11-سبتمبر-2019

سمعان خوام/ سوريا

خرجت للركض في الغابة التي خلف الحومة، فصادفته يعتلي شجرةً، ويخاطب جمهورا متخيّلًا، من غير أن ينبس بولد شفة.

لا تفهموا الدين استحضارًا لعمر بن الخطّاب في واقعكم، بل افهموه استحضارًا لروح عدالته

قلتُ: ما تفعل يا فتى؟ قال: أتدرّب على أن أصبح إمامًا. تعلم أنني غبتُ أعوامًا في الصحراء، أنفقتها في طلب العلوم الشرعية، وها أنا أعود لأنفع بها غيري.

اقرأ/ي أيضًا: في نقد المثقف الجزائري

 قلت: انزل من أعلى الشجرة لتحصل المنفعة، فما فشل غيرك من الأئمة إلّا لأنّهم يخاطبون الناس من فوق. واترك استعمال يديك، فالمقام مقام استعمال العقل، ورافقنا في ركضنا لتشاركنا العرق، لا أن تبقى جامدًا، وتشاركنا الورق.

 لم يردّ عليّ وراح يصيح بأعلى صوته: أيّها الناس. لا تفهموا الدين مظاهرًا، وافهموه سلوكًا. وإلا اكتفيتم بوضع عبارة "جمعة مباركة" في فيسبوك، عوض أن تنقّوا الحومة، فلن تجتمع البركة والأوساخ في يومٍ واحد.

لا تفهموه شعرًا بل افهموه شعورًا. وإلا استفزّتكم شعرات تخرج من تحت خمار المرأة، ولا يستفزّكم خروج أصابعها من صبّاطها فقرًا.

لا تفهموه استحضارًا لعمر بن الخطّاب في واقعكم، بل افهموه استحضارًا لروح عدالته.

لا تفهموه مراقبة للخلق، فتنفوا عن الله صفة الستّار، بل افهموه مراقبة للخالق، فتثبتوا له صفة الغفّار.

لا تفهموه حجبًا للمرأة، بل افهموه احترامًا لها.

قاطعته: ما أجمل ما تقول! لكنه سيبقى بلا فائدة ما دمت تلقيه في غابة، فكأنّك ترى الناس حيواناتًا، ويرونك غرابًا ناعقًا. انزل من عليائك يا صاحبي ومارس ما تقول. التنوير ممارسة وليس استعلاء.

 تجاهلني مرّة أخرى وواصل خطابه: أيّها الناس. مالكم انتبهتم إلى حذف البسملة من الكتب المدرسية، ولم تنتبهوا إلى حذفها من يومياتكم؟!

صاح فتى ضخم الجثّة كان يركض قريبًا: هناك رجل غبريطي رجيم فوق الشجرة (نسبة لوزيرة التربية السابقة نورية بن غبريط). الغبارطة يعتلون المنابر، ونحن غارقون في الركض؟ فاجتمع كل من في الغابة على شجرته، وراحوا يرجمونه حتى سقط أرضًا.

 اعتلى الفتى ذو الجثّة الضخمة الشجرة، وراح يستحضر الموتى في خطابه.

مالكم انتبهتم إلى حذف البسملة من الكتب المدرسية، ولم تنتبهوا إلى حذفها من يومياتكم؟

طلع فتى من أقصى الغابة يسعى: الغابة تحترق.. الغابة تحترق. فلم يلتفت إليه أحد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المثقف والسّلطة في الجزائر.. قناع لوجهين

ملامح المثقف الجزائري في زمن مضى