يتّجه البرلمان بغرفتيه إلى فتح النّقاش حول مشروع قانوني البلدية والولاية، ضمن تعهدات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون لإحداث انتقال تشريعي بخصوص القوانين النّاظمة لمؤسسات الحكم المحلي.
توفير مساحة للنقاش حول إطار تنظيمي وقانوني جديد يُعيد تنظيم مؤسسات الحكم المحلي والعلاقات بين المجالس المنتخبة والإدارة
يهدِف تعديل قانوني البلدية والولاية إلى تغيير أنماط التسيير الإداري وتنظيم الحكم المحلي، إذ سبق تشكيل لجنة برئاسة وزير الداخلية والجماعات المحلية الأسبق، دحو ولد قابلية، وذلك في تشرين الأول/ أكتبور الماضي تضمّ هذه اللجنة كل من: عبد الله منجي الأمين العام لرئاسة الجمهورية نائبا لرئيس اللجنة، و5 أعضاء من مجلس الأمة و5 نواب من المجلس الشعبي الوطن، بالإضافة إلى 5 رؤساء مجالس شعبية ولائية و 5 رؤساء مجالس شعبية بلدية و5 ولاة و 5 مديري تقنين والشّؤون العامة للولايات.
استقرار سياسي
أفضت التجربة السابقة للانتخابات المحلية، حسب تصريحات الرئيس تبون ووزير الداخلية إبراهيم مراد إلى "إخفاق لافت ومشكِلات جدية في كثير من البلديات وانسداد في المجالس المنتخبة".
وعليه تعيّن على السلطة حلّ هذه المشكلة، عبر توفير مساحة للنقاش حول إطار تنظيمي وقانوني جديد يُعيد تنظيم مؤسسات الحكم المحلي والعلاقات بين المجالس المنتخبة والإدارة.
وينظُر المتابعون للشّأن السياسي في البلاد إلى أنّ هذه الخطوة كانت من بين الملفات المطروحة بشدة في مكتب الرئيس بما يتوافق مع طبيعة السياسات التنموية الجديدة وذلك منذ بداية العهدة الأولى وإقرار تدابير خاصة بدستور 2020.
تنسجم خطوة تعزيز صلاحيات المنتخب المحلي، حسب أستاذ العلوم السياسية سعيد أوفلة، مع بناء استراتيجية تطوير البنى التحتية، كما أنّها تعني تحرير المبادرة المحلية على صعيد الجباية واعادة تنظيم الاقليم، ووضع آليات قانونية استباقية تحدّ من حالات انسداد المجالس المحلية والولائية.
وبالعودة إلى التّسيير المحلي، كشف أوفلة في إفادة لـ"الترا جزائر" بأنّ مشروع قانوني الولاية والبلدية، الذي سيُعرض للنقاش بين نواب الشّعب، هو من أهم القرار ات السياسية في سنة 2024، إذ يرمي إلى توسيع صلاحيات المنتخبين في المجالس لافتا إلى أنّه من الضروري "منح مساحة كبرى لتمكين ممثلي الشعب على المستوى القاعدي من اتّخاذ القرار، والقيام بخطوات نحو عرض المشاريع التي تنسجم مع احتياجات الولايات والبلديات".
وبخصوص القوانين التي ستُفرج عنها الهيئات المعنية؛ أوضح بأنّها "ستفك معضلة الصراعات السياسية والحزبية داخل المجالس الشّعبية المنتحبة، من جهة، كما تُحدّد طبيعة العلاقة والصلاحيات بين المجالس المنتخبة والهيئات الإدارية المعينة لعمل حكام الولايات، من جهة أخرى.
إدارة الشّأن المحلي
على الأرض؛ شهِدت المجالس المحلية عدة تحديات فيما وُصِف بحالة " جُمود تامّ" على مستوى أكثر من 800 مجلس بلدي كانت تعاني من مشاكل الانسداد وتعطيل سير المجالس، وبالتالي تأخير تسيير شؤون المواطنين.
تزايد حاجيات السكان وتشعّب الانشغالات اليومية يستدعي تغيير نمط التسيير وتصنيف جديد أيضًا للتجمّعات السكانية
من خلال قراءة لمشروع القانون الجديد، تسعى التدابير إلى حلّ مشكلة الجباية المحلية على مستوى المجالس المنتخبة، خاصة وأنّ البلديات ليس لها مدخول، بينما وسّع المشرّع المنتظر من أمكانية أن تبادر البلدية الى مشاريع محلية أو مشتركة مع بلديات قريبة تخدم الصالح العام.
وفي أحد البنود المعروضة للنّقاش أيضا هو تصنيف البلديات 1541 بلدية بين حضرية وشبه ريفية وريفية، وهو أحد العوامل التي من شأنها أن تحدد المشاريع وميزانية كل بلدية.
وفي قراءة لمسودّة التشريعات فإنّ القوانين المنتظرة يجب أن تتماشى مع متطلّبات البلاد خصوصا ما تعلّق منها بالنمو الديمغرافي والتوسع العمراني الذي شهدته.
وعليه فإنّ ذلك يعني تزايد حاجيات السكان وتشعّب الانشغالات اليومية، ما يتطلّب تغيير نمط التسيير من جهة، وتصنيف جديد أيضًا للتجمعات السكانية.
صلاحيات جديدة
القوانين الجديدة التي تمّت الإشارة إليها، تعكِس توجُّهًا مُهمًا نحو تعزيز الاقتصاد المحلي وخلق بيئة مناسبة لدعم المبادرات الاقتصادية والشباب حاملي المشاريع في الولاية.
