في جولة قصيرة على عدد من الأحياء الشعبية والمجمّعات السكانية بالعاصمة، يقودنا السير بجانب الطرقات الرئاسية للوقوف على تراكم الأزبال والقمامة في كل بضع أمتار قليلة، حيث تغزو الروائح الكريهة الشوارع والأزقة نتيجة تراكمها وتكدسها لفترة طويلة.
يُحمّل كثيرون مؤسسات النظافة مسؤولية تراكم الأزبال وعدم التزامها بوقت محدد
يبدو أن تجار الأرصفة والمحلات التجارية لهم نصيب أيضًا من القمامات المتراكمة على قارعة الطريقة، بل أصبحت هذه القمامات تشكّل ديكورًا يوميًا في الشوراع والأحياء والمجمّعات السكانية، ومنظرًا اعتاد عليه المواطن، وحسب بعض السكان فإن ما فاقم من هذا الوضع هو التجارة الفوضوية وبعض المهن الحرة وسوء تنظيم دورات التنظيف، زيادة على بعض السلوكيات غير المتحضرة وغياب الوعي البيئي وأخطاره الصحية.
في مقابل ذلك، يُحمّل كثيرون مؤسسات النظافة مسؤولية تراكم الأزبال وعدم التزامها بوقت محدد، والتأخير الذي يشمل جمعها بين فترات متباعدة في حين أن الأحياء السكنية تتضاعف سكناتها وتتراص المحلات التجارية يومًا بعد يوم، غير أن هذه المؤسسات الخاصة بالنظافة لا تأخذ ذلك بعين الاعتبار ولا توفّر الإمكانيات اللازمة لموظفيها، ناهيك عن عدم التزام السكان بتوقيت معين لرمي القمامات رغم صدور تعليمات من حين لآخر، حيث أن السكان يفرغون قماماتهم بشكل عشوائي على مدار ساعات اليوم دون توقف.
أسئلة كثيرة
في هذا السياق الموضوع، يقول عمي أحمد، عون نظافة في العقد الخامس من العمر، إنه يشتغل في منصب مهندس نظافة منذ ما يقارب 20 سنة، مضيفًا: "أستطيع القول إن الوضع ازداء سوءًا منذ عقد تقريبًا، وبات الجهد المبذول مضاعفًا وظروف العمل أصعب.
وأفاد محدثنا أن السلطات الولائية في السنوات الأخيرة، وفي إطار حملة تنظيف المدينة، وضعت إمكانيات كبيرة، وزاد عدد العمال، علاوة على تعاقد البلديات مع بعض الخواص، غير أن مستوى النظافة في المدن والأحياء تدنى إلى مستويات كارثية.
إلى هنا، يُشير عمي أحمد إلى أن أوقات مداومة العمل تضاعفت خصوصًا في الصيف، وزاد أن عمال النظافة "نات كوم" تجمع القمامة والأوساخ في بعض النقاط ما بين أربع إلى خمس مرات في اليوم، ولكن وكأن القمامة تزداد وتتكاثر، على حدّ تعبيره، متسائلًا في الوقت نفسه عن أسباب الظاهرة ومصدر هذا الكم من النفايات ودوافع تراجع النظافة في شوارعنا.
فوضى الشوارع
ووفق مواطنين رصدت "التر جزائر" أراءهم حول غياب النظافة وتكدس القمامة وانتشار الأكياس السوداء في الفضاءات العامة وتراكمها في الوسط العمراني، يجمع مواطنون أن الأحياء الشعبية والمجمعات السكانية تعيش وضعًا كارثيًا ومأساويًا من ناحية غياب النظافة مع انعدام أدنى ظروف الحياة الكريمة والمريحة.
هنا، يقول عبد السلام، شاب في أواخر الثلاثينيات من العمر، إن الحي الذي يقطن به (حي السيلا بالمقرية) يتوسطه سوق للخضر والفواكه، وهو سوق شعبي فوضوي غير مرخص، ويرمي معظم الباعة قمامتهم في الشارع.
وأضاف محدثنا أن باعة الخضر يرمون مخلفاتهم من بقايا الخضر والفواكه المتعفة، وينجم عن ذلك انتشار روائح كريهة بالمكان، ناهيك عن رمي المياه القذرة، وأمام هذا الوضع بات المكان نقطة لرمي مخلفات البناء والنفايات.
في السياق نفسه، يشير عبد السلام أنه رغم وجود سوق جواري بجانب السوق الفوضوي، فإن الزبائن يتزاحمون على اقتناء حاجياتهم من مركبات السوق الفوضوي وتجار الأرصفة فاقم من تزايد الأوساخ والقمامة والفضلات، على حدّ تعبيره.
