في وقت يرفض فيه الحراك الشعبي الجزائري، كل أشكال التمثيل والوصاية والتحاور مع السلطة، تنطلق مبادرات وطنية هنا وهناك، من أجل إيجاد بديل عن الانسداد السياسي الذي تشهده البلاد؛ لملء بديلًا عن عجز الأحزاب السياسية في التحاور مع السلطة، وتمسّك الحراك بمطالبه في الشارع.
لم تتفقّ الأطراف التي ستشارك في اجتماع 15 حزيران/ يونيو المقبل، على مقترحٍ نهائي للخروج من الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد
يعلّق نقابيون وفاعلون اجتماعيون، آمالًا كبيرة على الندوة الوطنية للمجتمع المدني التي ستعقد يوم الـ 15 جوان/ يونيو الجاري، للخروج بورقة طريق من شأنها أن تحمل حلًا للأزمة التي تعرفها البلاد، منذ انطلاق الحراك الشعبي في فيفري/ فبراير الماضي.
اقرأ/ي أيضًا: الحراك الشعبي في الجزائر.. سياسيّون على دكّة الاحتياط
النقابي مزيان مريان، أبدى تفاؤله من انضمام نقابات وجمعيات جديدة إلى هذه المبادرة التي انطلقت في البداية بعدد محدود من النقابات، لتتوسّع بعدها إلى حوالي 40 نقابة وجمعية مدنية، ويصل عدد الحاضرين في اجتماع السبت الماضي التحضيري إلى 72 مشاركًا بين نقابة وجمعية، بحسب مزيان مريان، المنسّق الوطني للنقابة الوطنية المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني "سنابست" في حديث إلى "الترا جزائر".
وتضمّ هذه المبادرة؛ نقابات قطاعات التربية، والصحّة، والتعليم العالي، والتضامن الوطني، والقضاء، والمحاماة، والشؤون الدينية، والطيران، والبريد، وغيرها من المجالات المهنية الأخرى، إضافة إلى جمعيات لها حضور بارز في المجتمع الجزائري، مثل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية الإرشاد والإصلاح.
مقترحان اثنان
لم تتفقّ الأطراف التي ستشارك في اجتماع 15 جوان/ يونيو المقبل، على مقترحٍ نهائي للخروج من الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد، إلا أنها وصلت إلى ورقتي طريق سيتمُّ اعتماد واحدة منهما في الندوة الوطنية.
يتمحور المقترحان، حول فكرتين بارزتين؛ الأولى هي الدعوة إلى تنصيب لجنة وطنية لمستقلة لتحضير ومراقبة الانتخابات، مهمّتها تنظيم استحقاق رئاسي في أقرب وقت يُتوّج بانتخاب رئيس جديد للبلاد، يتولّى مباشرة الإجراءات التي تسمح بتنفيذ الإصلاحات التي يُطالب بها الحراك الشعبي.
يقترب هذا المقترح، مع ما يُطالب به قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي يرى أن الرئيس الجديد المنتخب هو الوحيد من يملك شرعية إحداث الإصلاحات اللازمة.
وحسب مريان، فإن هذا المقترح لم يلقَ الإجماع والتوافق من المشاركين في ندوة منتصف يونيو الجاري، إذ تميل الكفّة إلى مقترح استحداث هيئة منتخبة تقوم بوضع دستور جديد قبل إجراء انتخابات رئاسية.
ويقترب المقترح الثاني، مع طرح المنادين بالاتفاق على تشكيل مجلس تأسيسي توافقي توكل له مهمّة القيام بالإصلاحات اللازمة التي تُفضي في الأخير إلى إجراء انتخابات رئاسية شفافة، تحترم ما ستتفرزه صناديق الاقتراع.
لكن مقترح المجلس التأسيسي، لا يجد الإجماع المطلوب لحدّ الآن في الوسط السياسي، كونه يفتح الباب لإحداث قطيعة مع مكتسبات الدولة الجزائرية خلال السنوات الماضية، وهو قرار لا يوافق عليه حتى أشدّ خصوم النظام.
من المرتقب أن تُعرض توصيات ندوة 15 جوان/ يونيو، على رئاسة الجمهورية والأحزاب السياسية ومختلف الهيئات الفاعلة اليوم في المشهد السياسي، للذهاب بعدها إلى عقد ندوة وطنية أخرى، تجمع الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني، للخروج بورقة طريق تُنهي حالة الانسداد السياسي الذي تعيشها البلاد.
رؤية أخرى
تشكّل خطوة المجتمع المدني، بديلًا عن جمود المبادرات السياسية المقدّمة من طرف الأحزاب السياسية التي لا تزال إلى اليوم تراوح مكانها، لأنها تربط أي انخراط في مشاورات مع السلطة الحالية بذهاب رئيس الدولة المؤقّت عبد القادر بن صالح، على عكس تحرّك المجتمع المدني، الذي يحاول أن يتماشى مع الواقع الذي تعيشه البلاد، وتفرضه هوامش المناورة الدستورية والقانونية.
وبالنظر إلى تجارب بعض الدول التي عرفت أزمات سياسية مشابهة، رغم خصوصية كل بلد واختلافه عن الآخر، يُمكن أن تكون هذه الخطوة إحدى مخارج الأزمة؛ حيث لعب الاتحاد العام للشغل في تونس، دورًا فاعلًا في عملية الانتقال الديمقراطي.
ضمان التفاف الجميع حول هذه المبادرة، يقتضي أيضًا فضّ الخلافات والانشقاقات التي تعصف ببعض النقابات والجمعيات. هنا، يؤكّد عبد الحفيظ ميلاط، المنسق العام للمجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي، في حديث إلى "الترا جزائر"، عدم مشاركته في الندوة، بسبب مشاركة المنشقّين عنه في هذا الاجتماع كطرفٍ منظم، والوضع نفسه عبّرت عنه الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وللأسباب مشابهة أيضًا.
هل سيتجاهل الحراك الشعبي ما ستفرزه هذه الندوة الوطنية ويستمرّ في رفع مطالبه، أم أنّه سيتبنّى توصياتها
يبدو أن النقابات لن تتراجع عن عقد ندوة وطنية يوم 15 جوان/ يونيو القادم، حتى في ظلّ غياب بعض الفاعلين، إذ ينتظر هؤلاء الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية لعقد اجتماعهم، غير أن الأهمّ من هذا كلّه، هو صوت الحراك الشعبي في الشارع، إن كان سيتجاهل ما ستفرزه هذه الندوة ويستمرّ في رفع مطالبه، أم أنّه سيتبنّى توصياتها؟.
اقرأ/ي أيضًا: