18-يناير-2022

وزيرة الثقافة وفاء شعلال (فيسبوك/الترا جزائر)

 

في وقت سابق كانت وزارة الثّقافة وزارةً هامشيّة من حيث الاهتمام الشّعبيّ بها؛ في الواقع والمواقع، بالمقارنة مع وزارات أخرى، مثل وزارات الدّاخلية والماليّة والطّاقة والمناجم والتّربية والتّجارة والشّباب والرّياضة، إذ كان الانتباه العامّ يذهب إلى الوزارات المرتبطة بالجوانب المعيشيّة والوظيفيّة، فكان الوزراء المعنيّون بها في مهبّ الأحاديث الواقعيّة والمنشورات الافتراضيّة.

إن الرّيتم الذّي تسير به وزارة الثّقافة والفنون هو ريتم وزارة كأنّها لا تملك وزيرًا يملك 17 مستشارًا وعدّة مدراء مركزيّين

اليوم، في ظل تحوّلات وقعت في مجال الانتباه الشّعبيّ العامّ، التحقت وزارة الثّقافة والفنون بالوزارات المثيرة، ليس لأنّها تقوم بما يستدعي هذه الإثارة فقط، بل لأنّ المواطن العادي بات أيضًا يملك انتظاراتٍ منها.

اقرأ/ي أيضًا: 2021 ثقافيًّا.. تفوّق الفرديات والجمعيات على الوزارة الوصيّة

هنا، علينا تثمين هذا التّحوّل المهمّ من مقام كانت فيه وزارة الثّقافة لا تعني إلّا العاملين فيها من الإطارات والمتعاملين معها من النّخب الفنّيّة والثّقافيّة، إلى مقام باتت تثير فيه انتباه المواطنين العاديين، بغضّ النّظر عن كونهم راضين أو ساخطين، وعن كون هذا السّخط أو الرّضى مرتبطًا بتناول الأيديولوجيا أم بتناول الأداء، فلتناوِل ذلك سياق آخر.

فهل يتوفّر الوعي الكافي لدى الفريق الوزاريّ الحالي بأهمّية هذا التحوّل، فيُستغلّ في تمرير برامج ثقافيّة حقيقيّة ومواطناتيّة تساهم في تثقيف اللّحظة الوطنيّة القائمة؟

لقد صار الشّارع يهتمّ بك ويتابع حركاتك وسكناتك، بعد أن كنت قطاعًا هامشيًّا بالنّسبة إليه، فماذا سيجد عندك؟ هل درست التحوّلات التّي وقعت على مستوى التّلقّي الثّقافيّ والفنّيّ لديه، فاستثمرت في الإيجابيّ منها بإطلاق مبادرات منسجمة  معها، وعملت على معالجة السّلبيّ منها باعتماد برامج تصبّ في روح تلك المعالجة؟

إنّه من الحلب خارج الإناء أن يركّز قطاع الثّقافة على التّوجّه إلى المحسوبين على الاهتمام والممارسة الثّقافيّين، مثلما تركّز وزارة الفلاحة على شريحة الفلّاحين ووزارة الصّيد البحريّ على الصّيادين، ويهمل الاهتمام بالمواطن بصفته المتلقي الأوّل والرّئيسي، ذلك أنّ وزارة الثّقافة والفنون يجب أن تكون في صدارة الوزارات الشّعبيّة لا المتخصّصة أو النّخبويّة، فما بالك بأن يشمل الإهمال الطّرفين معًا. المجتمع والنّخب! ليكون التّركيز فقط على صورة القائمين على القطاع، بحيث يصبح التقاطهم للصّور حدثًا ثقافيًّا وحيدًا أو طاغيًا!

حدث هذا كثيرًا حدّ الابتذال، للأمانة، مع وزراء سابقين. أمّا الوزيرة الحالية، فيبدو أنّها لا تريد إثارة الانتباه إلى مزالقها بالتّقليل من الظّهور والتّصريح؛ وكان الأمر سيكون مثمرًا لو لم يقترن يقترن بندرة النّشاط وغياب برنامج وزاريّ جيّد وجاد ومستوعب لجملة الحاحات والرّهانات الثقافيّة المختلفة.

إن الرّيتم الذّي تسير به وزارة الثّقافة والفنون، منذ فترة ليست باليسيرة، هو ريتم وزارة كأنّها لا تملك وزيرًا يملك 17 مستشارًا وعدّة مدراء مركزيّين وعشرات المدراء المحلّيين وآلاف الإطارات وأغلفة مالية تساوي الدّخل القوميّ لبعض الدّول الأفريقيّة، بما جعله ريتمًا قابلًا للمنافسة من طرف جمعيات محلّيّة. وهو واقع مخلّ بهيبة ووقار وزارةٍ تحتاجها اللّحظتان الوطنيّتان القائمة والقادمة في تحصين المستقبل الوطنيّ بالاستثمار في الإنسان ثقافيًّا، في إطار توسيع مفهوم الأمن القوميّ، مستغلّة كونَها باتت في مهبّ الاهتمام الشّعبيّ.

 لقد رأينا؛ مثلًا، كيف تفاعل الشّارع مع خبر/ إشاعة تعيين الوزيرة السّابقة مليكة بن دودة لمغنّي الرّاي كادير الجابوني سفيرًا للتّراث الجزائريّ. وبغضّ النّظر عمّن ثمّن أو اعترض، فإنّ التّفاعل الشّعبيّ يعدّ مكسبًا في حدّ ذاته. ففي السّابق كان الأمر مستبعدًا وغائبًا تمامًا.

تعالوا نتناول الظّاهرة من زاوية بسيطة جدًّا. أليس منتظرًا أن يكون الفريق الوزاريّ الثّقافيّ الذّي يأتي بعد حراك شعبيّ كبير، وفي ظلّ وباء متعلّق بموت أو حياة المواطن، أقوى فريق بعد الاستقلال الوطنيّ؟ من حيث الأداء والحضور والانتشار والدّعم والمرافقة والاقتراح والمبادرة والانفتاح على التهيّئات الشّعبيّة للتّلقي الثّقافيّ والعمل على استغلالها والاستثمار فيها؟

كنّا قادرين كمجموعة وطنيّة على استغلالها لتحقيق إقلاع ثقافيّ حقيقيّ 

غير أنّ الذّي حدث ويحدث منذ حكومة نور الدّين بدوي إلى حكومة أيمن بن عبد الرحمن، هو أنّ أفضل أفعال وزراء الثّقافة والفنون فعل الرّحيل! لكن بعد ماذا؟ بعد تفويت فرص ذهبيّة كنّا قادرين كمجموعة وطنيّة على استغلالها لتحقيق إقلاع ثقافيّ حقيقيّ، بات في ظلّ الألغام والفخاخ التّي تهدّد مجالنا الحيويّ، من متطلّبات الأمن القوميّ العامّ.

 

اقرأ/ي أيضًا

السينما الجزائرية.. أفلامٌ في العراء

حوار| الناقد محمد عبيدو: السينما الفلسطينية انتماء نضالي وإنساني أولًا