من جهته، يفيد أحد سكان العمارة المحاذية للسوق الفوضوي، أنه زيادة على انتشار الجريمة والاعتداء على الجيران في حالة إذا ما استنكر أحدهم هذه الممارسات، فإن غياب النظافة تسبب في انتشار أمراض وسط الأطفال، على غرار الحساسية والحكة وبعض الأمراض الجلدية نتيجة انتشار الفئران والجرذان والبعوض.
ويسجّل أيضًا سكان الحي قلهقم نتيجة انتشار الكلاب الضالة في الأحياء الشعبية، بسبب القمامة والفضلات.
المهن الفوضوية
في هذا المنحى، ينقل جمال بدوره في حديث إلى "الترا جزائر" معاناته بعد افتتاح جار له في الحي ورشة ميكانيك، فقد كان الحيّ هادئًا رغم وجودة أمام طريق رئيسي وآخر ثانوي، وبمحاذاته عدد من المحلّات التجارية.
يستدرك المتحدّث أن مشكل النظافة والضجيج والفوضى بدأت بعد توافد عدد كبير من السيارات على ورشة الميكانيك، وأصبحت عمليات الصيانة تتم خارج الورشة بما يترتّب عن ذلك من تلوث المكان بسبب زيوت السيارات المستعملة، وسط الحي وعلى الأرصفة والطرقات، "حتى الرصيف المحاذي للبيت لم يسلم من ركن السيارات وغلق مدخل المنزل".
وأمام الوضع المعيشي الذي أرهق جمال وعائلته، بات يفكر محدثنا في بيع المنزل والانتقال إلى مكان أكثر هدوءًا ونظافة.
في هذا الصدد تطرح بعض المهن غير المنتظمة إشكالية ممارسات سلوكيات سلبية تؤثر بشكل سلبي على نظافة المرافق والمساحات العامة، وتشوّه الفضاء السكاني وتمس بالبيئة، نتيجة إلقاء النفايات ورمي زيوت المركبات وحالة الفوضى التي تترتب عن المهن غير المشروعة.
عمال الرسكلة
من جانبه، رصدت "التر جزائر" مؤخرًا ظاهرة وسلوكيات سلبية، تتمثل في الجمع العشوائي للبلاستيك والقارورات البلاستيكية، وأصبحت تشكل ظاهرة مقلقة للسكان وصداعًا وتعبًا لأعوان النظافة بسبب رمي النفايات التي يخلفها أصحاب الشاحنات الصغيرة المخصصة لجمع البلاستيك، وبات الوضع مقلقًا بعد انتشار الهائل والفوضوي لنشاط تجميع البلاستيك بداخل حاويات القمامة.
هنا، يقول أحد أعوان النظافة يشتغل على مستوى الطريق الرئيسي بباب الزوار، إنه سترجعي قارورات المياه المستعملة يفتشون القمامات وينشرون الفوضى في المكان.
وأشار أن مسترجعي القارورات المستعملة يتسببون في رمي ما بداخل أكياس القمامة وسط الطريق وعلى الأرصفة، ويتسببون في انتشار الأوساخ والفضلات خصوصًا لو تمت عمليات الجمع في الفترة المسائية.
وأضاف محدثنا أن الظاهرة أصبحت تسبب في بذل جهد مضاعف لأعوان النظافة الكانسة للشوارع أو أعوان "نات كوم" للشاحنات.
لهذا السبب، يدعو مواطنون وجمعيات حماية البيئة السلطات إلى ضرورة تقنين نشاط تجميع المواد البلاستيكية ووضع حدٍ لهذه السلوكات التي تستهدف تفريغ حاويات القمامة وإلحاق الضرر بالبيئة والمحيط.
يدعو مواطنون وجمعيات حماية البيئة السلطات إلى ضرورة تقنين نشاط تجميع المواد البلاستيكية
ختامًا، لم يعد الوعي البيئي مسألة من المسائل الكمالية، بل حتمية يتعين على السلطات المحلية والمركزية العناية بترقية الحس البيئي، وبات الوعي البيئي شرط من شروط تحقيق المواطنة، والبيئة النظيفة تنعكس إيجابيًا أو سلبيًا في تنشئة المواطن وسط الفضاء العمراني، وحلة جمالية للمدنية تمد الفرد بالسعادة والإحساس بالرفاهية وزيادة الإنتاجية.