون خاص، امتدادًا لقانوني الرحمة والوئام المدني، يخص 298 محكومًا عليهم، سيحال الأسبوع المقبل على اجتماع الحكومة، لدراسته والمصادقة عليه، قبل إحالته على البرلمان في دورته المقبلة".

 

لخضر بن خلاف يكشف تفاصيل لقائه بالرئيس تبون: "هذا ما اقترحناه بخصوص مبادرة لم الشمل"

لخضر بن خلاف يكشف تفاصيل لقائه بالرئيس تبون: "لم الشمل الذي دعا إليه رئيس الجمهورية لا يمكن أن يرفضه عاقل محب لوطنه ودينه"

Posted by ‎Dz News TV ديزاد نيوز‎ on Wednesday, June 15, 2022

كما يأتي هذا الإعلان، تبعًا لجملة من الحوارات التي أجراها الرئيس مع ممثلي الأحزاب السياسية والمجتمع المدني خلال الأسابيع الماضية، إذ سيكون هناك قانون خاص بسجناء التسعينات معظمهم من كوادر الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تمّ حضر نشاطها سنة 1992، كما تضم المجموعة المعنية بهذا القانون عددا من العسكريين من المعتقلين الذين تعاطفوا مع الجبهة آنذاك، وتمّ تمرير قضيتهم على محاكم خاصّة، قضت بالسجن المؤبّد والإعدام على بعضهم في مقابل تنديد عديد الحقوقيين بهذه المحاكمات غير الدستورية التي أعقبت بدورها توقيف المسار الانتخابي في سنة 1992.

احتدجاجات للإفراج عن سجناء التسعينات

عودة الملف للواجهة وللتداول السياسي والإعلامي مرة أخرى، جاء عقب لقاء الرئيس بالقيادي في جبهة العدالة والتنمية (تيار إسلامي) لخضر بن خلاف الذي أكّد للإعلام المحلي أنه تناول بالنقاش ملف سجناء التسعينات خلال لقاءه مع الرئيس تبون، ووعده بالحلّ النهائي للقضية قائلًا: "من الأجدر لهم أن يكملوا بقية حياتهم رفقة عائلاتهم وذويهم، فمن كان عمره ثلاثون سنة في تسعينيات القرن الماضي، تجاوز اليوم العقد السابع، أما من كان عمره أربعون سنة في ذلك الوقت فهو على خطى قريبة من العقد التّاسع".

مواصلة السّلم

أكثر من ثلاثين سنة تمرّ، ورغم أن المحاكم الخاصة تمّ إلغاءها لاحقًا بعد ضغط حقوقي دولي، إلا أنّ المثير للانتباه أن أحكامها بقيت سارية المفعول على "المتّهمين"، ولم يتمّ الافراج عنهم بل ولم يستفيدوا من مختلف تدابير العفو وقوانين خاصة سنها المشرع الجزائري بقرارات رئاسية كبرى بداية من قانون الرحمة من طرف الرئيس الأسبق اليامين زروال في العام 1995 الذي يقضي بسنّ تدابير وإجراءات توفير الحماية للإرهابيين الذين سلموا أنفسهم تلقائيًا وأكدوا للسلطات الجزائرية عدم الرجوع للأعمال الإجرامية.

كما لم يحظ المعنيون أيضًا من تدابير "قانون الوئام المدني" الذي أطلقه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة منذ اعتلائه كرسي الرئاسة في العام 1999، للتعامل مع المتورطين في الأعمال الإرهابية من أجل إعادة إدماجهم في المجتمع عن طرق الإعفاء من المتابعات، بهدف استعادة الأمن والاستقرار وتخفيف حدة الضغط على الشارع، كما لم يستفد مساجين التسعينيات من تدابير قانون السلم والمصالحة الوطنية عام 2005، رغم أنه شمل مساجين ومسلحين وقيادات في "الجماعة الإسلامية المسلحة" و "الجيش الإسلامي للإنقاذ".