كما أنّ المشروع التمهيدي يتضمن تفاصيل هامة حول أنماط التسيير التي سيتم تطبيقها على أملاك الولاية، مثل التسيير
المباشر للمؤسسات والمقاولات المحلية، إلى جانب عقود الامتياز التي قد تكون آلية مهمة لتشجيع الاستثمار والتنمية في المنطقة.
من خلال تحديد كيفية إعداد وتنفيذ الميزانية، يعزز القانون الشفافية والفعالية في إدارة الموارد العامة، مما يساهم في تحسين الأداء المالي والاقتصادي للولاية.
يهدف القانون إلى تعزيز إدارة الموارد الاقتصادية المحلية وتشجيع مشاركة القطاع الخاص والشباب في الاقتصاد المحلي، مما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة على المستوى المحلي.
كما تمنح النصوص القانونية للمجلس الشعبي الولائي صلاحية إنشاء هيئات اقتصادية تساهم في التنمية الاقتصادية المحلية، ودعم الفاعلين الاقتصاديين والشباب أصحاب المشاريع.
ويُحدّد المشروع التمهيدي الأساليب المتبعة في إدارة أملاك الولاية، سواء عبر التسيير المباشر للمؤسسات والمقاولات المحلية أو من خلال عقود الامتياز، كما يحدد كيفية إعداد وتنفيذ الميزانية الخاصة بها.
وفي هذا السياق، يسمح مشروع القانون بالحصول على قروض لتمويل المشاريع المنتجة للمداخيل، وذلك في مجالات الوقاية ومعالجة الأزمات التي قد تؤثر على سير عمل المجلس.
تقليص المسافة بين المحلّي والمركز
يتضمّن المشروع التمهيدي تعديلات في طريقة تعيين رئيس المجلس الشعبي الولائي، حيث يُعتمد المنتخب الحاصل على أغلبية أصوات الناخبين في القائمة الفائزة رئيسًا للمجلس، دون الحاجة إلى تحالفات أو اعتبارات سياسية.
وجود مسافة واضحة بين الفاعل المحلي المحدود من حيث الصلاحيات في علاقته العمودية مع الولاية أو الدائرة
في هذا الإطار، ينصّ أيضًا على اقتراح المجلس لإدراج مشاريع تنموية جديدة أو تخصيص مشاريع لإنجاز المنشآت الأساسية ضمن المخططات البلدية الاستراتيجية التشاركية، مثل بناء المدارس الابتدائية والمنشآت الصحية المدرسية، والمساهمة في تحسين خدمات النقل والإطعام المدرسيين.
ومن اللافت أنّه لأول مرة يُمنح رئيس المجلس الشعبي الولائي صفة "الأمر بالصرف المفوض" فيما يتعلق بتنفيذ ميزانية الولاية والمشاريع التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين.
إجمالًا، يجب الإشارة إلى أنّ البلديات عرفت تراكمات من المشاكل على مدى عقود؛ وذلك في علاقة بالتسيير وتغييب المكوّنات السياسية المحلية، وهو ما تم التطرق إليه في نقاش أكاديمي حول "الانتخابات ودور الفاعل السياسي المحلي".
وقد أفضى النقاش إلى وجود فجوة بين المنتخب المحلي (بلدية أو ولاية) والسلطات المركزية، بالإضافة إلى مسافة واضحة بين الفاعل المحلي المحدود من حيث الصلاحيات، في علاقته العمودية بين الولاية والبلدية.
وفي هذا السياق، أشار المحلل السياسي مصطفى بلخباز إلى أنّ التغييرات في التشريعات المتعلقة بالمجالس المحلية وتسييرها "ستُوفّر بعض الأكسيجين للبلديات، مما يساعدها على تنفيذ المشاريع"، كما ذكر.
وأضاف أنّ تشكيل المجالس المحلية وعلاقتها بالولاة ورؤساء الدوائر الذين يهيمنون غالبًا على القرار المحلي، قد أدى إلى خلق مشاكل كبيرة وأضعف من سلطات المجالس المنتخبة.
احتياجات المواطن
بعد أكثر من عقد من الزمن على إصدار القانون الحالي، أشار بلخباز إلى أنّ النظام القائم بحاجة إلى تحديث، إذ أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطنين وتطلعاتهم، كما أنه لم يعد يتماشى مع معايير الحوكمة الجيدة التي تهدف إلى تحقيق التوازن والعدالة في التنمية المحلية.
بناءً على هذا الواقع، أصبح من الضّروري إدخال مفاهيم جديدة في إدارة المرافق العامة، مع وضع المواطن في قلب أولويات السياسات العمومية.
وتنص بعض التدابير في القانون على أنّ رئيس البلدية سيكون هو العضو الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات في القائمة الفائزة، مما يعني أنه لن يكون هناك حاجة للتحالفات الحزبية أو انتخابات داخلية في المجلس البلدي.
ويبدو أنّ التدابير القانونية المقترحة لتسيير البلديات والولايات تهدف إلى تحديث منظومة إدارة المؤسسات القريبة من المواطن.
يمكن تلخيص ذلك بأنّ النصوص تشير إلى تغييرات مهمة، وذلك تحسبا لاستحقاقات سياسية وانتخابية في سنة 2025.، أبرزها إعادة هيكلة النظام البلدي والولائي، والتغلب على القصور الذي أظهرته التشريعات الحالية.
وبذلك يُتوقع إدخال آليات جديدة تتماشى مع التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ما يعزّز التفاعل الإيجابي بين المواطن والإدارة المحلية.
وفي موازاة هذه التشريعات الجديدة، من المنتظر تبسيط العملية الانتخابية وتفعيل العمل على المستوى المحلي من خلال التركيز على الشفافية والمساواة في الإدارة المحلية.