22-ديسمبر-2017

أعلنت "الجزائرية وان" التلفزية الخاصة عن بعثها نشرة إخبارية باللهجة المحلية (يوتيوب)

من المفارقات المتعلّقة باللغة في الجزائر، أن العالم والمتصوّف محمّد بن الهوّاري، الذي يوجد ضريحه في مدينة وهران ويعرف بسيدي الهوّاري، كتب كتابًا، "باللغة الشّعبية الجزائرية"، في فقه العبادات في القرن الخامس عشر ليفهم النّاس شؤون دينهم، في حين رفضت الجامعة الجزائرية بعد الاستقلال عام 1962، أن تدرّس الشعر الشّعبي المكتوب باللهجات المحلية لكونه ليس من الأدب، ولكون الاعتراف باللغات المحكية/ العامية، في نظرها، يهدّد سلطة وقداسة اللغة العربية الفصحى التي هي لغة قومية.

من النادر استعمال اللهجة العامية في القنوات التلفزية الجزائرية لذلك أثار قرار قناة خاصة بعث نشرة إخبارية بـ"الدارجة" جدلًا واسعًا

ظلّت هذه القناعة مهيمنة على المنابر السمعية والبصرية الجزائرية إلى وقت قريب. حيث كان من النّادر استعمال اللهجة العامية/ "الدارجة"، بما في ذلك برامج الطبخ والتوعية الدينية والمدنية. لذلك شكّلت تجربة إذاعة "البهجة" التي انطلقت منتصف تسعينيات القرن العشرين استثناء في المشهد الجزائري. فرغم كونها متوجّهة إلى الجمهور العاصمي بلهجة سكان العاصمة، إلا أن انتشارها في الجهات الأربع للبلاد تفوّق على القنوات ذات البعد الوطني. وهو ما حصل لاحقًا مع قناة "جيل آف آم" التي انطلقت عام 2012.

تجربتا قناتي البهجة وجيل آف آم جعلتا استعمال اللهجة المحلية مألوفة في الإذاعة، لكنها بقيت غير ذلك في القنوات التّلفزية الحكومية والمستقلّة، خاصّة على مستوى نشرات الأخبار، التي ارتبطت في ذهن الجزائري بالرّصانة والوقار والجدّية، ومن مظاهر ذلك استعمال اللغة العربية الفصحى أو الفرنسية فيها. شكّل هذا الحكم الجاهز لدى قطاع واسع من الجزائريين إحدى الخلفيات التي جعلت إعلان قناة "الجزائرية وان" التلفزية الخاصّة عن بعثها نشرة إخبارية باللهجة المحلّية يثير جدلًا بين مستحسن للخطوة ومستهجن لها، مع مراعاة اختلاف دواعي الاستهجان والاستحسان.

كان عنوان الإعلان عن المشروع "أهدر جزايري" أي تكلّم جزائري، "ونيّتنا كانت أن نعيد الاعتبار للهجة الجزائرية المغيّبة في الفضائيات الوطنية، لكنّ تزامن إطلاق النشرة مع الجدل الخاص باللغة الأمازيغية واليوم العالمي للغة العربية فخّخه بروح الأيديولوجيا لا بروح المبادرة البريئة"، يقول المشرف على النّشرة يونس صابر شريف. يضيف محدّث "الترا صوت": "القناة نفسها تقدّم نشرة بالفصحى وهذا يعني أننا لا نحمل موقفًا متشنّجًا منها. ثمّ لماذا هذه الوصاية على لغة هي ملك للجميع؟ لماذا لا يتحرّك معارضو استعمال اللغة الشّعبية لمواجهة حقيقة تقول إنّ هناك سبعة ملايين أمّيٍّ في الجزائر؟". يختم: "الهوية لا تُحمى بتحنيط عناصرها".

اقرأ/ي أيضًا: الأمازيغية في الجزائر.. من السجن إلى الدستور

في السّياق، يقول الشّاعر والإعلامي علي مغازي لـ"الترا صوت" إنّ هناك انفصامًا لدى بعض الجزائريين، "فهم يشاهدون مسلسلاتٍ ويلتقطون قنواتٍ باللّهجات العربية الأخرى، حتى صاروا يفهمون تلك الموغلة في محلّيتها، لكنهم يرفضون أن تكون لهجتهم مستعملة في الإعلام بحجّة الحفاظ على قداسة ونقاء اللغة العربية الفصحى". يضيف: "ما معنى أن أبقى وفيًا لقوميتي العربية مع خيانتي لهوّيتي الوطنية التي تعدّ لهجاتها المحلّية شطرًا منها؟ إن خطوة قناة "الجزائرية وان" جديرة بالتّثمين".

مساندو خطوة "الجزائرية وان" يستحسنونها بدواعي توفر سبعة ملايين أمّي في الجزائر بينما يعتبر معارضي القرار أنه يفتح بابًا لتراجع اللغة العربية أكثر جزائريًا

من جهته، يقول المدوّن والنّاشر قادة الزّاوي إنه حينما يتعلّق الأمر بلغة الاتصال والتّواصل علينا أن نراعي عنصر التّبسيط، "فالهدف في هذه الحالة إيصال المعلومة للمتلقي وليس تعليمه اللغة الفصحى". يسأل: "هل يُعقل أن يكون الحديث الدّيني والبرنامج الصّحي والحملات ذات المنفعة العامة كالتحذير من سوء استعمال الغاز باللغة الفصحى في مجتمع ثلثه أمّيون ومتسرّبوه المدرسيون يمثلون الأغلبية؟ قبل أن نقدّس اللغة علينا أن نقدّس الحياة والحاجة إلى المعرفة الأوّلية المتعلّقة بها".

اقرأ/ي أيضًا: معلمة جزائرية تثير جدلًا بسبب اللغة العربية

لا يجد هذا الطّرح استحسانًا له عند المتعاملين مع اللغة العربية الفصحى بصفتها لغة القرآن ولغة الدّولة. بل إنّ البعض يذهب إلى تخوين المدافعين عن استعمال اللهجة المحكية في كتاباتهم ومداخلاتهم الإعلامية. يقول مدير روضة الأطفال حسان بوسدرة إنّ استعمال الدّارجة يفتح الباب واسعًا على تنافس اللّهجات المحلّية الكثيرة في هذا، وهذا ما يؤدّي إلى تلاشي اللغة العربية التي هي إحدى مقوّمات الهوية الوطنية". يسأل: ما جدوى استعمال اللهجة المحكية في نشرة أخبار تتضمّن أخبارًا سياسية واقتصادية وثقافية يصعب إدراكها بصفتها أحداثًا على غير المثقفين بغضّ النّظر عن اللغة المستعملة؟ لا أرى أنّ النّية سليمة في هذا".

 

مرّة أخرى، يقول الصّحفي عبد الله بن مهل لـ"الترا صوت"، يجد الجزائريون أنفسهم أمام نقاش يتعلّق بالشّكل لا بالجوهر، من قبيل حرّية الإعلام والمعلومة والإشهار أصلًا، وحقوق الصّحفيين والمحتوى المهني، "حيث تحتلّ الجزائر مراتب متأخّرة في هذه الأبواب".  

 

اقرأ/ي أيضًا:

اللغة الفرنسية.. تقسم الجزائريين من جديد

ما معنى أن تكون جزائريًا؟