عفو   ثم فصل على يد البرلمان؟

من خلال ما سبق، هل سينجح الرّئيس عبد المجيد تبون في تمرير قانون الإعفاء عن مساجين سنوات التّسعينات وإغلاق هذا الملفّ المعقّد نهائيًا؟ وهل سيلجأ الرئيس لاستخدام ورقة حقه الدّستوري في معالجة ملفات أخرى تتعلق بما يعرف إعلاميا بـ"المأساة الوطنية" خاصّة منها معالجة ملفّ قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة المتواجدين في الخارج، وكذا ملفّ معتقلي الصحراء الذين تمّ فصلهم من العمل والزج بهم في معتقلات بالصحراء بسبب انتمائهم للجبهة، فضلًا عن ملف المفقودين الذين لازالت عائلاتهم تطالب بمعرفة الحقيقة.

أسئلة يمكن طرحها لمعرفة ما إذا كان القرار سياسيًا بامتياز أم أنّ الأمر يتطلّب استعراض حقّ النواب في الفصل في القانون المنتظر الإفراج عنه قريبًا، غير أن كفّة الحلّ السياسي بقرار دستوري ترجِّح الكفّة لصالح تبون بأن يضع بصمته في الإعفاء عن السّجناء بوازع أخلاقي –إنساني، فيما يطالب البعض إلى ضرورة الإسراع في الإعلان عن القانون لضرورة إنسانية تخصّ المعنيين وعائلاتهم.

بغضّ النّظر عن حيثيات العملية، يرجّح أن تكون خطوة سياسية يرمي من خلالها إلى لملمة جراح العشرات من العائلات التي لازالت تنتظر ذويها، في مقابل إصابة بعضهم بأمراض مزمنة.

احتدجاجات للإفراج عن سجناء التسعينات

في السياق نفسه، تعيد هذه الخطوة النّظر في العديد من القضايا المرتبطة بحرية الرأي والممارسة السياسية، إذ لا يمكن أن تظلّ القوانين حبرًا على ورق، وهو ما أكده النّاشط الحقوقي فريد سبوتة في إفادته لـ"الترا جزائر" قائلًا إنه لا يمكن الذهاب إلى مبادرة لمّ الشّمل دون إنهاء فصل من فصول الأزمة الأمنية وإحقاق حقوق الكثيرين.

وتساءل سبوتة عن إمكانية فرض التّعويضات لمن ثبت تعرّضهم لمظالم السّجن لسنوات طويلة، رغم أن "التّعويض المادي لا يمكِنه أن يغطّي أي تعويض إن كان الفرد قد خسِر عُمره في السّجن".

  الذّاكرة الجريحة

يطرح البعض الكثير من القضايا المتعلّقة بالفترة العصيبة التي عاشتها الجزائر، خصوصًا أولئك الذين فقدوا منازلهم وعملهم وفقدوا معها حياتهم الاجتماعية، إذ لم يتمّ تعويض الكثيرين منهم، رغم تدابير المصالحة الوطنية، واستتباعاتها من عدّة قرارات، فضلًا عن ملف المفقودين الذي لازال جُرحًا لم يندمل لدى الأهالي والعائلات التي لا تعرف لحدّ اليم حقيقة ذويها رغم التعويضات المادية التي خصصتها لهم الحكومة.

وعليه يطالب البعض الرّئيس تبون أن يعيد فتح هذا الملف بعيدًا عن صيغة التّعويضات المالية، في سياسة تتجه نحو جبر الضّرر وشفاء الجروح، كما قالت المختصة في علم النفس العيادي كريمة آيت يعلى لـ"الترا جزائر"، لافتة إلى أن الزجّ ببعض الملفات في الأدراج وهي مازالت " تنزف ألمًا -حدّ تعبيرها-لن يكون حلًا جذريًا لمخلفات الأزمة الأمنية حتى وإن عاد السّلم والاستقرار للبلاد.

مختصة في علم النفس: لا يمكن التخلّص من الفترة العصيبة في تاريخ الجزائر وارتداداتها النفسية على المجتمع بمجرد إصدار قوانين وإجراءات

وعلّلت قولها بأن " الفترة العصيبة التي عاشتها الجزائر لا يمكن أن نتخلص من ارتداداتها النفسية بمجرد قوانين وآليات تنفيذ، دون أن نعالجها من الجذور"، وهذا أمر يحتاج إلى إعادة فتح ودراسة ملفات بشكل جدّي ومن خبراء في القانون وعلم النّفس والاجتماع، بعيدًا عن " غلق ملفّ لم يتمّ انهاء تفاصيله الدقيقة ولازال أصحابه يتشبّثون بذاكرتهم الجريحة".